يجسد التزام الجزائر بالعمل متعدد الأطراف والتعاون الدولي    دعوة المعنيين بالفعالية إلى الولوج للمنصة الإلكترونية    وجود أحياء جديدة تخلو من المؤسسات التربوية"    خلايا إصغاء لكشف التوتر النفسي لدى التلاميذ    الداخلية تشيد بالحس المدني للمواطنين في التبليغ عن التجاوزات    توظيف خبرات الكفاءات الوطنية في خدمة المسار التنموي    رفع إنتاج الغاز الطبيعي أولوية    الجزائر فاعل اقتصادي وشريك حقيقي للدول الإفريقية    اتفاق الجزائر التاريخي يحقّق التوازن للسوق العالمية    وقفة حقوقية في الجزائر لملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة    غرس 1,3 مليون شجرة خلال 24 ساعة    مخطط استباقي للتصدي لحمى وادي "الرفت" بالجنوب    الجزائر لن تدخر جهدا في تقاسم خبرتها إقليميا وعالميا    شروط صارمة لانتقاء فنادق ومؤسّسات إعاشة ونقل الحجاج    المصادقة على النصين القانونيين المتضمنين إحداث أوسمة عسكرية : تكريم للعطاء والولاء والتفاني في خدمة الوطن    ملتقى دولي حول الجرائم المرتكبة في حق أطفال غزة    عمورة يعاني مع "فولفسبورغ" والضغوط تزداد عليه    أخريب يقود شبيبة القبائل إلى دور المجموعات    غاريدو يثّمن الفوز ويوجه رسائل واضحة    قراءات علمية تستعين بأدوات النَّقد    المصحف الشريف بالخط المبسوط الجزائري يرى النور قريبا    إصدارات جديدة بالجملة    تأكيد موقف خالد في مساندة قضية "شعب متلهّف للحرية"    الجزائر والنرويج تبحثان تعزيز الشراكة في قطاع المحروقات والاستثمار في الطاقة النظيفة    انطلاق الطبعة التاسعة للمهرجان الثقافي المحلي للموسيقى والأغنية التارقية بولاية إيليزي    نجاح الحملة الوطنية لغرس الأشجار وتعزيز مشاريع التشجير في الجزائر    فضل حفظ أسماء الله الحسنى    ما أهمية الدعاء؟    مقاصد سورة البقرة..سنام القرآن وذروته    ابن الجزائر دردابو .. أفضل مبتكر عربي    هيستيريا صهيونية في موسم قطف الزيتون الفلسطيني    تأهيل الشوارع وتعبيد الطرق واستعادة الحياة    والي تيزي وزو يأمر بإحصاء وتطهير العمليات المسجلة في مختلف القطاعات    بزنسة معلنة للانقضاض على جيوب المسافرين    حملة تشجير واسعة بالبليدة    إعداد مذكرة للتفاهم بين الوزارتين عبر القنوات الدبلوماسية    ضرورة تعزيز الحوار حول الاستخدام الجيّد للفضاء الرقمي    الجزائر تظل وفية لدورها في خدمة الإسلام الوسطي المعتدل"    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني    مشاريع لتطوير النظام المعلوماتي لقطاع الفلاحة    الجزائر بادرت بإصلاحات في السنوات الأخيرة    بودن يدعو إلى استقطاب الشباب والمرأة    تفوز بالفضية في نهائي عارضة التوازن    معيار الصلاة المقبولة    سوناطراك انجزت 142 بئر مقابل 121 بئر بنهاية أوت 2024    الموسيقى : "أوندا "تشارك في أشغال الجمعية العامة    مهرجان الجونة السينمائي : الفيلم التونسي"وين ياخذنا الريح" يفوز بجائزة أفضل فيلم عربي روائي    ناديان جزائريان في قائمة الأفضل    الرئيس تبّون يُهنّئ كيليا نمور    تحسين الصحة الجوارية من أولويات القطاع    تصفيات الطبعة ال21 لجائزة الجزائر لحفظ القرآن الكريم    كأس إفريقيا للسيدات 2026 / الدور التصفوي والأخير ذهاب : سيدات الخضر يطمحن لتحقيق نتيجة إيجابية أمام الكاميرون    بطولة العالم للجمباز الفني:الجزائرية كيليا نمور تنافس على ثلاث ميداليات في مونديال جاكرتا    البوهالي: الجزائر منارة علم    لا داعي للهلع.. والوعي الصحي هو الحل    اهتمام روسي بالشراكة مع الجزائر في الصناعة الصيدلانية    انطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الإنفلونزا    حبل النجاة من الخسران ووصايا الحق والصبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إخفاق الفردانية الحديثة وعالمية المعاناة.. دروس رواية “الطاعون” لزمن كورونا
نشر في الحياة العربية يوم 18 - 03 - 2020

مع تحول فيروس كورونا إلى “جائحة عالمية” وفق تصنيف منظمة الصحة العالمية، اندفع كثير من المواطنين -وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة- إلى المتاجر لشراء المواد الغذائية والسلع الأساسية بكميات كبيرة وتخزينها، وفي غضون هذا الذعر لم يفكر كثيرون في آثار هذا الاكتناز والتخزين على الآخرين الذين سيجدون مشقة في الحصول على السلع الأساسية بعد نفادها.
