رئيس الجمهورية يشرف مع الوزير الأول السلوفيني على التوقيع على إعلان مشترك بين البلدين وعدة اتفاقيات تعاون    رئيس الجمهورية يشرف بليوبليانا رفقة نظيرته السلوفينية على افتتاح منتدى رجال الأعمال الجزائري- السلوفيني    جيدو /ذوو الهمم/ بطولة العالم-2025 ( اليوم الاول): الجزائري عبد القادر بوعامر يحرز الميدالية الفضية    رياح قوية على عدة ولايات من جنوب البلاد إبتداء من يوم غد الاربعاء (نشرية خاصة)    وهران: مغادرة أول فوج من الحجاج إلى البقاع المقدسة    زيتوني يؤكد أن سياسة ترشيد الاستيراد ساهمت في تعزيز ثقة المواطن في المنتوج الوطني    وهران تحتضن مؤتمراً دولياً حول "الحلول الخضراء في صناعة النفط والغاز"    الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية المقررة بالجزائر : منصة حوارية لتعزيز التعاون جنوب-جنوب    الجزائر العاصمة: وضع حيز الخدمة المصعد الهوائي بوادي قريش بعد خضوعه لأشغال الصيانة    دوافع الطلب على النفط وسط الحروب التجارية    جائزة "نيلسون مانديلا" لحقوق الإنسان: اتساع رقعة المعارضين لترشيح ممثلة المغرب    جاكرتا: الجزائر تبرز جهودها في حماية المرأة خلال مؤتمر البرلمانيات المسلمات    رئيس المجلس الشعبي الوطني يتحادث مع نظيرته الإندونيسية بجاكرتا    حوادث الطرقات: وفاة 41 شخصا وإصابة 1584 آخرين خلال أسبوع    الطبعة ال11 للمهرجان الثقافي الوطني للموسيقى الأندلسية من 20 إلى 24 مايو    حملاوي تزور الخليفة العام للزاوية التيجانية    مجلس الأمة: تنصيب الأعضاء الجدد بعنوان التجديد النصفي لسنة 2025 الاثنين المقبل    بوقرة : الجزائر تحقق تقدماً لافتاً في توطين الصناعة الصيدلانية وتعزيز السيادة الدوائية    صحة : لقاء حول "تعزيز و تطوير الخدمات الطبية و الجراحية بمصالح الاستعجالات"    "فيلونيون" معرض للفنان معمر غرزيز يعكس جزائر قوية وموحدة    تزايد خطر المجاعة في غزة في ظل الحصار المستمر    فلسطين: الاحتلال الصهيوني يواصل عدوانه على طولكرم لليوم ال 107 على التوالي    نحو إعلام جزائري مبتكر وريادي … شراكة استراتيجية بين اتحاد الصحفيين الجزائريين و حاضنة التعليم العالي    حذار.. التوقعات والاحتمالات مقبرة نجاح المقبلين على البكالوريا    ترشيح ممثلة النظام المغربي القمعي لجائزة "نيلسون مانديلا"    المقاربة الجزائرية شاملة عكس الروىء الأجنبية المغرضة    الذكاء الاصطناعي أداة حيوية لتحقيق التنمية الثقافية المعمارية    حجز أكثر من 3200 وحدة من المشروبات الكحولية    السجائر الإلكترونية أكثر ضررا من التبغ    دعوى لتجنيب الأطفال الأطعمة المصنعة    كل الظروف مهيأة لاستقبال الحجاج الجزائريين    664 مليون دينار لتعميم المرجع الوطني للعنونة    المطلوب خطوات عملية لنصرة القضية الفلسطينية    الموازنة بين مكافحة الإجرام وحماية الحقوق والحريات    رئيس الجمهورية حريص على السيادة الرقمية لضمان تنمية عادلة    مستقبل واعد للعلاقات الاقتصادية بين الجزائر وسلوفينيا    ترتيبات ومراكز إجراء الامتحانات الوطنية تحت المجهر    دعوة لمسيرات حاشدة بالمغرب لدعم فلسطين وإسقاط التطبيع    الجزائر استعملت حقّها السيادي ضد أجانب مشبوهين    سكيكدة تحيي الذكرى ال68 لمعركة وادي زقار    مستقبل غامض ينتظر آيت نوري مع ولفرهامبتون    تحرير 500 عقد ملكية لسكنات ريفية    دراجات/ البطولة الافريقية للمضمار: الجزائرية هند بن صالح ضمن طاقم التحكيم    المنتخب المحلي يتعرف على