الجريدة الرسمية:صدور قانوني تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومعالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي    أوبك+: لجنة المراقبة الوزارية تشيد بالالتزام باتفاق خفض الإنتاج    رئيس الجمهورية يُكرم المتفوقين في شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط 2025    الرئيس تبون: الجزائر ماضية نحو تحقيق أمن غذائي مستدام    مجلس الأمة يشارك بسويسرا في المؤتمر العالمي السادس لرؤساء البرلمانات    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة وفيات المجاعة إلى 147 فلسطينيا من بينهم 88 طفلا    شان-2024 (المؤجلة إلى 2025) – تحضيرات : المنتخب المحلي يواجه موريتانيا وديا    كأس العالم للكرة الطائرة 2025: انهزام المنتخب الجزائري امام نظيره الصيني 3-0    حوادث مرور وحرائق وغرقى… حصيلة ثقيلة للحماية المدنية خلال 24 ساعة    العدوان الصهيوني على غزة: واحد من كل ثلاث فلسطينيين لم يأكل منذ أيام    ضبط أزيد من قنطار من الكيف المعالج بالبليدة وبشار مصدره المغرب    كاراتي دو/بطولة إفريقيا-2025: الجزائر تنهي المنافسة برصيد 12 ميدالية، منها ذهبيتان    مكافحة التقليد والقرصنة: توقيع اتفاقية بين المديرية العامة للأمن الوطني والديوان الوطني لحقوق المؤلف    الألعاب الإفريقية المدرسية-2025: تألق منتخبات مصر، تونس، السودان ومدغشقر في كرة الطاولة فردي (ذكور وإناث)    تواصل موجة الحر عبر عدة ولايات من جنوب البلاد    اقتصاد المعرفة: السيد واضح يبرز بشنغهاي جهود الجزائر في مجال الرقمنة وتطوير الذكاء الاصطناعي    اختتام المهرجان المحلي للموسيقى والأغنية الوهرانية : تكريم الفائزين الثلاث الأوائل    جثمان الفقيد يوارى بمقبرة القطار.. بللو: سيد علي فتار ترك ارثا إبداعيا غنيا في مجال السينما والتلفزيون    تمتد إلى غاية 30 جويلية.. تظاهرة بانوراما مسرح بومرداس .. منصة للموهوبين والمبدعين    السيد حيداوي يستقبل مديرة قسم المرأة والجندر والشباب بمفوضية الاتحاد الإفريقي    وفود إفريقية تعبر عن ارتياحها لظروف الإقامة والتنظيم الجيد    هذا موعد صبّ المنحة المدرسية الخاصّة    يوميات القهر العادي    غوارديولا.. من صناعة النجوم إلى المدربين    إشادة بالحوار الاستراتيجي القائم بين الجزائر والولايات المتحدة    رئيس الجمهورية يعزي نظيره الروسي    الوكالة تشرع في الرد على طلبات المكتتبين    الاتحاد البرلماني العربي : قرار ضم الضفة والأغوار الفلسطينية انتهاك صارخ للقانون الدولي    رغم الاقتراح الأمريكي لوقف إطلاق النار.. استمرار القتال بين كمبوديا وتايلاند    نيجيريا : الجيش يصد هجوماً شنته «بوكو حرام» و«داعش»    وهران.. استقبال الفوج الثاني من أبناء الجالية الوطنية المقيمة بالخارج    خاصة بالموسم الدراسي المقبل..الشروع في صب المنحة المدرسية    إستشهاد 12 فلسطينيا في قصف على خانيونس ودير البلح    العملية "تضع أسسا للدفع بالمناولة في مجال إنتاج قطع الغيار    تحقيق صافي أرباح بقيمة مليار دج    تدابير جديدة لتسوية نهائية لملف العقار الفلاحي    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    ثواب الاستغفار ومقدار مضاعفته    من أسماء الله الحسنى.. "الناصر، النصير"    حملة لمكافحة الاستغلال غير القانوني لمواقف السيارات    تزويد 247 مدرسة ابتدائية بالألواح الرقمية    المخزن يستخدم الهجرة للضّغط السياسي    هدفنا تكوين فريق تنافسي ومشروعنا واحد    عنابة تفتتح العرس بروح الوحدة والانتماء    لا يوجد خاسر..الجميع فائزون ولنصنع معا تاريخا جديدا    إنجاز مشاريع تنموية هامة ببلديات بومرداس    عندما تجتمع السياحة بألوان الطبيعة    "المادة" في إقامة لوكارنو السينمائية    ورشة الأصالة والنوعية تختتم الفعاليات    جثمان المخرج سيد علي فطار يوارى الثرى بالجزائر العاصمة    دعوة مفتوحة للمساهمة في مؤلّف جماعي حول يوسف مراحي    شبكة ولائية متخصصة في معالجة القدم السكري    منظمة الصحة العالمية تحذر من انتشار فيروس شيكونغونيا عالميا    وهران: افتتاح معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة    النمّام الصادق خائن والنمّام الكاذب أشد شرًا    إجراءات إلكترونية جديدة لمتابعة ملفات الاستيراد    استكمال الإطار التنظيمي لتطبيق جهاز الدولة    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ويستعجلونك بالعذاب
نشر في الحياة العربية يوم 01 - 08 - 2018

فمع ضراوةِ المعركَةِ ضدَّ الظلمِ واشتدادِ المحنةِ وانتفاشِ الباطلِ وشِدَّةِ بطشِه، ربَّما دارتْ في داخلِ نفوسِ بعضِ المؤمنينَ معاركُ صاخبةٌ مؤْلِمَةٌ عن سِرِّ تأخُّرِ النصرِ للحقِّ على الباطلِ، والإبطاءِ في نَصَفَةِ المظلومِ من الظالمِ مع شِدَّةِ البغْيِ والعدوانِ وسَفْكِ الدِّماءِ وانتهاكِ الحُرُمات {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ}.