ورغم أن التخزين يعطي إحساسا بالأمان، فإن هذا السلوك “اللاعقلاني” سيجعل هؤلاء الأشخاص أنفسهم ضحايا نقص المواد المتوقع، ولكن “هذه اللاعقلانية هي انتصار للفردية التي هيمنت على الثقافة السياسية البريطانية على مدى السنوات الخمس والأربعين الماضية”، بحسب مقال لأستاذ المحاسبة في جامعة شيفلد البريطانية بريم سيكا.
يقول سيكا إن البشر يزدهرون في السياقات الاجتماعية وعندما يهتمون بأحبائهم أو يساعدون شخصا غريبا أو يساهمون في بناء المجتمعات، وهذا الإحساس الجماعي هو أساس دولة الرفاهية، لكن هناك توترا مستمرا بين المصالح الفردية والجماعية.
وأصبحت هذه التوترات موضوع كتابات المفكر الاقتصادي فريدريش فون هايك، الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد عام 1974 والملقب ب”أبو الفكر الليبرالي الحديث”.
يركز هايك على الحرية الفردية ويعطي الأولوية لحقوق الملكية الخاصة، والحرية الفردية، والتجارة الحرة، والأسواق المفتوحة، والدور المحدود للدولة، وقدمت مثل هذه الفلسفات أسس ما أصبح يعرف باسم الليبرالية الجديدة.
.. الليبرالية الجديدة
ويقول سيكا إن الفلسفات الليبرالية الجديدة سرعان ما أصبحت محور الأيديولوجيات السياسية التي تبناها الرئيس الأميركي رونالد ريغان (1981-1989) ورئيسة وزراء المملكة المتحدة مارغريت تاتشر (1979-1990)، ولم تكن الليبرالية الجديدة تؤثر على السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومات فحسب، بل وفرت أيضا تعريفا جديدا لما يعنيه أن يكون الإنسان سعيدا وناجحا.
وأعادت هذه الفلسفات الحديثة بناء الدول والمجتمعات والأفراد ككائنات تنافسية تشارك في السعي المحموم الذي لا يتوقف نحو الثروة الخاصة والسلع المادية والاستهلاك، مما سيؤدي إلى حد ما إلى زيادة الثراء والسعادة، بحسب مقال سيكا لموقع ليفت فوت فورورد.
وهكذا جعلت سنوات تاتشر صنع الثورة والمال مقبولا بأي طريقة كان -كما يقول الكاتب- وتمت تنحية المعايير الاجتماعية جانبا ولم يتم إيلاء اهتمام كبير للعواقب، بينما نُظر بتشكيك لأي شخص يعارض الأيديولوجية الجديدة السائدة، ويعني الارتباط بين السلع المادية والاستهلاك والسعادة أنه لا يوجد حد لاكتساب المزيد والمزيد من الثروة، حتى لو كان لا يمكن إنفاقها، بحسب أستاذ المحاسبة بجامعة شيفلد.
..الطاعون
ولكن مع تفشي جائحة فيروس كورونا، ظهر أننا نعتمد على المجتمع من أجل صحتنا ورفاهيتنا، وأن الفرد لا يمكنه أن ينجو وحده، وكلنا نعتمد على بعضنا بعضا، إذ لا يستطيع أي فرد بمفرده أن يحارب جائحة فيروس كورونا الجديد الذي لا يميز بين الناس.
