رابح خدّوسي (اسطنبول، بيروت، دمشق، بغداد، القاهرة، عمان، صوفيا، أثينا، باريس، مليانة… إلخ) مدينة بعلبك… المقاومة في سهل البقاع الذي يشبه سهل متيجة في خصوبة الأراضي الفلاحية، ويخالفه في المحافظة عليها، إذ على خلاف ما يحدث عندنا يوميا من اغتيال لأرض المنتجة، أو لنقل لكلّ ما هو جميل أو منتج، سواء كان فكرا أو يدا أو مؤسسة… فإن سهل البقاع محافظ على اخضراره كبساط قدسي نسجته يد الخالق هدية لعباده الصالحين. وعلى حافته (سهل البقاع) توجد مدينة بعلبك الأثرية، وأنت تدخلها تستقبلك صور شهداء المقاومة بجنوب لبنان، مثبّتة على أعمدة الكهرباء، على جانبي الطريق في انسجام وإتقان… ومن خلال الشعارات المكتوبة، عرفنا أن المدينة تسير على خطوات حزب الله ومذهب الشيعة. بعلبك مدينة أثرية في لبنان يسكنها التاريخ من العهد الروماني، ولا يمكن لقلم أو ريشة مهما أوتيا من قوة في الإبداع أن يصفا هذا الصرح الحضاري… عندما تدخلها، تتساءل لماذا لم يدرج هذا الصرح الحضاري ضمن عجائب الدنيا السبع لتصبح ثمانية. كانت البداية من مدخلها، وفي مشهد طريف وحضاري تصادفك شجرة أرز صغيرة، هذا النوع من الأشجار الذي يزيّن جبل لبنان كعقد من اللؤلؤ على صدر البلد، شجرة تقاوم الحرّ والقرّ، فمهما مكث الثلج على أغصانها في فصل الشتاء فان لونها لا يتغير (وهي الرمز الوطني في لبنان، مرسومة على الراية الوطنية، تشبه الشجر الموجود في جبل الشريعة قرب البليدة)، ولأنها الرمز فقد أهدت السلطة في لبنان لرمز الأغنية وديع الصافي، في عيد ميلاده وبطلب من رئيس الجمهورية، تلك الشجيرة لغرسها مع كتابة تعليق على الرخام يوضح المناسبة والمغزى، وهو فعل يثمّن الحس الثقافي، ودلالة على التواصل بين الأجيال وبين الحقب التاريخية. وتدخل المدينة الأثرية مندهشا لضخامة البناءات القديمة التي يعود بناؤها إلى ما قبل الميلاد… وترى "الأخوات البيض" يطفن في لباسهن الأبيض بين مختلف المرافق يرشدن السياح بكل اللغات، من المسرح الكبير حيث تقام عليه ليالي الصيف، نشاطات مختلفة إلى المرقد الجنائزي، إلى القاعة الكبرى إلى السور الضخم الذي يحيط بالقلعة… إلخ. وما يثير الدهشة هو مجموعة الأعمدة الضخمة التي لازالت قائمة في تناسق عجيب، منذ قرون خلت. مغارات جعيتا بعيدا عن بيروت، وفي أعماق الجبل، تدخل عالم الخيال السحري، كهوف يمتدّ مداها أكثر من كيلومتر، تحيلك إلى عالم الخرافات وحكايات ألف ليلة وليلة، أو إلى الأفلام الخيالية… قبل الوصول إليها، عليك أن تنتظر دورك مع مئات السياح، لتصعد العربات الهوائية المعلقة وسط الغابات الكثيفة، ثم تدخل راجلا المغارة الأولى العجيبة، ذات الأشباح الصخرية، المتكونة بفعل رسوب الكلس المائي عبر القرون، ويحدث الانعكاس الضوئي مشاهد سحرية مثيرة، وهناك مغارة ثانية منفصلة عن الأولى تتميز بوجود مجرى مائي كبير تطفو عليه قوارب تجوب بالسياح داخل المغارة في جو ساحر ممتع وبهيج، قد تعجز أي براعة في الإبداع الفني عن تصوير هذه المشاهد الساحرة، سبحان بديع السموات والأرض الذي خلق فسوى… مفارقات لبنان يختزل العالم في نمط حياته السياسية والثقافية والدينية… إذ تتعايش به (17) طائفة معلنة من مسيحيين، ومسلمين، سنة وشيعة، دروز ومارونيين… إلخ، ولكل طائفة نصيبها وموقعها في الحكم… وقواعد اللعبة واضحة.. من المفارقات العجيبة بين اللبنانيينوالجزائريين بخصوص الأخطار التي تهدّد كل بلد، خلال العشرية الأخيرة، من القرن الماضي، أن أهل لبنان يخشون من أن يستيقظوا يوما ولا يجدون لبنان، بينما الجزائريون يخشون أن يستيقظوا ويجدوا الجزائر، لكن لا يجدون أنفسهم بفعل الإرهاب. وبخصوص البناء والتعمير، فإن اللبناني يستثمر في كل شيء، وينتفع من أي شيء… وفي ذلك يراعي مصلحته الخاصة ضمن المصلحة العامة لبلده، لكن عندنا تنطبق مقولة: (أنا وبعدي الطوفان)، فالكثير يريد إحراق البلد من أجل شواء عصفوره. مفارقة أخرى هي أن القطاع الخاص في لبنان في المقدمة، وله البطاقة الخضراء في المعاملات الإدارية والتجارية، وعلى سبيل المثال: توجد (60 %) من مدارس لبنان تابعة للقطاع الخاص (المقاصد)، وعقدة الغيرة والخوف من القطاع الخاص غير موجودة كما هي الحال عندنا في الجزائر. واليوم وفي إطار التطور والتنمية التربوية، وبفعل استثمار الهيئات الدولية، كاليونسكو واليونسيف والبنك الدولي والبنك الإسلامي، فإن معالم التحول التكنولوجي في خطواتها الأولى، من حيث الاهتمام والانتشار، لكنها على مستوى صياغة الكتاب التكنولوجي فإن المسافة جدّ متقدمة. وفي زيارتنا لمختلف المراكز التربوية ولقاءاتنا بأهم الفاعلين في حقل التربية، بدءا بالوزير إلى مسؤولي قطاعات التعليم العالي والتكوين المهني، إلى رئيس الجامعة ومجلسها، تبين أن الإرادة السياسية متوفرة، لكن التحكم في العملية من حيث الاهتمام والانتشار لم يتحقق بعد "سنة 2002″. وأخيرا يمكن القول إن لبنان عدّل العبارة التي تقول: "مصر تكتب ولبنان يطبع والعراق يقرأ" فأصبحت "لبنان تكتب وتطبع والعالم يقرأ…" من "جبران خليل جبران" إلى "أمين معلوف"… وهنا يصدق قول الشاعر "نزار" حول دور لبنان في تشجيع المقروئية إذ يقول في قصيدته "إلى بيروت الأنثى مع الاعتذار": "كان لبنان لكم مروحة… تنشر الألوان، والظل الظليلا… كم هربتم من صحارائكم إليه.. تطلبون الماء… والوجه الجميلا… ………. إنه علمكم أن تقرأوا.. هل تقولون له: "شكرا جزيلا". . المصدر السابق ص 357. يتبع…