وفي ذات الوقتِ يمضي الظالمُون في غَمْرَةٍ وغفْلةٍ وغُرورٍ، يسخَرُون بمَنْ يُذَكِّرُهُم بعذابِ اللهِ أو يُخَوِّفُهم بعقابِه، ومُبَالَغَةً فِي التَّكْذِيبِ، وَاسْتِهْزَاءً بِالْوَعِيدِ، وزيادةً في الاستكبارِ والتحدِّي {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} في الدنيا، ويقولون: {إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرَ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ}، {وقالوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} أي عَذَابَنَا {قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ}، ويتخذون من مرورِ الأيامِ بانتفاشِهم بُرْهانًا على أنهم على الحقِّ ويقولون {ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}، ومنْ لمْ يستعجلوا منهم بألسنتِهم فإنهم يستعجِلُون بِذُنُوبِهِمُ الْمُقْتَضِيَةِ لَهُ مِنْ ظُلْمٍ وَفَسَادٍ فِي الْأَرْضِ وَفُسُوقٍ {بِمَا كَسَبُوا}.
فكلا الفريقين المظلومينَ والظالمين يستعجلُ النهايةَ المحتومةَ؛ بمقتضى الطَّبْع {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ}، لكنَّ أحدَهما –تحت وَطْأَةِ شِدَّةِ المحنةِ- يستعجلُها مؤمِنًا بها، والآخرُ -في غَمْرَةِ الجهلِ والعُلُوِّ- يستعجلُها استكبارًا واستنكارا.
واللهُ تعالى يُجيبُ الفريقين: {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} في الدُّنْيا ولا في الآخرة {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} إنه تَعَالَى لَا يَعْجَل، فَإِنَّ مِقْدَارَ أَلْفِ سَنَةٍ عِنْدَ خَلْقِهِ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُ، بِالنِّسْبَةِ إِلَى حُكْمِهِ، لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ عَلَى الِانتِقَامِ قَادِرٌ، وَأَنَّهُ لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ، وَإِنْ أجَّلَ وأنظَر وَأَمْلَى؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ هَذَا: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ}، فالذي يَعْجَلُ هو الذي يخافُ أنْ تفوتَه الفُرصة!
…لماذا يستعجل الظالمون؟!
أولا: بسبب الجهل والغرور:
إنَّ هذا الجهلَ والغُرورَ أوَّلُ أسبابِ استعجالِ الظالمين للعذابِ، بدلَ استعجالِهم للخير {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} الْمُكَذِّبُونَ الْآنَ؟ أَعَذَابَ الدُّنْيَا أَمْ قِيَامَ السَّاعَةِ؟ أَيًّا مَا اسْتَعْجَلُوا فَهُوَ حَمَاقَةٌ وَجَهَالَةٌ.
