الجزائر ب69 ولاية    زيارة خاصّة من متربصي المدرسة العليا للدرك    بوزقزة يثمّن قرار الرئيس    اختبار قوي للخضر قبل كأس إفريقيا    العائلات تعود إلى منازلها    الجزائر العاصمة : "عهد الوفاء ووحدة المصير بين الجزائر وفلسطين" محور ملتقى    قالت إنها تستجيب لتطلعات شريحة واسعة من المواطنين..منظمات نقابية تثمن قرار رفع الحد الأدنى للأجور ومنحة البطالة    ممثلو الفصائل الفلسطينية في ضيافة جبهة المستقبل..إشادة بالدور التاريخي والثابت للجزائر في دعم القضية الفلسطينية    الجزائر ملتزمة بالمضي بالعلاقات الثنائية إلى آفاق أوسع    4756 وقفا في الجزائر    بوغرارة: الجزائر لم تتأخر يوماً عن دعم فلسطين    الرئيس يأمر بالتحقيق    سايحي يستقبل سفير قطر بالجزائر    مؤسّسات ناشئة تبرز ابتكاراتها وحلولها    توزيع قرابة 95 ألف سكن    وفد برلماني جزائري يشارك في الدورة ال47 للاتحاد البرلماني الإفريقي بكينشاسا    "انطلاق التسجيلات الإلكترونية لامتحاني «البيام» و«البكالوريا» دورة 2026 دون ملفات ورقية"    أمطار رعدية غزيرة على العديد من ولايات الوطن    الأونروا تحذر من تفاقم الاوضاع الانسانية في غزة مع اشتداد الأمطار الغزيرة    قطاع المحروقات حقق نتائج معتبرة خلال السنوات الأخيرة    الوزارة بصدد تعديل القانون المحدد لقواعد منح السكن    شروط الصين لتصدير السيارات الأقل من 3 سنوات    نحو قيام دولة فلسطين..؟!    الوساطة الألمانية عجز فرنسا عن إدارة نزاعها مع الجزائر    خنشلة : توقيف شقيقين وحجز 5200 وحدة كحول    توقيف شخص تورط في قضية سرقة    ارتفاع نسبة اكتشاف حالات السرطان    ها هي الحرب الباردة تندلع على جبهة الذكاء الاصطناعي    عميد جامع الجزائر من بسكرة:رقمنة العربية مدخلٌ لصون الهوية وإرساخ السيادة الثقافيّة    اللغةُ العربية… إنقاذٌ أمِ انغلاق    آية الكرسي .. أعظم آيات القرآن وأكثرها فضلا    فتاوى : أعمال يسيرة لدخول الجنة أو دخول النار    أبو موسى الأشعري .. صوت من الجنة في رحاب المدينة    شهر للعربية في الجزائر    الخضر يستعدون..    ممتنون للجزائر دعمها القوي والحاسم.. ومهتمون بتجربتها التنموية    الجزائر تشهد نهضة تنموية شاملة.. وعلاقتها بمصر نموذج للتضامن العربي    النخبة الوطنية تراهن على جمع نقاط مؤهلة لأولمبياد 2028    افتتاح معرض "لقاء الخط بوهران"    حرائق الغابات بتيبازة:العائلات تعود إلى منازلها    ورقلة.. يوم دراسي لتعزيز ثقافة الاتصال داخل المرافق الصحية العمومية    طموح كبير لدورفال    مشاركة جزائرية في الأبطال الخمسون    وزير الصحة يبرز جهود القطاع    تكريم الفائزين في الطبعة الخامسة من المسابقة الأدبية الوطنية "أم سهام" للقصة القصيرة    حركة تنموية استثنائية بولايات الجنوب    الترجي التونسي يدعم بلايلي ويؤكد بقاءه مع الفريق    خدمة قضايا المجتمع وتحسين جودة الحياة    اكتشفت سليماني ومحرز وهذا سر تعلقي بالجزائر    فيانسو يرسم جسور الإبداع السينمائي    بحث سبل بناء منظومة متكاملة    دعوة إلى تعزيز حملات التوعية والكشف المبكر    إبراز قدرات الجزائر ودورها في تعزيز الإنتاج الصيدلاني قاريا    بحث سبل تعزيز التعاون الجزائري-الأردني    الطبعة الرابعة لنصف مراطون "الزعاطشة" ببسكرة    دعاء في جوف الليل يفتح لك أبواب الرزق    مؤسسة Ooredoo تبرم شراكةً رسميةً مع نادي مولودية وهران    تحذيرات نبوية من فتن اخر الزمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بولونيا تروي قصة نجاحها
نمو إيجابي في عز الأزمة الأوروبية
نشر في الخبر يوم 21 - 04 - 2012

''فيراري'' و''مازيراتي'' في الشوارع وشفافية في الصالونات
أول ما لفت نظري في زيارتي الثانية إلى العاصمة البولندية فارصوفيا، هو العدد الكبير من السيارات الفخمة التي تجوب شوارع المدينة، ''بورش'' و''مازيراتي'' و''ليكزس'' و''مرسيدس'' و''بي آم دابليو'' و''فيراري'' التي ظفرت بمعرض كبير وسط المدينة.. إنها الصورة الأبلغ للنقلة الكبيرة التي شهدها مجتمع كان قبل عقدين فقط يرزأ تحت نير نظام شيوعي، لم يكن يرى العالم فيه إلا عبر نافذة موسكو القاتمة.
