بقلم: جمال زواري يقول الإمام ابن الجوزي: رأيت كثيراً من الناس يتحرزون من رشاش نجاسة ولا يتحاشون من غيبة، ويكثرون من الصدقة ولا يبالون بمعاملات الربا، ويتهجدون بالليل ويؤخرون الفريضة عن الوقت، في أشياء يطول عددها من حفظ فروع وتضييع أصول. من حسن استثمار تهيؤ الأجواء وانشراح النفوس للإقبال على الطاعات والأعمال الصالحة في شهر الصيام الترتيب الصحيح للأوليات، والحذر من اختلال ميزان الأعمال حتى لا يكون نصيبنا منها كنصيب حامل الكيس المثقوب الذي يكون رصيده في الأخير صفرا، أو نلقى مصير المفلس الذي تحدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَن الْمُفْلِسُ؟، قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي من يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي وقَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ"(رواه مسلم). فأول ما ينبغي المحافظة والحرص عليه من الأعمال الصالحة: الفرائض وما أدراك ما الفرائض، ثم يلتفت العبد بعدها إلى النوافل، كما ورد في الحديث القدسي: وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه… (رواه البخاري)، فالإفلاس كل الإفلاس أن يسعى المرء نحو النوافل ويحرص عليها وهو مضيّع أو مفرّط أو متهاون في الفرائض، فميزانه حينها يكون مختلا، ولن ينال كثير ربح في أحد أهم مواسم الربح إن لم يكن للخسران أقرب، ثم في النوافل ذاتها من قربات وأفعال خير يكون العمل المتعدي نفعه إلى الآخرين أكثر أجرا وثوابا من العمل القاصر على فاعله فقط وإن كان في كل خير. أمّا في المنهيات والمعاصي فإن معاصي القلوب أشد وأخطر من معاصي الجوارح وإن كانت كلها شر، لذلك العمل والمبادرة على التخلص منها أولا قبل غيرها، وهكذا. فمراعاتك لترتيب الأعمال والبداية بالأهم فالأهم منها وعدم اختلال ميزانها لديك من أهم أسباب الربح والفوز بأكبر رصيد من الطاعات والحسنات في شهر الطاعات.