معرض التجارة البينية الافريقية 2025: المجلس العالمي للجالية الجزائرية يجمع مائة مستثمر من أبناء الجالية بالجزائر    معرض التجارة البينية الإفريقية بالجزائر : افتتاح تظاهرة "الأيام الإبداعية الإفريقية.. كانكس 2025" بصافكس    البطولة الإفريقية للأمم لكرة اليد لأقل من 19 سنة إناث بوهران: فوز كوت ديفوار على زامبيا (27-10)    الناتج المحلي للجزائر يرتفع    قادة أفارقة يشيدون بدور الجزائر    غراندي باندا.. جديد مصنع وهران    واضح: حركية معرض التجارة البينية الإفريقية تشكل قوة دافعة للمؤتمر الإفريقي للمؤسسات الناشئة    الدبلوماسية الجزائرية تواصل بقيادة رئيس الجمهورية تعزيز حضورها القوي في المحافل الدولية    الجزائر والموزمبيق توقعان ست اتفاقيات تعاون لتعزيز الشراكة الثنائية    مشاركون في "أسطول الصمود":"تَحرُّكنا ليس رمزياً بل لفتح ممر بحري إلى غزة"    يوم إبادة.. تدمير 90% من بنية غزة التحتية وخسائر ب68 مليار دولار    نفذتها القوات الخاصة في البحرية الأمريكية.. مهمة سرية فاشلة في كوريا الشمالية عام 2019    سطيف..استلام 32 مؤسسة تربوية جديدة في الدخول المدرسي المقبل    الكرة الطائرة الشاطئية: الجزائر تتوج بطلة العرب عند الرجال والسيدات يحققن البرونز    الجزائر العاصمة..قافلة طبية تقدم فحوصات لسكان أربع بلديات بولاية الطارف    حملة إصلاح التسربات بتلمسان: نحو استرجاع 17 ألف متر مكعب يومي من المياه    المنيعة..ربط أزيد من 160 بئر ارتوازي بالكهرباء منذ مطلع 2025    المحادثات بين رئيس الجمهورية ونظيره الموزمبيقي تتوسع إلى وفدي البلدين    الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر: تمويل 9 آلاف مشروع مصغر خلال السداسي الأول من سنة    تواصل فعاليات الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية بالجزائر في يومها الثالث    البرلمان العربي يدين تصريحات المدعو "نتنياهو" بشأن تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة    ارتفاع حصيلة عدوان الاحتلال على قطاع غزة إلى 64368 شهيدا    موجة حر بولايتي الجزائر و بومرداس وأمطار رعدية بولايات أخرى    لا حلّ في الشرق الأوسط دون إقامة دولة فلسطينية    الارتقاء بالشراكة تعزيزا للتكامل والتنمية في القارة    القادة الأفارقة يشيدون بدور الجزائر في تجسيد التكامل الإفريقي    الرئيس تبون يرافع لصالح إفريقيا قوية رافضة للتهميش    خطوة كبيرة نحو المونديال    الداخلية تعتمد انتخاب منذر بودن أمينا عاما للأرندي    بللو يستقبل مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية    استشهاد 75 فلسطينيا في القصف الصهيوني على قطاع غزة    "المحاربون" يضعون قدما في المونديال    نحو دخول جامعي ناجح بكل المقاييس    الجزائر تفرش بساطها السياحي لضيوفها من القارة    الحياة تعود مجددا إلى ساحة "19 أوت 1956"    تحضيرات مكثفة لتوفير آلاف الحقائب المدرسية بوهران    المجتمع الدولي مطالب بوقف إرهاب المستوطنين    تسليط الضوء على كنوز متحف "هيبون"    إيدير بن عيبوش يتوج بجائزة أفضل ممثل إفريقي    انتقاء بإتقان في مقام الضيوف    مباريات تصفيات المونديال تربح ولا تلعب    المهرجان الدولي للرقص المعاصر بالمسرح الوطني الجزائري: فلسطين ضيف شرف الطبعة ال13    التجارة البينية الإفريقية: "بصمات إفريقية", معرض جماعي يبرز إبداعات 18 فنانا تشكيليا من الجزائر وعدة بلدان أخرى    سينما: عرض 32 فيلما في الطبعة ال20 للقاءات السينمائية لبجاية    تصفيات كأس العالم 2026 /الجولة 7 (المجموعة 7) : المنتخب الجزائري يفوز على بوتسوانا (3-1)    الفوز للاقتراب أكثر من المونديال    هذه دعوة النبي الكريم لأمته في كل صلاة    تضع برنامجا يعكس الموروث الثقافي الجزائري وأبعاده الإفريقية    شراكة بين "صيدال" وشركة "أب في" الأمريكية    المدرب سيفكو يريد نقاط اللقاء لمحو آثار هزيمة مستغانم    الإعلان عن قائمة الوكالات المؤهلة    اجتماع عمل تقني بين قطاعي الصناعة الصيدلانية والصحة    النظام الوطني للتنظيم الصيدلاني: اجتماع عمل تقني بين قطاعي الصناعة الصيدلانية والصحة    نسج شراكات استراتيجية لتعزيز السيادة الصحية للقارة    الإسلام منح المرأة حقوقا وكرامة لم يمنحها أي قانونعبر التاريخ    المولد النبوي يوم الجمعة    يوم الجمعة الموافق ل 5 سبتمبر القادم    ذكرى المولد النبوي الشريف ستكون يوم الجمعة الموافق ل 5 سبتمبر القادم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكونية والخصوصية.. الحد الفاصل بين الحقيقة والوهم
نشر في الحياة العربية يوم 25 - 02 - 2020

يمارس بعض من يحسبون أنفسهم على الليبراليين والحداثيين تضليلا في استخدامهم لبعض المصطلحات من قبيل الدفاع عن الكونية في مقابل الخصوصية، وذلك من أجل إسقاط حق المجتمعات الإسلامية وغيرها من المجتمعات -التي لها خلفيات ثقافية وحضارية مختلفة عن الخلفيات الغربية- في أن يكون لها مسار نهضوي يرجع إلى أصولها الثقافية والحضارية، كما فعلت النهضة الأوروبية حين رجعت إلى التراث الإغريقي، ومحاكمة اختياراتها إلى تجربة تاريخية لها سياقاتها وملابساتها.
ويعتبر هؤلاء أن لا مجال لنهضة مجتمعاتنا إلا بأن تتبنى منظومات فكرية وأخلاقية تنطبق أكثر على بعض التجارب الغربية التي اختارت أقصى صور العلمانية تطرفا، منكرين على أمتنا أن تكون لها هويتها المتميزة في نطاق انتمائها إلى المجتمع الدولي، وداعين إلى تحييد كل ما له علاقة بالدين من المجال العام.
لا جدال في أن البشرية قد راكمت وتوافقت -عبر تاريخها الطويل- على عدد من القيم الإنسانية التي لم تعد ملكا للشرق أو الغرب، من قبيل العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية والحرية، والحق في الحياة والحق في التنقل والحق في التملك، والحق في التعبير عن الرأي وحرية المعتقد… وهلمَّ جرًّا.
وفي كل هذه القيم يوجد قدر كبير من الاتفاق، حتى إن الدارس أحيانا يكاد يجزم بأن مساحة الالتقاء بين مضامين “خطبة الوداع” النبوية مثلا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مساحة واسعة جدا، رغم اختلاف الأزمنة واختلاف المرجعيات. لكن هل يعني ذلك أن التوافق تام ومطلق؟ هل يعني التوافق أنه لم تعد هناك مجالات بقيت غير خاضعة للتوافق؟
الواقع أن مجالات عدم التوافق لا تزال قائمة، ليس بين دول الغرب والدول الإسلامية فقط وإنما بين الدول الغربية نفسها، بل حتى داخل نفس الدولة. فمثلا قضية إباحة الإجهاض وما يرتبط به من تفصيلات نجد اختلافات بشأنها بين الدول الغربية، بل ربما داخل نفس الدولة أحيانا بحيث لا يوجد اتفاق على أنه داخل في مشمولات الحرية الفردية والحق في التصرف في الجسد.