كل شيء في فارصوفيا يعطيك الانطباع بأن الشعب البولوني يريد، وبالسرعة القصوى، الابتعاد عن نصف القرن الشيوعي الذي توقفت فيه ساعات التطور، فالاقتصاد حينها كان متطرفا في اشتراكيته، والحرية مفهوم لا وجود له إلا في القواميس اللغوية..
تفاصيل الثورة الهادئة
مشاهد كثيرة تنبئك بسرعة الابتعاد، مبنى الحزب الشيوعي، الذي حوّل إلى مقر لبورصة فارصوفيا، وهي من صور الانتقال الأكثر رمزية إلى اقتصاد السوق. والعدد الكبير للمراكز التجارية العملاقة، ومحلات أشهر الماركات العالمية، والتي لا يكاد شارع من شوارع المدينة يخلو منها. وعلى عكس باقي دول أوروبا الشرقية والوسطى، التي كانت تشكل القوة الضاربة لحلف وارسو والقطب الاشتراكي، فإن بولونيا نجحت ليس فقط في ضمان انتقال سلس من الاقتصاد الاشتراكي المركزي والمخطط والذي لا مكان فيه للملكية الخاصة ولا للمبادرة الفردية، إلى اقتصاد حر ناجع وفعال، بل وأيضا في ضمان تحوّل سياسي آمن وهادئ، ودخول قوي في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
وعن سر ''قصة النجاح'' هذه، كما يحلو للبولونيين توصيفها، يقول البروفيسور آلكسندر سمولار، رئيس مؤسسة ''ستيفان باتوري''، التي يعود تاريخ إنشائها إلى العهد الشيوعي، والتي تهتم أساسا بحقوق الإنسان: ''طبيعة النظام الشيوعي لم تكن تسمح بتفجير الطاقات. وبمجرد أن تخلص المجتمع البولوني من هذا العبء، اكتشف مخزونا كبيرا من الأفكار المبدعة التي سمحت للاقتصاد بتحقيق نتائج باهرة في وقت قياسي. وليس غريبا اليوم أن تتجاوز بولونيا الأزمة المالية الخانقة التي تعصف بأوروبا، وأن تكون هي وألمانيا من بين الدول الأوروبية القليلة التي حققت وتحقق نسب نمو إيجابية''. ويتذكر البروفيسور سمولار، الذي أقام في فرنسا خلال العهد الشيوعي وساهم في التنظير للانتقال السياسي والاقتصادي السلس لبولونيا، على اعتبار منصب المستشار الذي شغله في العديد من القطاعات الحيوية، الدور الكبير الذي لعبته نقابة ''التضامن'' وزعيمها ليش فاليزا، في إنجاح التحوّل: ''فالنقابة التي زعزعت أسس النظام السابق وفرضت عليه التراجع، قرّرت في السنوات الأولى من التحوّل هدنة غير معلنة، حتى لا تشوّش على الإصلاحات، ولإدراكها بأن لهذه الأخيرة ثمنا اجتماعيا يجب أن يدفع. فالمواطن البولوني فقد اطمئنانه على مستقبله المخطط من طرف الدولة، بفعل الانفتاح وتحرير السوق''. وعاد بنا محدثنا إلى سنة 1989، السنة التي شهدت فيها بولونيا تنظيم ''مائدة مستديرة'' ضمت إليها الحكومة وممثلي نقابة التضامن التي تم الاعتراف بها، وانتهت بتنظيم انتخابات شهدت انهزاما ساحقا للحزب الشيوعي وميلاد الجمهورية البولونية الثالثة.
