''يبدو أن قدر الجزائر أن تدفع كل شيء بالدم...''، جملة قالها لي عالم الاجتماع والمعارض المصري سعد الدين إبراهيم، في إجابة عن استثناء الجزائر من الربيع العربي خلال حوار أجريته معه مؤخرا. جملة كان لها وقع كبير في نفسي، تذكرتها بمناسبة ''الاحتفال'' باليوم العالمي لحرية التعبير. وتساءلت في قرارة نفسي حول هذا القدر المحتوم للجزائريين عامة ورجال الصحافة خاصة لمرافقة كل التحولات بأرواحهم ودمائهم. فحرية التعبير في الجزائر ارتوت بدماء 110 صحفي حصدتهم آلة الإرهاب، يضافون إلى ثمانية صحفيين توفوا أثناء تأدية الواجب بعد حادث طائرة سنة 1974 بالفيتنام، وصحفي بالعراق سنة 1982 رفقة الراحل الصديق بن يحيى. تضحيات تواصلت مع اغتيال علي مسيلي المعارض السياسي بسبب نشر ملف حول عائلة الرئيس في جريدة ''ألجيري ليبر''، وسقوط بن مشيش في 10 أكتوبر 88 برصاصة طائشة، والهجوم المسلح على مقر ''ليبدو ليبيري'' للراحل محمودي في أعقاب نشر قضية ''القضاة المزورين''. ثم أتت عشرية الدم والدمار التي استهدفت كل ما يمثل العقل والقلم والجمهورية، كان الراحل الطاهر جاووت الأول في قائمة الاغتيالات، قبل أن يلتحق به رفاق آخرون على غرار الراحل بوسلهام، صحفي ''لوريزون'' بعد اختطافه من تحت خيمته بعد زلزال بني شقران بمعسكر من طرف مجموعة إرهابية، ويختفي أثره للأبد. تواصلت دوامة الموت بحصد أرواح أقلام كانت صوتا لمن لا صوت لهم، كالزميل عمر أورتيلان وسعيد مقبل ويفصح.. إلخ، رفضوا مغادرة ساحة المعركة وفضلوا مواجهة فلول الإرهاب الإسلاموي وقمع السلطة الحاكمة لانتزاع حريتها بالقوة. معركة خرجت منها الصحافة مثخنة بالجروح، لكن منتصرة وغير منكسرة، وأكسبتها هذه التجربة المريرة احترافية ووعيا رغم حداثة نشأتها. رصيد تاريخي منح الصحافة الجزائرية جرأة غير مسبوقة ضد أي سلطة كانت. والآن، وبعد كل هذه التضحيات، يجب أن تكون مناسبة اليوم العالمي لحرية التعبير محطة لمساءلة كل صحفي لنفسه: هل كنا في مستوى تضحيات زملائنا وأحلامهم والأفكار الأخيرة التي جالت في مخيلاتهم قبل أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة.. وهل كانت كتاباتنا بقدر عدالة القضية التي سقطوا من أجلها؟