ونفس الشيء بالنسبة لقضية إلغاء عقوبة الإعدام؛ حيث يتفاوت الموقف فيها مثلا داخل الولايات المتحدة نفسها بين ولاية وأخرى، بسبب أن الدستور الأميركي يولي صلاحية سن القوانين الجزائية إلى الولايات وحكوماتها وهيئاتها، ويقدمها في ذلك على الحكومة الاتحادية.
ولذلك لا يسع الكونغرس بواشنطن إلغاء عقوبة الإعدام إلا عن طريق تعديل دستوري. ولا يتحصل تعديل دستوري إلا بغالبية موصوفة في الكونغرس يعضدها إبرام ثلاثة أرباع الولايات مشروع التعديل المقترح.
فكيف يمكن أن ننكر أنه بالانتقال من ثقافة لأخرى سيقع الاختلاف في اعتبار ممارسة ذلك حرية فردية وحقا من حقوق الإنسان، أم إنه اعتداء على حق آخر ألا وهو الحق في الحياة؟ مما يعني أنه إن كان هناك قدر معيّن في هذا الحق يمكن اعتباره متوافقا عليه عالميا، فإن هناك قدرا آخر توجد فيه مساحة تكبر أو تصغر هي مجال للتباين الذي يرجع إلى اختلاف السياقات الثقافية والمرجعيات الدينية والفكرية والفلسفية؟
وباختصار؛ فإنه لا يمكن باسم كونية حقوق الإنسان مصادرة الاختلاف في تنزيل هذه الحقوق الراجع إلى اختلاف المنظومات الثقافية والفكرية، لأن السعي إلى تنميط العالم والمجتمعات في منظور سكوني واحد لهذه الحقوق هو مصادرة لواحد من الأسس التي تقوم عليها حقوق الإنسان؛ ألا وهو الحق في الاختلاف.
ترفع طائفة من “الليبراليين ” و”الحداثيين” -في دعوتها لتنميط المجتمعات البشرية وحق المجتمعات الإسلامية وغيرها من المجتمعات غير الغربية في إلغاء الخصوصيات الثقافية والحضارية- دعوى الامتثال لحقوق الإنسان بالصيغة المتعارف عليها عالميا وكونيا، والواقع أن ذلك الفهم هو افتئات وقلب للمصطلح ومضمونه الحقيقي.
فالمتعارف عليه من حقوق الإنسان هو المساحة المشتركة التي لا خلاف فيها، ولا يؤثر فيها اختلاف السياقات الثقافية والحضارية. وتبعا لذلك؛ فإن الالتزام بقضية حقوق الإنسان -بالصيغة المتوافق عليها عالميا- لا يعني التطابق الكلي، أو الخضوع لتأويلات فلسفية أو أيديولوجية أو ثقافية لقضية من قضايا حقوق الإنسان، وكذلك الأمر لبعض مضامين الاتفاقيات الدولية.
وحيث إن القانون الدولي واعٍ بوجود هذا الهامش من عدم التوافق الكلي؛ فإنه أعطى الدولَ الحقَّ في التحفظ مراعاةً للتنوع الحضاري والخصوصية الثقافية، وهو ما فصلته وتوسعت فيه اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، التي نصت على عدد من المقتضيات الهامة في قواعد المعاهدات الدولية منها مثلا:
1- ما نصت عليه ديباجتها من أن مبادئ حرية الإرادة، وحسن النية، وقاعدة العقد شريعة المتعاقدين؛ هي مبادئ معترف بها عالميا، مما يدل على أن الانضمام إلى المعاهدات والاتفاقيات يتم ضمن سيادة الدول.