الشعب على سقف قاعة العرش
كما تذكر محدثنا، الذي دعانا إلى تناول فنجان من القهوة بمقر المؤسسة في فارصوفيا، الدور الكبير الذي لعبته الكنيسة الكاثوليكية في إحداث التغيير، وهو ما أكدته مرافقتنا في زيارتنا إلى كراكوفي، ثاني أكبر مدينة في بولونيا وخامس أجمل مدينة في أوروبا، عندما توقفنا أمام المبنى القريب من جامعة ''جاجالون'' الشهيرة التي جلس على مقاعد الدراسة فيها شخصيتان طبعتا تاريخ الإنسانية بأثر كبير، نيكولاس كوبرنيكوس، صاحب نظرية مركزية الشمس وكون الأرض جرماً يدور في فلكها عبر كتابه ''في ثورات الأجواء السماوية''، ويوحنا بولس الثاني، بابا الكنيسة الكاثوليكية الرابع والستون بعد المائتين، في فترة امتدت من 16 أكتوبر 1978 إلى وفاته في 2 أفريل 2005. نافذة المبنى غطتها صورة كبيرة لهذا الأخير الذي خطب منها في آلاف المحبين المتجمّعين في الساحة المحاذية خلال الفترة الشيوعية، فقال لهم: ''حلمت بأن روح القدس سينزل ليغيّر الأرض.. هذه الأرض''، يقصد بولونيا. ولم يكن التحوّل الديمقراطي في بولونيا اختراعا، فالبلد وعكس غالبية الدول الأوروبية، اكتشف الديمقراطية عقودا قبل سقوطه في القبضة الشيوعية، حين كان النبلاء ينتخبون الملك، ولا أدل على ذلك من سقف قاعة العرش بقصر ''فافل'' في كراكوفي الذي نحتت عليه وجوه تمثل كل شرائح المجتمع، والتي كانت تذكر الحكام الجالسين تحته بأن الشعب يراقب تصرفاتهم. واشترك الخبراء والباحثون والمتابعون الذين التقيناهم في نفس المعاينة، حيث تحدثت الأستاذة مالغورزاتا بونيكوفسكا، مديرة مجلة ''ثينك ثانك''، ذات التأثير الكبير في النخب السياسية والاقتصادية في بولونيا، على الدور الكبير الذي لعبته الإدارة والجامعة في الانتقال السلس والفعال. بينما حذر الأستاذ مارك أوسروفسكي، رئيس القسم الدولي للأسبوعية واسعة الانتشار ''بوليتيكا''، من ''الدور السلبي الذي تلعبه بعض التشكيلات السياسية الشعبوية الموجودة اليوم في المعارضة، والتي لا تقترح بديلا مقنعا لمشاكل المجتمع الحقيقية، ويقتصر خطابها على الترويج لنظريات المؤامرة''.
نظافة وانضباط وشفافية
وإذا كان الشعب البولوني معروفا بانضباطه وتمدنه الذي يبدو جليا في نظافة الشوارع والمباني وفي الالتزام الدقيق بالمواعيد، فإنه صار معروفا أيضا بالشفافية في سلوكه السياسي، وهو ما أكده لنا شهود جزائريون يقيمون في فارصوفيا. كما أكدته لنا باحثة بالمركز المدني الذي أنشأه الحزب الحاكم، والذي يهتم بالبحث والتكوين في شتى مجالات النشاط الإنساني، حين قالت: ''النقاش حول تمويل الأحزاب السياسية في بولونيا انتهى إلى أن الطريقة الأسلم والأكثر شفافية هي أن تتكفل الدولة بذلك اعتمادا على النتائج المحققة في المواعيد الانتخابية الثلاثة الأخيرة، مع الصرامة في مراقبة الحسابات''. كما أشارت محدثتنا إلى أن ''القانون يفرض على الأحزاب توجيه جزء من ميزانيتها للبحث والتكوين، وإنشاء مركزنا هذا يدخل في هذا البند''.
