بقلم: نسيم روبيكة / إعلامي قبل أكثر من خمس وعشرين سنة كنت من الشباب المتحمسين الذين لم يتقبلوا رأي الشيخ العلامة الفقيه محمد ابن عثيمين -رحمه الله – في فتواه التي يقول فيها اتركو تسمية المتمسكين بالسنة على فهم الصحابة بالسلفية، ولابد أن نكتفي بقول إننا مسلمين من أهل السنة والجماعة فقط. وكنت ممن وافق في ذلك الوقت بعض العلماء في وجوب استعمال هذا المصطلح للتمييز بين أهل الحق وبين أهل البدع، لكن مع مرور الوقت وبعد تجربة مريرة تجمع بين الاستفادة من العلماء و تفاصيل الواقع المتقلب أدركت قيمة تلك الفتوى من الشيخ ابن عثيمين. إن هذه التسمية سببت الفرقة بين المسلمين وتبديع بعضهم البعض دون بيّنة ودليل ودون مراعاة لكل ما أوجبه الله تعالى من تبيين وإقامة الحجة، ولدت هذه الممارسات عداء بين المسلمين أنفسهم، ومع مرور الزمن واستمرار الشباب في هذا المسلك الوعر بدعم من بعض العلماء، الذين وجدوا هذا المنهج مبررا لسكوتهم عن ظلم الطواغيت وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليخرج بعد ذلك جيل فاشل لا يحارب الفساد ويتنصل من المسؤولية تجاه قضايا الأمة عامة وتجاه الأزمات الداخلية خاصة ويسكت على الظلم ولا يطلق لسانه إلا على من تحرك في سبيل الله في مختلف الحقول السياسية والدعوية والجهادية، وحجتهم في ذلك بعض أقوال السلف في أهل البدع التي أنزلوها في غير موضعها وأصبحوا يوالون ويعادون من خلال مواقف وليس عقائد، فبدأت بتبديع من يدخل في العمل السياسي في بعض البلاد العربية ويسمونهم حزبيين، رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم مارس السياسة ومارسها بعده الخلفاء الراشدون ثم أصبحوا يعادون من يطالب بحقه من خلال بعض الوسائل السلمية مثل المظاهرات والمسيرات التي تعتبر مسائل اجتهادية يسوغ فيها الخلاف، ومع ذلك أصبحوا يسمون هؤلاء خوارج لأن عندهم المسيرة خروج على الحاكم مخالفين بذلك جل العلماء الربانيين، ثم لم يكتفوا بذلك بل وصلوا إلى بعض الدعاة في الخليج الذين لم يدعوا لا إلى مسيرة ولا إلى خروج بل يبايعون ولاة أمورهم ويدعون لهم في المنابر لكنهم أخرجوهم من التسمية البدعية التي حذّر منها الشيخ ابن عثيمين السلفية فقط لأنهم يستعملون أساليب دعوية لم تعجبهم مثل الأناشيد الإسلامية والفيديوهات العامة ثم تطور فكرهم إلى الوقوف بجانب الظلمة ضد الشعوب المضطهدة، ويدعون الظلمة إلى سجن هؤلاء المناضلين بحجة أنهم خطر على الأمة، فباركوا ضرب الإسلاميين في الجزائر ثم في مصر ثم في تونس، ووصلوا الآن إلى الافتاء بقتل إخوانهم في ليبيا لأنهم كما يسمونهم خوارج، بل قتلوا مؤخرا، بعض العلماء في ليبيا ويتوعدون بقتل الإخوان المسلمين إلى يوم الدين، ومن ينظر الي هذا الفكر ومراحل تطوره وانحرافه الفكري يستخلص ما يلي: أولا: المستفيد الأول من هذا الفكر هو الأنظمة المستبدة التي تستمد الشرعية من فتاوى علماء هذا المنهج المنحرف ثانيا: علماء هذا المنهج لا يناصرون القضية الفلسطينية وهي قضية الأمة الأولى، كما لا يناصرون الشعوب المظلومة ويصفونها بالثورية الحمقاء. ثالثا: يحاربون أي حراك إسلامي في أي بلاد، سواء كان دعويا أو سياسيا، فهم ضد أي مشروع لإقامة دولة إسلامية. رابعا: ليس لديهم أي مشروع للنهوض بالأمة غير منهج الحكم على المخالفين وإخراجهم من التسمية البدعية السلفية. خامسا: لا يؤيدون الجهاد في سبيل الله في أي بلد بحجة أنه لا يوجد لراية سلفية. سادسا: يأمرون الناس بأن يمسكوا لسانهم عما يحدث في بلاد المسلمين، لأن هذه الأحداث فتنة والفتنة لابد من عدم الخوض فيها، لكنهم لا يسكتون بل يتحدثون ليلا نهار فيما يسمونه فتنة عن إخوانهم فقط. سابعا: أتباع هذا المنهج أصبحوا لا يحبون أهل الصلاح وينظرون إلى أهل المساجد بنظرة دونية إلى أن يتأكدوا أنهم يؤيدون فكرهم. ثامنا: أتباع هذا المنهج لا يخرجون عن أقوال مجموعة من العلماء ممن يتبنون هذا المنهج، وأصبحوا كالمريدين لمشايخهم الذين لا يخطؤون أبدا0 هذا غيض من فيض وما خفي أعظم، والخلاصة أن بدعة السلفية أخرجت لنا جيلا يعبث بعرض الأمة ويخرج الأمة من الخيرية التي وصفها الله بها عندما قال تعالى "كُنتُم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"، وهذا الفكر أصبح خطرا على الأمة وسلاحا لأعداء الأمة في وقت تحتاج الأمة فيه إلى رجال يقودونها إلى بر الأمان.