لا شك أن شبكة الأنترنيت هي من بين أفضل الاختراعات التي أبدعت البشرية. وتفننت الحضارة في تصميمها حتى الآن ولا أظن أحدا يخالفني الرأي بأنها اختصرت فعلا المسافات وألغت الحدود فصار رواد هذه الشبكة مجتمعا واحدا بثقافات متعددة و مشارب متناقضة، لكن لكل حضارة مفاسد وقد تكون أحيانا أكثر من المنافع خاصة إذا خرجت الأمور عن السيطرة و صعد إلى السفينة ركاب يحملون معهم أفكارا مسمومة تنشر العدوى بين الجميع فيكون لهذه السفينة أكثر من توجه، وأكيد أن مهمتها ستفشل لا محالة و لن تكمل رحلتها أو بالأحرى ستحيد عن الأهداف التي وُضعت من أجلها. فما يحدث لهذه السفينة ينطبق على شبكة الانترنيت التي صُممت في بداية الثمانينات لخدمة أهداف دول معينة لكن بعد تعميمها على الكرة الأرضية أراد منها أصحاب الريادة الخير والمنفعة للجميع فتُسخر لخدمة الإنسان وتكون له عونا عند الشدائد، وبعد فترة أنجبت الشبكة الأم أبناء، منهم من كان مطيعا ومنهم من اختار طريق العقوق والفئة الأخيرة هي أكثر حظا من الأخرى فهي التي شاعت وازدهرت وصارت مطلوبة من ملايين الناس حتى أنها بالنسبة لهم الهواء والغذاء وأقرب إليهم من ذريتهم وأزواجهم . وسطع نجم وسائط التواصل الاجتماعي ولا عجب أنها القدوة والمعلم لدى الكثيرين بمساوئها وما أكثرها، مساوئ تسمي الاحتيال ذكاء والانحلال حرية والرذيلة فنّا وإبداعا .فبمثل هذه الألفاظ يبدو الأمر غريبا ومنبوذا لكن بالفعل يكاد يكون المقياس الوحيد والأوحد لنجاح هذه المواقع و يكفي الإطلاع على عدد روادها ومتتبعي الفيديوهات المسيئة للسلوك المدمرة للخلق بها فنجدهم يُعدون بالملايين ويعلقون ويتفاعلون ويتبادلون محتواها فيما بينهم حتى تُشاع الرذيلة أكثر و في الجهة المقابلة لا يحظى الواعظون الناصحون سوى ببعض المشاهدين الذين غالبا لا يُكملون المشاهدة أصلا. فصار هذا الابن العاق جامعة للفتن وبدل أن يكون اختراعنا النافع الجميل في الأصل عونا لنا على المصائب والفتن يصبح عونا للفتن علينا.