2- التنصيص على مفهوم التصديق كحق للدول، مع تحديد المصطلح تحديدا دقيقا في (المادة 2) من الاتفاقية؛ حيث جاء فيها بالحرف: “يقصد ب‘التصديق‘ و‘القبول‘ و‘الموافقة‘ و‘الانضمام‘ الإجراء الدولي المسمى كذلك، والذي تقر الدولة بمقتضاه على المستوى الدولي رضاها الالتزام بالمعاهدة”.
3- الإقرار بحق الدول في التحفظ الذي عُرِّف في الفقرة (د) من نفس المادة بالشكل التالي: “يقصد ب‘التحفظ‘ إعلان من جانب واحد -أيا كانت صيغته أو تسميته- تُصدره دولة ما عند توقيعها أو تصديقها أو قبولها أو إقرارها أو انضمامها إلى معاهدة، مستهدِفة به استبعاد أو تغيير الأثر القانوني لبعض أحكام المعاهدة من حيث سريانها على تلك الدولة”.
“لا شك في تهافت الأطروحة المبنية على تصور خاطئ ومضلل لمفهوم الكونية لأن التوافق على حقوق الإنسان لا يعني وجود تصور مطلَق ونهائي مغلَق لكافة القضايا أو التأويلات، ومن ثم يبقي هناك قدر منها موضوع تباينات ثقافية وأيديولوجية، مما يعني أنه إن كان هناك قدر كبير من التوافق حول القيم الحقوقية الكبرى، فإن هناك قدرا آخر -هو الأقل دون شك- يرجع إلى السياقات الحضارية والثقافية والدينية”
4- تضمين الاتفاقية إمكانية التعبير عن رضا الدولة الالتزام بمعاهدة ما بالتصديق على الاتفاقية في عدد من الحالات، منها الحالة التي تنص فيها الاتفاقية نفسها على هذا المقتضى، أو إذا اشترطت الدولة التصديق أو وقع ممثلها بشرط التصديق، أو عبرت الدولة أثناء المفاوضات عن مثل هذه النية. وهو ما تفصل فيه (المادة 14) من اتفاقية فيينا التي تتضمن كثيرا من الإجراءات التفصيلية التي تسير في هذا الاتجاه، وليس المجال مجال وقوف عندها.
لنقرر إذن تهافت الأطروحة المبنية على تصور خاطئ ومضلل لمفهوم الكونية لأن التوافق على حقوق الإنسان لا يعني وجود تصور مطلَق ونهائي مغلَق لكافة القضايا أو التأويلات، ومن ثم يبقي هناك قدر منها موضوع تباينات ثقافية وأيديولوجية، مما يعني أنه إن كان هناك قدر كبير من التوافق حول القيم الحقوقية الكبرى، فإن هناك قدرا آخر -هو الأقل دون شك- يرجع إلى السياقات الحضارية والثقافية والدينية.
ولنقرر ثانيا أنه أحيانا باسم كونية حقوق الإنسان تسعى دول كبرى أو توجهات سياسية أو أيديولوجية لفرض قراءتها وتأويلاتها الخاصة لقيم وحقوق الإنسان، في خرق سافر لأحد أعظم مقومات حقوق الإنسان، وهو حق الاختلاف.
ونفس ما قلناه عن الكونية والخصوصية يمكن أن نقوله عن مفهوم “الحرية الفردية”، التي يريد بعض ليبراليينا وحداثيينا أن يجعلوها مطلقة لا حدود لها، ولو اصطدمت ممارستها بقيم المجتمع ونظامه العام. وهذا التصور “للحرية” لا يوجد حتى في تعريف الدساتير الغربية التي تجعله منضبطا بضابط النظام العام، ولنا عودة إلى هذا الموضوع.
الجزيرة نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.