منافسيه في "الشان"    غويري يعد بالتأهل للمونديال والتألق في كأس إفريقيا    الأغواط تفتح قلبها للسماع الصوفي    احتفاء بصويلح ومواكبة الرقمنة    حجّاج الجزائر يتوافدون على البقاع المقدسّة    بلمهدي: ضرورة تعزيز البحث الجامعي حول أعلام الجزائر الفكرية والدينية    يوم دراسي حول "الذكاء الاصطناعي والتراث المعماري الجزائري"    كرة القدم: وفاة الرئيس الأسبق لفريق رائد القبة موساوي جرمان عن عمر 79 عاما    هذه رسالة الرئيس للحجّاج    الخضر يقتطعون التأشيرة    يوم تصرخ الحجارة كالنساء    هل على المسلم أن يضحي كل عام أم تكفيه مرة واحدة؟    كلاسيكو مثير جدا    أشهر الله الحُرُمٌ مستهل الخير والبركات    أخي المسلم…من صلاة الفجر نبدأ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشكلة الهوية وصراع الثقافات.. قراءة في رواية "الاستسلام"
نشر في الحياة العربية يوم 25 - 05 - 2016


الأهرام اليومي
الأدب هو مرآة الشعوب، بل هو التعبير الصادق للبسطاء الذين لا يستطيعون نقل صراحتهم للعالم، بل إننا نستطيع أن نصف الأديب بالبوصلة التي قد تغير دفة السفينة إلى الاتجاه الأمثل حتى ترسو سفينة الوطن على بر الأمان.
إن الأديب يستطيع أن يتنبأ بأحداث مستقبلية نتيجة لتحليله الدقيق المستند على ثقافة مليئة بالخبرات الناتجة عن مختلف القراءات، والتي تصنع داخله بانوراما اجتماعية – سياسية – تاريخية يستقيها من تاريخ الشعوب، ونجد مثل هذه التنبؤات في العديد من الأعمال الأدبية مثل رواية "انتفاضة" للكاتبة الفلسطينية "سحر خليفة"، التي ظهرت قبل الانتفاضة الفلسطينية عام 1987، ورواية "الميراث" لنفس الكاتبة، التي تنبأت بأن يحكم أمريكا رجل أسود، إلى جانب رواية "عودة الروح" لتوفيق الحكيم، التي تنبأت بثورة 1952م، و"أجنحة الفراشة" لمحمد سلماوي"، التي أيضاً تنبأت بثورة 25 يناير 2011م.
إلا أننى أسلط الضوء هنا على إحدى الروايات الفرنسية التي ظهرت منذ عام تقريبًا، قبيل أحداث شارلي إبدو في باريس، إنها رواية "الاستسلام" للكاتب الفرنسي ذائع الصيت ميشيل ويلباك.
تتنبأ هذه الرواية بالأحداث السياسية في المجتمع الفرنسي بعد انتهاء الولاية الثانية للرئيس الفرنسي الحالي فرنسوا هولاند في عام 2022م، حيث تبدو فرنسا، من وجهة نظر الكاتب، تعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية وتراجع للحقوق المدنية.
كما أن الحزبين السياسيين الأكثر شيوعًا يفقدان مصداقيتهما عند الشعب، ليتصدر بالتالي الحزب اليميني المتطرف في موقفه السياسي، مستندًا على الحفاظ على الهوية الفرنسية، كما يظهر حزب ديني إسلامي له برنامج سياسي مقنع، يبدأ في التنافس على المقعد الرئاسي. على امتداد 300 صفحة تتسارع دقات قلب القارئ باحثًا عن النتيجة، ومتتبعًا تلك الأحداث الخيالية، ليتساءل مرارًا وتكرارًا: هل يمكن لمسلم أن يصبح يومًا رئيسًا لدولة علمانية مثل فرنسا؟
يرى الكثيرون أن طرح مثل هذا الموضوع يطرق أبواب الفزاعة الأوروبية المسماة الإسلاموفوبيا، والتي ترى الإسلام خطرًا حقيقيًا يهدد الهوية الفرنسية. جاءت الأحداث على لسان البطل فرانسوا، أستاذ جامعي في السوربون، وهو تجسيد للمواطن الفرنسي العادي الذي يعيش حياة رتيبة بين عمله بالجامعة وعلاقاته العابرة بالطالبات، وفكرة الانتحار التي كانت تراوده من حين لآخر بسبب الهلع من فكرة المرض، ويوميات غير مستقرة مع زملاء العمل، إلى جانب علاقات أسرية مهلهلة تنم عن تفكك أثر التراحم بين أفراد الأسرة الواحدة.
