قلت ذات مرة لصديقي الإعلامي ''الكابتن حبيب'' ما النقطة التي ماتزال راسخة في ذهنك خلال تغطيتك لمونديال ألمانيا 2006 ضمن بعثة قناة ''آرتي سبورت''، فكان رده بأن الذاكرة تختزن الكثير من المحطات السارة، ولكن إذا ما بدأ في الانتقاء فسيختار واحدة، ماهي يا ترى؟ قال الرجل بأنه ما يزال مبهورا بتلك الإجراءات التنظيمية الدقيقة مثل ساعة سويسرية عند نهاية كل مواجهة. حيث يلج رفقة زملائه الإعلاميين الذين جاءوا لتغطية المونديال قاعة الندوات الصحفية، فيأتي أحد المنظمين رجلا كان أو امرأة ويناول كل واحد منهم استمارة يعبئها بمعلوماته الشخصية فضلا عن تدوين اسم اللاعب أو المدرب الذي يوّد استجوابه، وما هي إلا لحظات - يواصل صاحبنا - حتى تجد نجم الدفاع الإيطالي فابيو كانافارو بابتسامته الطفولية قادما إليك للرد على استفساراتك وإعطاء انطباعاته بشأن المباراة، وقس على ذلك مع المهاجم الأوكراني تشيفشينكو أو المدرب الإسباني لويس أراخونيس أو الهولندي ماركو فان باستن، تأخذ منهم ما جئت من أجله وتعود إلى مهامك وكأنك في حلم. تذكرت هذا السلوك الجميل من أناس يقدّسون التنظيم وينزلونه منزلة العبادة، والصحافيين يتدافعون في ملعب البليدة سهرة أول أمس مثل الثيران الهائجة وسط صيحات حانقة لهذا، وكلام بذيء لآخر، وعراك فلان مع علاّن، وتطاحن متوحش بين خليط من الغرباء والدهماء، لسنا ندري كيف مكّن لهم من ارتياد الملعب والدخول للقاعة الشرفية.. الكلام عن تهيئة قاعة محاضرات في كل ملعب كروي، ينزوي إليها الإعلاميون والمدربون واللاعبون عند نهاية كل مباراة للإدلاء بالتصريحات والانطباعات بكل روح رياضية وبأريحية مثالية ما يزال عندنا ضربا من ضروب الحلم الممنوع. وأما تفسير انفعال الصحافيين الذي لا يفهمه أشباه المنظمين فهو لا يعدو جزءا من المهام التي جاءت من أجلها هذه الفئة للملعب ليس إلا، ثم إن الصحفي في مثل حالة أول أمس ارتاد الملعب وكاهله مرهق بأعباء شتى، فهو إن ضمن النقل، فإنه سيواجه ''حرس جهنم'' أمام المنصة الشرفية هذا إن جاز لنا أن نسميها منصة شرفية، وإن قام بتحييد هذا المشكل، فإنه مطالب بالتزود بالطعام تحضيرا للإفطار، أما الرغبة في الحصول على كرسي مريح يغطي من خلاله المباراة أو تأدية صلاة التراويح مادام اللقاء انطلق على الساعة العاشرة ليلا أشبه بلغو في الصيف.. ويبقى الحديث عن تغطية المباريات في ملاعبنا كلاما ذا شجون.