وهذا ما أدركه مؤمنُ آلِ فرعون وحذَّرَ منه قَوْمَه: {يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ. فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا}.وهو يحاولُ أنْ يُشْعِرَهم أنَّ بأسَ اللهِ إنْ جاءَ فلا ناصرَ منه ولا مُجِيرَ عليه، وأنهم إِزَاءَه ضِعافٌ ضِعَاف. وهكذا كلُّ مَنْ عرفَ كمالَ القُدْرةِ لمْ يَأْمَنْ فجأةَ الأخْذِ بالشِّدَّة، ومَنْ توسَّد الغفلةَ أيقظتْه فُجَاءَةُ العقوبةِ، وعندئذٍ لا عُذْرَ بعد وُضوح الحُجَّة. وبدلًا من أَنْ يَقُولُ الظالمون: «اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ، فَاهْدِنَا لَهُ، وَوَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِهِ»؛ فإنهم بجهلِهم اسْتَفْتَحُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَاسْتَعْجَلُوا الْعَذَابَ {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ. لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ. مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ}، وَكَذَلِكَ قَالَ الْجَهَلَةُ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، كَمَا قَالَ قَوْمُ شُعَيْبٍ لَهُ: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.
ثانيا: عدم الاتعاظ بالسابقين:
السبب الثاني في استعجال الظالمين: عدمُ اعتبارِهم بالسابقين مِنْ أمثالهم {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} أَيْ: مَضَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ فِي الْأُمَمِ الَّتِي عَصَتْ رَبَّهَا وَكَذَّبَتْ رُسُلَهَا الْعُقُوبَاتُ. ولا يزالُ الرسلُ والدعاةُ يحاولون رَدَّ الشارِدين وتنبيهَ المغرورين دونَ جَدْوَى {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ويرفضُ الرسلُ والدعاةُ الدخولَ في سِباقِ التحدِّي الذي يُعْلِنُه الظالمون؛ لأنَّ الرسلَ وأتباعَهم ليسوا المعنيِّينَ بإنزالِ العذاب {مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}، {إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ}.
..العذابُ نازلٌ، ولَاتَ ساعةَ مَنْدَمِ!
إذا كانت العجَلَةُ طبعًا في الإنسانِ مؤمنًا كان أو كافرًا، فإنَّ القرآنَ يؤكِّد {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي فلا تستعجِلُوا العذاب، أو فلا تستعجِلوا اللهَ في إنزال العذاب {سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ}.
فأما المؤمنونَ فيُطَمْئِنُهم أنَّ ما وعدَ به حاصلٌ لا محالةَ، ويقول لهم: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}. وأما الظالمون فيقولُ لهم: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ}. وحين ينزلُ بالظالمين وعدُ الله في الدُّنْيا يغلِبُهم النَّدَمُ الذي لا فائدةَ منه {فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ} أَيْ هَلْ نَحْنُ مُؤَخَّرٌ عَنَّا الْعَذَابُ، وَمُنْسَأٌ فِي آجَالِنَا؛ لِنَتُوبَ وَنُنِيبَ إِلَى اللَّهِ، فَنُرَاجِعَ الْإِيمَانَ بِهِ، وَنُنَيبَ إِلَى طَاعَتِهِ؟. فيأتيهم الجوابُ: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ. أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ. ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ. مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}. لَوْ أَخَّرْنَاهُمْ وَأَنْظَرْنَاهُمْ، وَأَمْلَيْنَا لَهُمْ بُرْهَةً مِنَ الزَّمَانِ وَحِينًا مِنَ الدَّهْرِ وَإِنْ طَالَ، ثُمَّ جَاءَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ، أَيُّ شَيْءٍ يُجْدِي عَنْهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ النِّعَمِ، {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}.
ل..ِنُزولِ العذابِ موعِدٌ مُحَدَّدٌ ومُفَاجِئ:
سيأتي وعدُ اللهِ في الميعادِ الذي حدَّده، لا في الوقتِ الذي يقترحُه المؤمنون، ولا في الوقتِ الذي يستعجلُه الظالمون {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا. وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا}.