المشهد الإعلامي البولوني لم يتخلف عن مسار الانفتاح، فالدولة تخلت عن كل نشاط في مجال الصحافة المكتوبة، لكن التلفزيون العمومي يبقى الأقوى والأكثر مشاهدة، رغم المنافسة ''الشرسة'' التي يلقاها من القطاع الخاص، ممثلا أساسا في مجموعة ''بولسات''، التي تطلق اليوم ما لا يقل عن 12 قناة عامة وموضوعاتية. وعن هذه التجربة، يقول بوغوسلاف شرابوتا، رئيس الدائرة الصحفية في المجموعة والذي يوصف بالشخصية الإعلامية الأكثر تأثيرا في بولونيا: ''بدايتنا في 1993 لم تكن سهلة، كان علينا أن نجري معاينة دقيقة للتلفزيون العمومي وإحصاء كل أخطائه، حتى لا نكرّرها، كما كان علينا أن نحدّد بدقة الجمهور الذي نتوجه إليه ببرامجنا''.
وأكد شرابوتا، الذي استقبلنا في المقر الزجاجي الكبير والفخم للمجموعة وسط العاصمة فارصوفيا، على أن ''عهد الضغوط على الإعلام ولّى، نحن نتمتع في بولونيا بالحرية التامة والاستقلالية المطلقة، المهم في النهاية هو الذي ينجح في استقطاب الجمهور والمعلنين''.
أما ميشال كوت، نائب رئيس القسم الدولي في وكالة الأنباء البولونية، فألح على ضرورة التفريق بين الخدمة العمومية لهذه الأخيرة وبين خدمة الدولة: ''دفتر شروط الوكالة يفرض علينا تغطية كل نشاطات الحكومة ومؤسسات الدولة، لكن مبدأ الخدمة العمومية يمنحنا الحرية المطلقة في كيفية تغطية تلك النشاطات''.
بولونيون يكتشفون الجزائر
يتقاطع أغلب الملاحظين البولونيين الذين التقيناهم في فارصوفيا وكراكوفي عند نقطتين أساسيتين فيما يتعلق بالجزائر، معرفتهم السطحية جدا بماضيها وحاضرها، أما القليل الذي يعرفونه عنها، فبلغ آذانهم عن طريق أقارب أو أصدقاء، سبق أن أقاموا بها في الستينات والسبعينات والثمانينات، كأساتذة في الجامعة أو كمتعاونين تقنيين في القطاع الصناعي والفلاحي، وتساؤلهم عن سر ''تخلف'' الجزائر عن قطار الربيع العربي. ويجد هذا ''الجهل'' بالواقع الجزائري لدى البولونيين تفسيره في البعد الجغرافي وفي ضعف التواجد البشري، فالجالية الجزائرية ببولونيا لا يتجاوز عددها ال700، بينما لا تتجاوز قيمة التبادل الاقتصادي بين البلدين ال400 مليون دولار، حسب بعض المصادر.
لكن كل الذين التقيناهم، والمنتمين إلى النخب المؤثرة في صناعة القرار البولوني، أجمعوا على ضرورة الاهتمام أكثر بالجزائر، خاصة أنها اليوم البلد الإفريقي الأكبر والأغنى. فالأستاذ مارك أوسروفسكي فضل الاستماع إلى مداخلة الزميل عمر واعلي، رئيس تحرير يومية ''ليبرتي''، حول الأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تفسر تحفظ الجزائريين عن الخروج إلى الشارع، كما فعل الجيران في تونس وليبيا ومصر.
كما استمع باهتمام كبير لتطورات الوضع في منطقة الساحل، وعلاقة ذلك بحالة الفوضى التي تعيشها ليبيا، ولم يخف في النهاية إرادته في زيارة الجزائر بعد الانتخابات التشريعية. أما البروفيسور سمولار والأستاذة مالغورزاتا بونيكوفسكا، فعبّرا عن استعدادهما لنقل تجربتهما في مجال ال''ثينك ثانك''، أو فضاء الحوار والتفكير مع النخب والكفاءات، شريطة وجود استعداد لدى أطراف جزائرية للتعاون والشراكة في هذا المجال.
وبدا الاهتمام بالجزائر جليا عند طلبة وأساتذة معهد الدراسات الشرقية بجامعة فارصوفيا، الذين استمعوا باهتمام كبير لمحاضرة ألقاها رئيس تحرير ''الخبر'' حول موضع ''الجزائر والثورات العربية''، ولم يخف الحضور إعجابه بالتجربة الجزائرية في مجال مكافحة الإرهاب ومواجهة التطرف، خاصة أن البولونيين اليوم يناقشون موضوعا يعتبرونه مفصليا، ويتعلق بدور الكنيسة الكاثوليكية ومكانتها في المجتمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.