حاولت الجماعات المسلّحة تشبيه المرحلة المعاصرة بمرحلة الردّة التي حدثت في زمن (أبي بكر الصّديق) لتبرير مشاهد العنف والدّموية والإرهاب الهمجي " إنّنا الآن في أوضاع شبيهة بالأوضاع بعد وفاة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم وحدوث الرّدّة ، نحتاج إلى الإثخان ونحتاج لأعمال مثل ما تمّ القيام به تجاه بني قريظة وغيرهم " (إدارة التوحّش 32)، وزعم منظّرو العمل الجهادي المعاصر، أنّ (الإرهاب) فريضة وضرورة أملاها النّص وفرضها الواقع السَّنني فلا تغيير للباطل إلاّ بالعنف الأسود، خصوصا ضد قيادات الردّة، يقول (أبو مصعب السّوري)" إرهاب الأعداء فريضة شرعية واغتيال رؤوسهم سنّة نبوية" (دعوة المقاومة الإسلامية العالمية 1375)، كما زعم " لقد أمر اللّه بإرهاب أعدائه في صريح كتابه، وجاءت به سنّة رسوله المصطفى " (المرجع السابق 1376). ويعتبر صاحب (إدارة التّوحّش )، "الإرهاب" من معاني الجهاد " الجهاد ماهو إلاّ شدّة وغلظة وإرهاب وتشريد" (ص 31). نظرية الإرهاب عند الجماعات المسلّحة : " تقوم نظرية الإرهاب على أساس ردع العدو بالخوف "، (أبو مصعب السّوري / دعوة المقاومة الإسلامية 1391)، خصوصا في البدايات حتى يتمكّن منه الرّعب ويشلّ قدراته على التّعبئة والتّجنيد والقتال " لا يُمكن أن يستمرّ القتال وينتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى إلاّ إذا كانت مرحلة البداية فيه مرحلة إثخان في العدوّوتشريد له " (إدارة التّوحّش 31)، ويُفسّرون حديث " نُصرت بالرّعب على مسيرة شهر" بأنّ الإرهاب أحد مقدّمات النّصر من غير قتال عندما تشيع أخباره في النّاس، وقد طبّقت ( داعش ) هذه النّظرية وهي تدخل مدن العراق وسوريا ومارست الوحشية والدّمار على طريقة (التتار) عندما دخلوا أرض العراق قديما، وقد وظّفت الجماعات المسلّحة بعض ما حدث في التّاريخ، وحاولت أن تستفيد ممّا عند الآخر" الشّرع أباح لنا الاستفادة من الخطط والقواعد العسكرية لغير المسلمين مالم يكن إثما " (إدارة التّوحّش 28)، وتقوم نظرية الإرهاب عند الجماعات المسلّحة على ما يلي: -" تصفية الرّهائن بصورة مروّعة تقذف الرّعب في قلوب العدو وأعوانه"، ( إدارة التّوحّش 33). -" سياسة دفع الثّمن"، ( إدارة التّوحّش 32) ولو بعد سنين ضدّ كلّ خائن أو مرتدّ أومن آذى المجاهدين كما قالوا، و" ينبغي تذكير العدوّ بذلك في البيان التّبريري لعملية دفع الثّمن ممّا يؤثّر على نفسية قادة العدوّ" (إدارة التّوحّش 32). -" جهاد الإرهاب الفردي"، (المقاومة العالمية 1379) بجعل كلّ مسلم مشروع إرهاب وقنبلة يُمكن أن تتفجّر في وجه الأعداء والطّواغيت والمرتدّين في أيّ وقت، وقد عملت الجماعات المسلّحة على تهيئة أفراد كمشاريع للتّفجير غير متابعين ولا سابقة لهم ممّا يربك العدوّ، وهذا ما يعنيه منظّريهم عندما يقولون " يجوز لأيّ مجاهد ولو منفردا قتال المرتدّين "، (الحرب المخزية أبو بكر ناجي 07). -" الضّرب بأقسى قوّة في أكثر نقاط العدوّ ضعفا "، (إدارة التّوحّش 29) من أجل " استنزافه عسكريا واقتصاديا " (المرجع السّابق 30). – تصوير مشاهد الذّبح والإعدام والحرق، كما حدث مع الطّيّار الأردني (معاذ الكساسنة)، لتوسيع دائرة التّأثير وإحراج قوّات العدوّ كما قالوا، وقد بدأ بتنفيذ هذه السّياسة (الزّرقاوي) وتوسّعت فيها (داعش) وإن كانت هذه السّياسة ربّما أوّل من بدأ بها قبل ظهور شبكات التواصل وتوسّع الأنترنات هي (الجماعة الإسلامية المسلّحة)، فقد قامت في الجزائر بمشاهد مروّعة ما تزال محفورة في ذاكرة الألم الجزائري. – قتل واغتيال المثقّفين والمفكّرين والصّحفيين ممّا ينشر رعبا أوسعا " سنلاحق هذه المسوخ التي تُسمّى كذبا وزورا بالمفكّرين وسيُصفّى الرتل تلو الرتل: العلمانيون والشّيوعيون والبعثيون والقوميون وتجّار الأفكار الوافدة نعم نحن نعرف أنّنا لن نصل حتى نعبّد الطّريق بجماجم هؤلاء النّوكى، وليقل العالم أنّنا برابرة خلال مرحلة الجهاد ستُقطف رؤوس الصّحفيين المفسدين في الأرض، فنحن لسنا بحاجة إلى سحرة فرعون وليُسمّينا النّاس أعداء الفكر والرّأي"، (بين منهجين رقم 44). – قطع الرّؤوس والتّمثيل بها: هي عندهم من تطبيقات نظرية نشر الرّعب المسبق. – التّركيز على ضرب الأهداف الحيوية كمنشآت البترول ومجالات السّياحة لضرب الاقتصاد في العمق، وهي من وسائلهم لإرهاب العدوّ في ماله " يجب أن نركّز على ضرب الأهداف الاقتصادية وخاصّة البترول "، (إدارة التّوحّش 19). لماذا منهج الإرهاب ؟ تعتقد الجماعات المسلّحة مستندة إلى النّصوص وتجارب التّاريخ الإسلامي وحتى تجارب الآخرين ومن خلال رصد واقع الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية المعاصرة، أنّ من أراد الجهاد بلا إرهاب فليمكث في بيته " من عندهم نيّة البدء في عمل جهادي وكانت عندهم تلك الرّخاوة فليجلسوا في بيوتهم أفضل وإلاّ فالفشل سيكون مصيرهم وسيلاقون من بعده الأهوال "، ( إدارة التّوحّش 31). كما يعتقدون أنّ سبب فشل الثّورات التي قامت ضدّ حكومات بني أمية وبني العبّاس رخاوة القادة وخوفهم من إراقة الدّماء وشدّة قادة الأعداء وإرهابهم " من أسباب نجاح العبّاسيين وفشل الآخرين هو الشدّة من العبّاسيين والرّخاوة واتّقاء الدّماء من الآخرين، حتّى أنّ (النّفس الزّكيّة ) كان يطلب من قادة جيشه وقد كان يُمكن أن ينتصر أن يتّقوا الدّماء ما أمكن، وكان قادة جيشه يتعجّبون كيف يطلب الملك ويكون ذلك أسلوبه "، ( إدارة التّوحّش 31)، فهم يعتقدون أنّ " الإسلام انتشر بالسّيف"، (الفريضة الغائبة 16)، ومغازي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تدلّ على ذلك وحركة التّاريخ الإسلامي تؤكّد كذلك هذا المنهج في التّفكير، وأنّ المنهج السّلمي في التّمكين لدعوة الإسلام منهج بدعي " المنهج السّلمي الذي عليه جماعات كفّ الأيدي إنّما مأخوذ من المنهج المعروف بمنهج غاندي"، (إدارة التّوحّش 95). والغريب أنّهم لمّا ابتلوا بسياسات (داعش) القائمة على نفس هذا المنهج من التّفكير فقتلت قادتهم من الجهاديين ومارست الإثخان فيهم بحجة هيبة التّنظيم وعدم ترك مساحة للعدوّ يلعب فيها وطالبتهم بالتزام راية الخلافة توحيدا للصّفوف ضدّ المرتدّين وواقعها يثبت تفوّقها عسكريا على جميع الجماعات المسلّحة رفض هؤلاء القادة أمثال أبي قتادة الفلسطيني وأبو محمّد المقدسي والمدعو أبو بكر ناجي صاحب (إدارة التّوحّش) منهجية (داعش) واتّهموها بالعنف والدّمويّة " واقعهم يدلّ على سعارهم في قتال مخالفيهم ..فهؤلاء لا رحمة في قلوبهم على إخوانهم المجاهدين، فكيف سيكون أمرهم على فقراء النّاس ومساكينهم وضعفائهم وعوامّهم "، (ثياب الخليفة 19). وهكذا ينكشف عوار دعاوى دعاة الإرهاب بقدر من اللّه سبحانه أن يسلّط عليهم من يسومهم سوء العذاب حتّى تكون كلماتهم التي كتبوها تبريرا للعنف والهمجية ضد المسلمين لعنة عليهم في الدّنيا قبل الآخرة وتلك سنن اللّه في عقاب الظّالمين وأصحاب الأهواء والشّهوات. جهاد رسول اللّه يُترجم رحمة الإسلام الكبرى : أوّلا نحبّ أن نذكّر بفساد منهج الجهاديين المعاصرين القائم على تكفير المسلمين الموحّدين والحكم عليهم بالرّدّة والخروج عن الإسلام تبريرا للشّناعات التي سيقومون بها من منطلقات ومقدّمات فاسدة، فجهاد الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم كلّه كان ضدّ الكفّار الأصليين في جوّ إقليمي ومحليّ تميّز بالحروب والقتال وقيام الدّول والإمارات على منطق السّيف في كلّ ربوع العالم آنذاك. ثانيا: الحروب عند جميع الشّعوب تقتضي الصّرامة والشّدة والحزم ولا وجود لتميّز الإسلام بذلك في حروبه وإن كان له من تميّز فهو الرّحمة التي بسطها من خلال حروبه، فكانت الأوامر النّبوية تنهى عن قتل النّساء والصّبية والمقعدين والعجزة ومن انفرد في صومعته أوحقله يعمل بعيدا عن أجندات الحروب. ثالثا: نهى النّبي عن " المثلة " التّمثيل بالجثث كما نهى عن التّعذيب وقتل الأسرى صبرا مقيّدين وكره ثقافة الانتقام " ولئن صبرتم لهو خير للصّابرين "، وفتح النّبيّ مكّة فعفا عن قادتها وساداتها الذين ظلموه وقتلوا أصحابه، فقال لهم جميعا " اذهبوا فأنتم الطّلقاء " الحقيقة أنّ هذا الإرهاب والعنف والهمجية التي تُمارس باسم الدّين من قبل هؤلاء المجرمين ماهي إلا انعكاس لما في نفوسهم من الأمراض والعلل والاختلالات، وكلّ الدّراسات والبحوث والمقابلات والشّهادات تشير إلى ذلك. يتبع…