رئيس الجمهورية يزور القصر المتحف بمنطقة بردو بسلوفينيا    حذار.. التوقعات والاحتمالات مقبرة نجاح المقبلين على البكالوريا    ثقل الجزائر يؤهلها لبعث روح جديدة في حركة عدم الانحياز    نحضر لوضع خارطة طريق الشبكة الجزائرية للوسيطات    ترشيح ممثلة النظام المغربي القمعي لجائزة "نيلسون مانديلا"    المقاربة الجزائرية شاملة عكس الروىء الأجنبية المغرضة    وفاة 6 أشخاص وإصابة 165 آخرين بجروح    حجز أكثر من 3200 وحدة من المشروبات الكحولية    السجائر الإلكترونية أكثر ضررا من التبغ    الذكاء الاصطناعي أداة حيوية لتحقيق التنمية الثقافية المعمارية    كل الظروف مهيأة لاستقبال الحجاج الجزائريين    مقرّرة إفريقية تؤكد ضرورة إيجاد حل دائم للاجئين الصحراويين    دعوة لمسيرات حاشدة بالمغرب لدعم فلسطين وإسقاط التطبيع    رئيس الجمهورية حريص على السيادة الرقمية لضمان تنمية عادلة    مستقبل واعد للعلاقات الاقتصادية بين الجزائر وسلوفينيا    ترتيبات ومراكز إجراء الامتحانات الوطنية تحت المجهر    سكيكدة تحيي الذكرى ال68 لمعركة وادي زقار    664 مليون دينار لتعميم المرجع الوطني للعنونة    الموازنة بين مكافحة الإجرام وحماية الحقوق والحريات    مجزرة مدرسة جباليا تثري سجّل الاحتلال الحافل بالقتل    "بطاقة نسك" مستوى عال في تنظيم وتأمين الحجّاج الجزائريين    مستقبل غامض ينتظر آيت نوري مع ولفرهامبتون    دراجات/ البطولة الافريقية للمضمار: الجزائرية هند بن صالح ضمن طاقم التحكيم    تحرير 500 عقد ملكية لسكنات ريفية    الاحتلال المغربي يواصل امعانه في التضييق وفرض حصار خانق على المناضلين الصحراويين    المنتخب المحلي يتعرف على منافسيه في "الشان"    غويري يعد بالتأهل للمونديال والتألق في كأس إفريقيا    الأغواط تفتح قلبها للسماع الصوفي    احتفاء بصويلح ومواكبة الرقمنة    سينما: دعوة للترشح لجائزة "جزاير اواردز 2025    أمن المدية يطيح بشبكات إجرامية    غزّة.. الإبادة تتواصل براً وجواً    حجّاج الجزائر يتوافدون على البقاع المقدسّة    تعزيز التعاون الاقتصادي الجزائري-البريطاني: فرص استثمارية واعدة بالأغواط    وهران تحتضن ندوة وطنية حول اقتصاد الطاقة: دعوات لتسريع الانتقال الطاقوي وتعزيز النجاعة الطاقوية    بعثة الحج الجزائرية تؤكد جاهزيتها الكاملة لاستقبال الحجاج وتوزيع "بطاقة النسك" لتسهيل المناسك    إدراج نشاط جمع البلاستيك ضمن جهاز المقاول الذاتي في إطار مشروع نموذجي    السيد دربال يؤكد أن معسكر تعد ولاية نموذجية في مجال إعادة استعمال المياه المصفاة    كرة القدم: وفاة الرئيس الأسبق لفريق رائد القبة موساوي جرمان عن عمر 79 عاما    يوم دراسي حول "الذكاء الاصطناعي والتراث المعماري الجزائري"    نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني يدعو من جاكرتا لاتخاذ خطوات عملية لنصرة القضية الفلسطينية    بلمهدي يبرز ضرورة المساهمة أكثر للجامعة في البحث حول القامات العلمية الجزائرية    الإعلان عن مضمون الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي لآفاق 2030    الذاكرة.. ركيزة بناء الجزائر    هذه رسالة الرئيس للحجّاج    الجزائر تُرحّب باتفاق وقف إطلاق النار    كرة القدم/الرابطة الأولى "موبيليس" : و.سطيف يعزز مركزه الرابع و ا.الجزائر يضع حدا لسلسلة النتائج السلبية    تسليم وثائق التوطين البنكي لعدد من مستوردي مادة الموز    كونوا خير سفراء للجزائر في بيت الله الحرام    تسيير تعاونيات الصيد البحري في دورة تكوينية    يوم الذاكرة بتلمسان محطة لمواصلة البناء    للمخرج لطفي بوشوشي.. تقديم العرض الأولي لفيلم "محطة عين الحجر"    هل على المسلم أن يضحي كل عام أم تكفيه مرة واحدة؟    الخضر يقتطعون التأشيرة    يوم تصرخ الحجارة كالنساء    صادي يؤكّد تبنّي نظرة واقعية    أشهر الله الحُرُمٌ مستهل الخير والبركات    أخي المسلم…من صلاة الفجر نبدأ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمر مسقاوي: شروط النهضة لمالك بن نبي لم تتحقق بعد
نشر في الحياة العربية يوم 27 - 03 - 2023

لا غرو أن تحتفل الجزائر والكثير من الدوائر الثقافية العربية بالمفكر مالك بن نبي، فعلى الرغم من أن بن نبي من مواليد عام 1905 في مدينة قسنطينة في الجزائر، فهو يستحق أن يعود إليه العالم العربي والإسلامي دوماً نتيجة الإرث الفكري الضخم الذي حققه في مسار حياته التي امتدت حتى عام 1973.