أما المرشح الإسلامي الذي سيفوز بالرئاسة هو محمد بن عباس، أحد المهاجرين التونسيين الذي كان يعمل في محل للبقالة في باريس، والذي يبدأ في تطبيق فعلي لبرنامجه الانتخابي فور فوزه بالمقعد الرئاسي، فيقوم بمضاعفة الأجور لرجال التعليم، مما يحفز الكثيرين على اعتناق الإسلام؛ طمعًا في الراتب المرتفع، إلى جانب إجازة الزواج المتعدد الذي يطفئ شهوة رجل مثل فرانسوا، وليس اقتناعًا منه بمبادئ هذا الدين.
إلا أن الكاتب، الذي عرف بعدو النساء، استثار غضب الكثيرين عندما تحدث عن ترك النساء للعمل، كان هو الحل الجذري الذي قضى على البطالة في هذه التركيبة المجتمعية الجديدة؛ ليؤكد هذا على لسان أحد أبطاله في الرواية قائلًا: لم أقتنع أبدًا بأن إعطاء المرأة حقوق التصويت فكرة جيدة، ولا السماح لها بتلقي نفس التعليم الموجه للرجل، ولا شغل نفس المناصب!
إن هذا العمل يطرح أزمة الإنسان المعاصر الذي يبحث عن معنى حقيقي لحياته وسط ضياع الهوية التي تتأثر بكل ما يحيط بها من تصريحات إعلامية أو سياسية، وهو ما دفع رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس للتصريح بأن فرنسا ليست ويلبيك، فرنسا ليست الكراهية والخوف. ويتوالى سرد الأحداث حتى لحظة الاقتراع؛ حيث يصور لنا الكاتب مظاهرات حاشدة في أهم ميادين باريس، التي تشهد بحرائق عظيمة ومواجهات مسلحة دون أدنى تغطية للإعلام الفرنسي، وهذا بالطبع يجعلنا نعتقد بأن ويلبيك تأثر كثيرًا بأحداث ثورة 25 يناير، واستقى أحداثها مستندًا على تفاصيل ثورتنا المصرية تحت تعتيم إعلامي شديد.
إلا أن الصفحات الأخيرة للرواية جاءت في شكل جدلية فكرة الإسلام والحضارة الغربية على لسان رئيس جامعة السوربون، التي تحولت لجامعة إسلامية، مؤججًا فكرة الهلع من استسلام مجتمع يعاني من أزمة هوية حقيقية أمام التيار الجارف للإسلام.
فنستنتج في الخاتمة سبب اختيار المؤلف لعنوان الرواية ا"لاستسلام" أو الخضوع، الذي يتلخص في عبارة رئيس الجماعة: إن فكرة الخضوع لم يتم التعبير عنها بهذه القوة الرائعة من قبل، بل وببساطة شديدة تتجلى الفكرة في أن قمة السعادة تتمثل في الخضوع المطلق. وأخيرًا، فإننا نؤكد أن كل تلك الأحداث تتكرر في أنماط اجتماعية مختلفة مما يثير هاجس التحدي الثقافي، بصفته أحد التحديات المعاصرة التي يجب أن نهتم بها في ضوء المتغيرات العالمية؛ نظرًا لما تشكله الثقافة من مرجع معرفي يزود الفرد والمجتمع بالأفكار والرؤى التي تنير له الطريق، علاوة على أن الأمة التي لا تتبلور شخصيتها الثقافية تخسر مستقبلها، فلن يكون هناك تحقيق للتطور دون شخصية ثقافية واضحة، وهذا ما نستخلصه أخيرًا، بل وندعو إلى إعادة هيكلة الثقافة العربية وملامح الهوية الشرقية حتى لا تتوه وسط هذا الصخب العالمي بل لتؤثر من جهة أخرى في الآخر، ولن يتأتى هذا إلا ببناء جسور التواصل مع الغرب لإيصال صورة حقيقية واضحة تليق بالمواطن العربي المعتدل.
فنحن فقط من يستطيع تغيير النظرة الخاطئة للغرب عن العرب والمسلمين، بل إنه يتوجب علينا أن نزيل عن أعينهم الغشاوة حتى ينقشع الضباب الذي قطع الطريق معهم، ملوحين لهم بنماذجنا المشرفة المعتدلة والمثقفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.