وسيكونُ نزولُ العذابِ مُفاجِئًا للجميعِ في توقيتِه وفي كيفيَّتِه {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ}، ويقول سبحانه: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} أي: لَوْلَا أَنِّي ضربتُ لكلّ شيءٍ أجلًا لعجَّلْتُ لهم ذلك، وليأتينَّهم العذابُ -حين يأتيهم- بَغْتَةً وفجْأَةً {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} بِوَقْتِ مَجِيئِهِ قَبْلَ مَجِيئِهِ {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} أَيْ: يَسْتَعْجِلُونَ بِالْعَذَابِ، وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ. فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ}.وحين يبدأُ العذابُ في النُّزولِ قد لا يتصوَّرُ الظالمون أنَّهُ العذابُ الموعودُ؛ لشِدَّةِ استبعادِهم نُزُولَه {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
.. حكمةُ اللهِ في عدمِ تعجيلِ الشَّرّ:
يكشفُ القرآنُ هذه الحكمةَ {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} بِإِهْلَاكِهِمْ قَبْلَ وَقْتِهِ الطَّبِيعِيِّ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ وَاسْتَعْجَلُوهُمْ بِالْعَذَابِ مِنْ قَبْلِهِمْ، ولكنه لا يفعلُ ذلك؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَذَابَ إِذَا نَزَلَ يَكُونُ عَامًّا، بَلْ يَذَرُهُمْ وَمَا هُمْ فِيهِ إِلَى نِهَايَةِ آجَالِهِمْ {فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} أي: يَتَرَدَّدُونَ فِيهِ مُتَحَيِّرِينَ. هَذِهِ سُنَّتُنَا فِيهِمْ: لَا نُعَجِّلُ شَيْئًا قَبْلَ أَوَانِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ بِمُقْتَضَى عِلْمِنَا وَحِكْمَتِنَا. وقد جعلَ اللهُ لهلاكِ الظالمين أسبابًا، أهمُّها: إيمانُ الصادقينَ بقضيَّةِ الحقِّ التي يحملونها، وصِدْقُ لُجُوئِهم إلى اللهِ، وتَوَحُّدُهم في الميْدَانِ، وصُمودُهم أمامَ كلِّ محاولاتِ الظَّلَمَةِ والفَسَدَةِ، وإِبْداعُهم في الحركةِ، واكتسابُ أسبابِ النصرِ المتاحةِ والممكنةِ، مِنْ غيرِ إخلالٍ بشيءٍ من قواعدِ الشريعةِ الغَرَّاءِ وأحكامِها.
..فلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا
إنَّ كلَّ يومٍ يَمُرُّ يَنْقُص من أيامِ غَمْرَةِ الظالمين وغفْلَتِهم، ويَذْهَبُ مِنْهَا بِشَطْرٍ، ويُدْنِيهم من مصيرِهم المشؤومِ وهم لا يعلمُون، مثلَما أنه يَنْقُصُ من البلاءِ الذي يصيبون به المؤمنين وَيَأْخُذُ مِنْهُ بِنَصِيبٍ، حَتَّى يَنْجَلِيَ بإِذْنِ اللهِ، ويقترِبُ موعدِ النصرِ عليهم وَهُم عَنْه غَافِلون. حُكِيَ أَنَّ أميرا حَبَسَ رَجُلًا، ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ بَعْدَ زَمَانٍ، فَقَالَ المحبُوسُ لِلْمُتَوَكِّلِ بِهِ: «قُلْ لَهُ: كُلُّ يَوْمٍ يَمْضِي مِنْ نِعَمِهِ يَمْضِي مِنْ بُؤْسِي مِثْلُهُ، وَالْأَمْرُ قَرِيبٌ، وَالْحُكْمُ لِلَّهِ تَعَالَى”.
أَتَحْسَبُ أَنَّ الْبُؤْسَ لِلْحُرِّ دَائِمٌ .. .. وَلَوْ دَامَ شَيْءٌ عَدَّهُ النَّاسُ فِي الْعَجَبْ
وَسُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ الدُّنْيَا؟ فَقَالَ: “تَغُرُّ، وَتَضُرُّ، وَتَمُرُّ”.
إنَّمَا الدُّنْيَا هِبَاتٌ وَعَوَارٍ مُسْتَرَدَّهْ .. .. شِدَّةٌ بَعْدَ رَخَاءٍ وَرَخَاءٌ بَعْدَ شِدَّة
ولهذا قال الله تعالى {فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} قال كثيرٌ من أهل العلم: نَعُدُّ عليهم الأنفاس.
فيأيها المؤمنون ثِقُوا بنصرِ اللهِ لأنَّ الأمرَ كلَّه بيدِه، وهو الذي سلَّط هؤلاءِ الظالمين عليكم فتنةً وتمحيصًا {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا}، ولا تَدْفَعَنَّكم شِدَّةُ المحنةِ إلى العجَلة، فما تَرَوْنَ من إمهالِ الله وحِلْمِه ليس إهمالًا، ولا يلبثُون أنْ يأتيهم أمرُ الله ويَحِلَّ بهم عذابُه الَّذي لا يُرَدُّ عن القومِ المجرمين. فهو المنتقِمُ الجبَّارُ الذي يَعُدُّ للظالمين عَدّا!
فلا تَضِقْ صدورُكم أيها المؤمنون; فإنَّ يوم الظالمين قريبٌ، وكلَّ شيءٍ من أعمالِهم مرصودٌ محسوبٌ عليهم ومعدودٌ بالأنفاس، وترقَّبُوا ساعةَ النصرِ للحقِّ وأهله، والسقوطِ المُدَوِّي للظلم وأهله، ولينصرنَّ اللهُ الحقَّ وأهلَه بعِزِّ عزيزٍ وذُلِّ ذليل {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.