كان المفكر الكبير، قبل وفاته بعامين، وتحديداً في 10 جوان1971م، قد ترك في المحكمة الشرعية في طرابلس لبنان وصية حمّل فيها المحامي عمر مسقاوي الذي صار لاحقاً نائباً ووزيراً في التسعينات من القرن الماضي، وهو حالياً نائب رئيس المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، مسؤولية كتبه المعنوية والمادية.
ويلفت الباحث الجزائري -السويسري زيدان مريبوط، الأستاذ بجامعة جنيف، ومؤلف كتاب «مالك بن نبي: أب للتيار الإسلامي العالمي»؛ في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، أن بن نبي شدد على أن «نهضة العالم الإسلامي لن تتحقق إلا من خلال رفض السبات والخرافات والجهل الذي يفسر تأخره، وبالتالي فقد اقترح على الجميع استجواب الذات، واعتماد التفكير النقدي والمساءلة الحضارية على أرضية متينة مبنية على التعليم وإشراك المرأة والالتحاق بالزخم المعرفي والتكنولوجي لتحقيق تنمية حديثة ومستدامة». ويعود مريبوط في هذا المجال إلى كتاب بن نبي «شروط النهضة» الذي أصدرته «الوكالة الوطنية للنشر والاشهار»، بالجزائر عام 2005؛ أي في الذكرى المئوية الأولى لولادة المفكر الجزائري.
وخص المحامي مسقاوي «الشرق الأوسط» ببحث له حمل عنوان «شروط النهضة في عالم جديد»، يقول فيه: «كان الإطار الذي أحاط بنشأة فكر بن نبي يتكوّن في أجواء قسنطينة التي كانت تَفِد إليها من مصر والشرق أنباء الاستعمار البريطاني، ثمَّ الحركة التجديدية عبر رشيد رضا وإرث الإصلاح الأفغاني من ناحية، ومن ناحية أخرى أوروبا العشرينات وبروز العامل الأميركي مع تطور الرأسمالية والفكر الاشتراكي، ثم سائر التطورات القادمة، مع الشاعر طاغور، من الهند التي كانت في تلك الفترة مركزاً لهيمنة الاستعمار البريطاني في آسيا ومؤثراته في الجزيرة العربية ومصر في سائر الاتجاهات».
كانت هذه صورة التحولات التي فيها ترابطت فاعلية حضور أوروبا في العالم عبر الاستعمار. وهكذا غدا مفهوم الثقافة هو الصورة والتعبير عن تلك الولادة الجديدة التي تحققت فعلاً والتي اتخذت مصطلح «Renaissance». فارتبط مفهوم الثقافة وبعث أوروبا من جديد كنموذج في ذهن الأنتلجنسيا العربية والإسلامية. وغدا النموذج الأوروبي هو المعيار في التحدي المزدوج نحو الانفتاح الكلّي على هذا النموذج خارج حدود التراث العربي والإسلامي كحقيقة اجتماعية قائمة أو الانكفاء الكليّ نحو الذاكرة التاريخية لنموذج الحضارة الإسلامية.
كان ذلك كله أساس نقد بن نبي لمسار ذلك التفكك الفكري، الذي اختصره بمصطلح القابلية للاستعمار، الذي أسس به شهادته الأولى على العصر. وقد أصدر بن نبي هذه الشهادة تحت عنوان «العفن pourriture»، وقد كتبها بشفافية الرؤية والمشاعر منذ دخوله طالباً إلى فرنسا عام 1930، وكانت عليه حرباً من الاستعمار والقابلية للاستعمار معاً. وفي عام 1969، وبعد عودته إلى الجزائر، رأى أن يكتب مرحلة الطالب في شاهد القرن مجدداً وينتقي من العفن مآسيه فيه. وقد كان كتاب «شروط النهضة» قد صدر بالفرنسية لأول مرة عام 1949. إن عنوان كتاب «شروط النهضة» الذي صدر باللغة العربية هو ترجمة لأصله كما كتبه المؤلف باللغة الفرنسية تحت عنوان: DISCOURS sur les conditions de la Rennaissance Algérienne.