ومع اتساع نطاق الخطر من المرض المعدي الجديد، قارن كثير من النقاد بين ما يجري حاليا وما سجله ألبير كامو عام 1947 في روايته الشهيرة “الطاعون” التي نشرت بعد الحرب العالمية الثانية.
تدور القصة حول حفنة من الرجال والأحداث التي جرت عندما اجتاح وباء الطاعون مدينة وهران الجزائرية، ولم يكن الراوي سوى الطبيب برنار ريو، والغريب جان تارو الذي استغرق في تأملاته الأخلاقية، وكلاهما قادا فرق الإصحاح البيئي الطوعية التي كانت تنقل الجثث وتعزل المرضى مما ساعد في حماية الأصحاء من السكان.
بيد أن فداحة الوباء تضاءلت أمامها كل تلك الجهود، فرغم محاولات تلك الفرق، استجمع وباء الطاعون قواه وبدأ يصرع الرجال والنساء والأطفال دون تمييز، ولم يكن لجهود أبطال الرواية أي تأثير يذكر، ومع ذلك ظل الرجال مفعمين بالعزيمة والإصرار وسلامة القصد.
وتساءل كامو في الرواية عما إذا كان بإمكاننا تصور المعاناة كتجربة مشتركة لا كعبء فردي، وبدا أن مفتاح ذلك هو الاعتراف بعالمية المعاناة، إذ يعد الطاعون حدثا استثنائيا، والرعب الذي يطلقه استثنائي أيضا، ففي كل يوم تغادر فيه المنزل، يمكن أن يحدث شيء رهيب، وفي أي لحظة يمكن أن تمرض مرضا مميتا، وينطبق الشيء نفسه على كل شخص تعرفه.
وتجبرنا الرواية والتأمل في أحداث “الطاعون” على التفكير في مسؤولياتنا تجاه الناس من حولنا، وتطرح الصراع بين السعادة الفردية والالتزام الأخلاقي تجاه المجموع عبر هذه الأحداث الحية التي تتضمن تكريس الطبيب ريو نفسه لمقاومة الطاعون والتضامن مع ضحاياه واستعداده التضحية في سبيل ذلك، بحسب الكاتب الأميركي سيان لينج.
..الفردانية الشريرة
ورغم أن لا أحد ينجو من الوباء، فإن أولئك الذين يثورون عليه ويخففون معاناة الآخرين هم الأكثر إشباعا بالقيم والمعنى، بينما “الأشرار” الوحيدون في الرواية هم الذين لا يستطيعون أن يروا أن الوباء خطر مشترك، وبالنسبة لهؤلاء الناس فالوباء ليس إلا عذرا للفرار أو فرصة للاستغلال لمصلحتهم الخاصة.
وتناقش الرواية أمر البدايات التي لم تكترث لها السلطة في وهران، والتبريرات المعهودة، فمن ظهور جرذ أمام عيادة الطبيب إلى نفوق الجرذان الغازية لدائرة مكافحة الجرذان، ثم حالات الموت، وكما يقول الراوي “الواقع أن أحدا لم يفكر في أن يتحرك ما دام كل طبيب لم يقف إلا على حالتين أو ثلاث، ولكن كان بحسب بعضهم أن يفكر بجمع الأرقام فيذعر ويبهت”.
وهناك فكرة متكرر في “الطاعون” هو أن الأزمات تقلب النظام الاجتماعي، وتجبرنا على التفكير بكل شيء وعلى حضور اللحظة الحالية (هنا والآن) فحسب، فلا شيء آخر يهم حقا عندما تكون حياتك اليومية وإمكانية البقاء على المحك، بحسب مقال لينج لموقع فوكس الأميركي.
وتبدو خلاصة رواية كامو وكأن “النضال المشترك هو ما يجعل المجتمع ممكنا”، ويبقى درس “الطاعون” هو أننا يجب أن ننظر إلى أنفسنا كأعضاء في المجتمع لا كأشخاص يعيشون حياة فردية منفصلة عن الآخرين، إذ يجبرنا الوباء على التفكير، لا في أنفسنا فحسب، وإنما في كيفية تأثير أفعالنا على الآخرين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.