العمل الانتحاري هو آلة انتاجية، هو صناعة في مختبرات تمتلك المواد الاولية و جميع العناصر الكيميائية لصنع الفعل الانتحاري . فالفعل الانتحاري ليس قناعات و ليس أفكار و ليس طبيعة بشرية بل ليس حتى معتقد ديني متطرف بل هو نتاج لعوامل نفسية و ترسبات طفولية و دوافع من المحيط الاجتماعي البائس و البيئة السياسية و الجغرافية المعادية ، هذه جملة من الاستنتاجات التي يمكن استنتاجها عند نهايتك من قراءة رواية خليل للكاتب ياسمينة خضرا الصادرة مؤخرا عن منشورات دار القصبة. على مر 260 صفحة يرسم ياسمينة خضرا نقطة انطلاقة خليل في اقباله على تفجير نفسه في محطة ميترو بباريس . من ضاحية مولنبيك ببلجيكا ، تنطلق السيارة بأربع أفراد ، علي السائق صاحب السوابق العدلية ، يشتغل على نقل العصابات الاجرامية ، شحن مخدرات من اسبانيا ، يقدم أيضا خدمات للجماعات الجهادية ، إدريس صديق الحي و الطفولة ، نقاط مشتركة تجمع الطرفين ، إدريس لا يعرف والده ، يتيم المنشأ ، ينقطع عن الدراسة في مراحل التعليم الاولية ، يشتغل شغلا بسيطا تافها. هناك الاخوة أو الخاوة أحدهم يركب في الامام و الأخر في الخلف ، لا يعرف عنهما خليل ولا شيء ما عدا ملامح الشرق الاوسطية و الحدة و الخشونة في الطباع . ستاد دو فرنس المحطة الأخيرة في الرحلة و بداية تنفيد المخطط ، مخطط العمل الانتحاري ، يهبط الخاوة و يتجهان صوب الملعب ، إدريس نقطة 2 أي مخرج الملعب و خليل نقطة 3 أي في ميترو أروار … الخطة تقتضي أن يفجر الخاوة نفسيهما وسط المدرجات ، يتبعها حالة الهلع يفخخ إدريس نفسه عند خروج المتفرجين من الملعب ، في الاخير خليل يقوم بعملية انغماس وسط الركاب في محطة الميترو ، الهدف اسقاط أكبر قدر من القتلى في عملية ثلاثية . ينتقل خليل إلى نقطة الهدف يختار العربة بعناية ، الاكثر ازدحاما ، يضغط على زر حزامه الناسف ، لكن لاشيء ، يعيد الكرة يضغط لا شيء ، يعيد و يعيد دون حدوث الانفجار، لايزال خليل على قيد الحياة ، الامر غير متوقع ، خليل لا يصدق ما يجري ، المفروض الان هو في جنة الفردوس . يمتلكه الرعب ، المدينة محاصرة ، سيارات الشرطة و الاسعاف تملئ الشوارع، الحواجز تنصب في كامل المكان ، يتصل خليل بالسائق علي ، هذا الاخير يقفل هاتفه ، يفكر في صديق الطفولة و المدرسة ريان. بعد 3 ساعات من الخوف و الرعب و الدهشة و التساؤلات يعود خليل إلى المقر ، إلى بروكسل . يختار اللجوء عند أخته يازا عصبية السلوك نتيجة انهيارات عصبية و نفسية ، يمضي أياما مختبئا هناك ،يخبئ الحزام الناسف هناك ، يكتشف أن الحزام كان مزود بهاتف نقال ، ما يعني فرضية التفجير عن بعد كانت واردة ، هذا لم يكن متفق عليه ، لماذا ؟ و كيف ؟ يسأل خليل نفسه . يحاول جس النبض ، يتصل هاتفيا بأخته التؤام زهرة ، هل سأل عني أحد ؟ في استطلاع هل الشرطة أقدمت عن البحث والتفتيش عنه ، يمضي أيام أخرى عند ريان . يحاول أن يختفي عن الانظار و البحث عن الأمير إلياس و الشيخ مصعب . عبر شاشة التلفزة الاخبار تتوالى عن تحديد هوية الانتحاري في باريس ، إدريس لم ينجح في العملية ، لم يسقط قتلى كثر في العزوة ، ما جدوى من عملية انتحارية يسقط فيها قتيل و عدد من الجرحى يتسأل خليل. يقرر خليل الاتصال بالجماعة ، كي يبرر أسباب عدم انفجار الحزام الناسف ، أكيد الأمير الياس و الشيخ مصعب يقولون أن خليل خائن و مرتد هكذا يخمن خليل . يلتقي خليل مجددا افراد الجماعة ، تختبر إرادته و استعداده في إجراء عملية انتحارية أخرى ، خليل لا تزال له كامل الاستعدادات العقلية و النفسية لإجراء عملية انتحارية مقبلة ، فقد أضحى خليل آلة ، ماكنة ، مادة خامة قادرة على الانفجار في أي لحظة ،منذ الزمن الذي ضغط فيها عن الزر الذي لم ينفجر هو قد ألتحقبعوالم أخرى ، يعانق و يتجول مع إدريس في جنة النعيم مع الانبياء و الصالحين ، هو يسيرفي عالم الارواح و الشهداء و الفردوس ، محاط بالجواري و السبعين من حور عين و أنهار من خمر و عسل مصفى متكئا فيها مسرور. العملية هذه المرة مدينة مراكش المغربية ، البلد التي استلمت الشيخ مصعب ، الاخبار تقول أن الشيخ مصعب قتل تحت التعذيب ، على المغرب دفع الثمن ، يقضي خليل أيام معزولا عن باقي البشر ، في محاولة استعداد الزاد إلى السفر ، العملية تحتاج إلى كتمان و سرية و جاهزية كبيرة ، خلال مرحلة العزلة ، عملية إرهابية في ضواحي بروكسل ، زهرة أخت خليل من بين القتلى ، يدرك بالحادثة بعد أيام ، أخبره أحد الجيران عندما صادفه عند الصيدلية مستفسرا عن وضعية زهرة الصحية . صدمة ، رعشة ، ارتباك ، يعيد خليل شريط ذكريات الطفولة و أيام اللعب و النزهة ، الاخت زهرة ، التؤام ، أقرب إنسانة إليه، حينها يشكل مقتل زهرة و موت إدريس نقطة لا رجوع في اختيار الموت ، الاصرارعلى العمل الانتحاري لم يعد من أجل الفردوس أو حور العين و انهار من عسل مصفى بل فكرة الموت تطارده من أجل التخلص من الذات و معاناته ، ينصرف عنك أثمن و أغلى الاشخاص ، ما هو مبرر الوجود و الحياة من بعدها ، خليل يعيش الماضي فقط لا مستقبل له ، محو الماضي و الذاكرة يعني الموت كمصير اختياري و ضروري ، وحدها الجماعة( الامير إلياس و الشيخ مصعب ) من اهتمت به ، التقطته من الهامش و الشارع و اعطت لحياته معنى في الوجود لكن وجود افتراضي أخروي ، الجماعة هي من رسمت له المستقبل و أي مستقبل : العمل الانتحاري . في الأخير مرة أخرى يمتعنا صاحب رواية الصدمة عبر السرد السلس و البناء المحكم في الشخصية و الاسلوب الممتع ، لكن أعتقد أن ياسمينة خضرا وقع في إعادة الصورة النمطية عن بروفيل الشخص الانتحاري ، معالمه كما هي في وسائل الاعلام الغربية . ابن المهاجر ، الذي ينحدر من أصول شمال افريقية ، الامي ، الفاشل في الاندماج ، صاحب السوابق العدلية ، ابن الضاحية الفقيرة المهمشة ، ضحية العنصرية و التهميش و سوء التعليم. صورة تتداول في الوسط الاعلامي و السياسي اليمني في شخصنة الفعل الارهابي على الاراضي الأوربية. نقطة أخرى كنت اتمنى أن تنتهي القصة بموت خليل و ليس القبض عليه من طرف قوات الشرطة المغربية ، كان موتخليل منتحرا بحزام ناسف يعطي لمصيره بعدا فلسفيا و رؤية أخرى أعمق و هي مأساوية النهاية، يقول ألبير كامو :( ثمة معضلة فلسفية واحدة فقط و هي الانتحار …. )اما حكاية القبض عليه ، الامر هنا يشبه نهاية رواية بوليسية التي لم تكن في بداياتها الاولية على ايقاع المقرئ عبد الله الغامدي. . بقلم: عمر لشموت