ومعنى (conditions) باللغة الفرنسية تعدد المعاني، ويمكن ترجمة هذا التعبير إلى معانٍ مختلفة، ومنها مقدمات سابقة (préalables) لا بد منها قبل الوصول إلى الهدف. وفي حالتنا الراهنة يطرح كتاب «شروط النهضة» مقدمات لمستقبل تشخيص النهضة، أولها ما ختم به المؤلف شروط النهضة، وهو الخروج من قيود القابلية للاستعمار.
وتضمن في طبعته الأولى مظاهر ما تضمنه كتابه «العفن»، تعبر عنه صفحة الكتاب المطبوع بالفرنسية، ومشار فيه إلى حكمة من الكاتب الفرنسي ميكافيل، وقد طبعها على غلاف الكتاب، نترجمها بالعربية كما يلي: «على الرجل الشريف أن يُعلم الآخرين الخير، فإذا لم يستطع تحقيقه في أزمان الطغيان والفجور والعمى في الفكر، فهناك أمل كبير في زمان آخر سيأتي فيه من يقرأه ويعلمه بكفاءة تتيح الازدهار والتقدم». فهذا العنوان في حدِّ ذاته يطرح المنطلقات الرئيسية لسلسلة كتبه جميعاً. وهو انطلق من معيار عملي يختلف أساساً عن كلّ مقاربات المفكرين والكتَّاب الذين تكلموا عن النهضة كعنوان في تبعية التقدم الغربي، سواءٌ في هذا الاتجاه أو ذاك.
يتحدث بن نبي عن الخمسين عاماً السابقة على صدور كتاب «شروط النهضة» والتي كانت لها إيجابية النزوع إلى الإصلاح، لكنها عادت دون الأهداف والاتجاهات، وقد رآها بن نبي لا تعالج المرض وإنما الأعراض، كالطبيب الذي يواجه المريض بالسل الجرثومي فلا يهتم بالجراثيم إنما يهتم بالحمى عند المريض. وهنا يعلق بن نبي بأن القاعدة في علم الاجتماع ليست حداً صارماً كما هي في علم الرياضيات، فلكي ننشئ حضارة فليس لنا أن نشتري منتجات حضارة أخرى. فالحضارة هي التي تلد منتجاتها، ومن السخف أن نعكس القاعدة فنصنع حضارة من منتجات سوق الحضارات. وينتهي بن نبي من هذا كله إلى تحديد معادلة رياضية لكل ناتج حضاري هو الإنسان بالمعادلة التالية: إنتاج حضاري = إنسان، تراب، وقت. ويسأل: هل يمكن للشعوب الإسلامية في مرحلتها الراهنة تطبيق المبدأ القرآني في إرادة اندفاع روحي للتغيير في معادلة الإنسان والتراب والوقت؟ وفي مقاربة هذا السؤال، بدأت الشروط التي وضعها بن نبي تنطلق من استراتيجية أساسية مماثلة لاستراتيجية ولادة أوروبا من جديد في إطار مفهوم «النهضة»Renaissance) ) الأوروبي. هذه الاستراتيجية تتمثَّل في إعادة النظر في التراث القديم بعد تصفيته من سائر مؤثرات الحضارة الإسلامية التي أفلت بعد سقوط الأندلس كما يقول بن نبي. وكان الخروج من القابلية للاستعمار يتطلب تأهيلاً جديداً يُصَفِّي سلبيات الأفكار السائدة في لحظة تاريخية مليئة بالبواعث، كتلك اللحظة التي نشأت فيها ولادة الإسلام عبر الوحي في مكة.
وتعبير الولادة الجديدة كما سماها في أوراقه الخاصة، هو ولادة «وجوه تسير نحو الفجر» ( visages à l'aurole) التي تشير إليهم في أنشودة الافتتاح، وبقي مصطلح «Renaissance»، كما جاء في الأصل الفرنسي لكتاب «شروط النهضة»، هو المعنى العملي والأكثر وفاء بمنطلقات بن نبي لورشة «النهضة»، فمصطلح «Renaissance» يدلّ على ولادة فعلية لواقع حضاري جديد هو «الغرب» بكل معناه، وقد أضحى حقيقة نهائية في مفهوم الحداثة والاستعمار على سواء، في حين أن فكرة النهضة في المشروع العربي الإسلامي اتجهت إلى المستقبل خروجاً من الواقع القائم. وهذا يدلّ على أنَّ وعي العرب في رؤيته لنهضة أوروبا يقوم أساساً على الإحساس بالفارق بين واقع التخلف وواقع نهضة أوروبا؛ لذا فهم يفكرون بالنهضة التي يرون نماذجها ولا يفكرون في بناء نهضة كبديل عن الواقع الذي يعيشونه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.