تواصل وزارة الداخلية منح الاعتمادات للأحزاب الجديدة، تنفيذا لواحدة من مقررات الرئيس بوتفليقة في الإصلاحات السياسية، بينما تحولت ''المطالب'' برفع التقييد على اعتماد الأحزاب، قبل الإصلاحات إلى ''تساؤلات'' بشأن القيمة المضافة التي ستقدمها التشكيلات الجديدة عدا الرقم ''المحترم'' التي تمثله. صار عدد الأحزاب المعتمدة في الجزائر، يساوي عدد الولايات (ناقص واحد)، حسابيا اعتمد حزب في كل ولاية، في واقع يقر بتشبع مشهد سياسي بمكونات حزبية غير متكافئة، وغير متجانسة، لا في التركيبة ولا في الكفاءة ولا في الإمكانيات، لكن، يجمعها قاسم مشترك، يتعلق بعدم حيازتها على البرنامج. وبإعلان اعتماد ثلاثة أحزاب جديدة، أول أمس، يكون الحق للحكومة ولأصحاب تلك الأحزاب الافتخار بموزاييك سياسي قوامه 47 حزبا، رغم أنه ''مبهم''، أحزاب لم تصغ هويتها بعد، وقد يصل إلى مائة كيان سياسي، مثلما توقع الوزير الأول أحمد أويحيى، لدى نزوله ضيفا على ''الخبر'' أفريل الفارط، والمتحسس لمواقف الجزائريين، يكتشف أنه حتى من كان يحتل الساحات العمومية في العاصمة، في مظاهرات تطالب بالانفتاح السياسي وكسر الاحتكار الحزبي باعتماد أحزاب جديدة، صار يتساءل حاليا، إزاء جدوى ''تعويم'' الساحة السياسية بمزيد من كيانات حزبية، فعاليتها غير مضمونة في دعم المشهد ''الديمقراطي''، طالما أن للجزائريين تجربة مع أحزاب اعتمدت قبل عشريتين من الزمن، لكن نضالها اختزل في ''تفويضات'' يتاجر بها كلما حل موعد انتخابي، يتيح لأحزاب، يسير في فلكها بعض الأشخاص، تدبر ''مصروف الجيب'' لخمس سنوات لاحقة. يقر الدستور الحق لكل جزائري تتوفر فيه الشروط القانونية لتأسيس فضاء سياسي، على أن تتاح له إمكانية إيداع ملفه والحصول على حقه في وثيقة الاعتماد متى شاء، لكن الحاصل مع السلطة، يؤكد مدى هيمنة ''الظرف'' في مراوحة التشديد أو التليين حيال تطبيق الدستور والقانون، إذا تعلق الأمر بكيان سياسي جديد يعبّر عن وجوده في الساحة، فقد أوصدت كل الأبواب أمام طالبي اعتمادات الأحزاب وحرموا حتى من وصولات إيداع الملفات طيلة 13 سنة، تاريخ آخر تسليم لوثيقة اعتماد، وكان للأفانا، عام 99، تلاه تضييق شديد أمام السماح بمزيد من التعددية بسقفها المحدد آنذاك. تعاملت السلطات مع القضية الحزبية، في الجزائر، بمنطق تستبق فيه إلى الاعتقاد بأن كل حزب ''معارض حتى يثبت العكس''، وكل مسؤول في حزب ''مشوّش إلى أن يثبت وداعته''، المشهد الذي تكرر مرتين في جزائر ما بعد الاستقلال: المرة الأولى في عهد الفكر الأحادي والتفكير الوحيد، حيث أبقي على حزب جبهة التحرير الوطني، الحاكم والعازف الأكبر، وتم قمع كل الحركات السرية المناوئة للجهاز، إلى أن انفجر الوضع، أكتوبر 88، وارتبك النظام الذي عجل بدستور 89 لفتح الباب أمام سيل جارف من أحزاب أودعت أوراق اعتمادها إلى أن وصل عددها سبعين حزبا، غير أن السلطة أقفلت مكتب وزارة الداخلية لتوزيع تراخيص النشاط السياسي من جديد، وهي تصارع سطوة ''الفيس''، وضيّقت على الاعتمادات إلى أن ''صاح العرب'' للمطالبة بالتغيير الجذري، مطلع العام المنقضي، فيما أسموه الربيع العربي، لتسارع السلطة من جديد إلى إعلان استجابتها لأهم مطلب سياسي رفع على مدار أكثر من عشرية ولم يتحقق، ويتعلق الأمر بالانفتاح السياسي، ليتكرر مشهد بداية التسعينات بجلاء عقب اضطرابات ''جانفي 2011 والربيع العربي''، بينما لا يستبعد أن يفوق عدد الأحزاب في مرحلة ما بعد ''الإصلاحات'' والدستور المعدل، عددها لما بعد تفكيك هيمنة الأحادية، ليخلص كل متتبع إلى حقيقة أن الظرف هو محرك القرار في الجزائر.