نقل: السيد سعيود يشدد على تدعيم أسطول "لوجيترانس" لتعزيز تموين الجنوب بالوقود    مرصد دولي يدعو الى اتخاذ إجراءات "صارمة" لحماية حقوق الشعب الصحراوي في ثرواته    السيد شرفة يستقبل مسؤولا عن مجمع باكستاني لصناعة الأسمدة    حشيشي : العنصر البشري المؤهل يشكل حلقة هامة في إنجاح مشاريع مجمع سوناطراك    الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء: منصوري تحل ببريتوريا لترؤس أشغال اجتماع اللجنة التوجيهية لنقاط الاتصال    رسالة الرئيس الفرنسي: حركة "موداف" تستنكر "الانزلاق المشين والاحادي الجانب"    انطلاق الطبعة الثانية للمعرض الوطني لكتاب الطفل بمنتزه الصابلات بالعاصمة    تنس/ كأس بيلي جين كينغ /فيد كاب سابقا/ مباريات ترتيبية : فوز الجزائر على أوغندا (3-0)    توقيف 3 أشخاص وحجز 3000 كبسولة من نوع بريغابالين بالأغواط    الدخول الجامعي 2026/2025: بداري يترأس اجتماعا يخص تحسين خدمة النقل الجامعي    التأكيد على ضرورة توجه الخواص في المجال الصيدلاني نحو انتاج المواد الاولية بالشراكة مع مجمع "صيدال"    التأكيد على تعزيز الإنتاج الصيدلاني بالأدوية المبتكرة والتوجه نحو التصدير    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 61258 شهيدا و152045 مصابا    بطولة العالم للكرة الطائرة لأقل من 21 اناث /المجموعة 3-الجولةالاولى /: المنتخب الجزائري ينهزم أمام تركيا (3-0)    كرة القدم/ "شان-2024" (المؤجلة إلى 2025) /المجموعة3-الجولة 2: المنتخب الوطني في صلب التحضيرات لمواجهة جنوب إفريقيا    بوجمعة يشرف على حفل تكريم    تكريم خاصّ للرئيس تبّون    لا تنتهكوا حرمة الأراضي الصحراوية    اليونيسف تشيد بتمديد عطلة الأمومة بالجزائر    لازاريني: الجوع أحدث قاتل في غزة    الرئيس يُعزّي عائلات ضحايا تحطم طائرة    حرب مستمرة على الإرهاب والإجرام    موجة حر مرتقبة اليوم وغدا    قسنطينة : تسديد الفواتير عن طرق بريدي موب    ميلة: حجز 83 جهازا للكشف عن المعادن    ترشيح الكفاءات الجزائرية لإنشاء مجلس للخبرات الوطنية    ضرورة الانخراط في سياسة تطوير المحاصيل الإستراتيجية    غزة بحاجة إلى مئات الشاحنات الإنسانية والتجارية يوميا    تثبيت الأسعار وضمان وفرة دائمة للمواد الأساسية    إعادة دراسة تنقلات الخطوط الجوية الداخلية قريبا    فرصة ثانية لتوجيه النّاجحين الجدد في البكالوريا    تدريس "الإنجليزية الطبية" في 8 مواد الدخول الجامعي المقبل    كتيبة علي خوجة قتلت 600 جندي فرنسي في معركة جبل بوزقزة    الجزائر ملتزمة بالقضاء الكامل على جميع أسلحة الدمار الشامل    محصول الحبوب تحت الرقابة بعنابة    معرض خاص بطباعة المصحف الشريف في الجزائر    مدرب سانت جيلواز يشيد باللاعب زرقان    رامول يقدّم "المشاريع النهضوية العربية المعاصرة"    نداء ثقافي من عنابة لحماية كنوز الذاكرة    آيت نوري يرفع راية التحدي مع "السيتي"    نحو بقاء عبد الرحمن رباش في ألافيس الإسباني    رئيس جديد لأمن الولاية    الطبعة السابعة تحت شعار "القفطان الجزائري، تراث على مقاس الهوية" الاعلان عن مسابقة قفطان التحدي 2025 : بالمهرجان الوطني للزي التقليدي الجزائري    ملتقى الأدب الشعبي في عصر الذكاء الاصطناعي : رؤى جديدة حول كيفية دمج التقنيات الحديثة في صون الذاكرة الثقافية الوطنية    بومرداس : جماليات التراث ووحدة الثقافة    1111 خرجة تحسيسية لمصالح الأمن    995 جريمة خلال شهر    الديوان الوطني للحج والعمرة:مواصلة عملية مرافقة المعتمرين ومتابعة وكالات السياحة والأسفار    دعوة للمؤسسات الجزائرية للمشاركة في الدورة ال62 لمعرض دمشق الدولي    فتاوى : تكفير المصائب للسيئات يشمل الطائع والعاصي    "أنس بن مالك" .. خادم رسول الله وصاحبه    الديوان الوطني للحج والعمرة : مواصلة عملية مرافقة المعتمرين ومتابعة وكالات السياحة والأسفار    اعتراف إفريقي بنجاح دورة الجزائر    هكذا اجتمعت هذه الصفات في شخص النبي الكريم    "الكتاب رفيقي وصديقي"بالصابلات    وَمَنْ أحسن قولاً ممن دعا إلى الله    سحب فوري للترخيص ومنع الوكالات من تنظيم العمرة في هذه الحالات    غزوة الأحزاب .. النصر الكبير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جيم هاريسون..الرواية في معترك القسوة
نشر في الخبر يوم 03 - 10 - 2014

سبق لي أن كتبت عن الروائي الأمريكي جيم هاريسون، وبالضبط عن روايته الشهيرة “يوم جميل للموت”. ويعد هاريسون من أشهر الروائيين في أمريكا حاليا، يعنى في أعماله بمواضيع الرجولة والبرية الأمريكية، وكأن شيئا لم يتغير منذ القرن الثامن عشر، منذ رعاة البقر، وتأوهات الهنود الحمر. وقد أوصل هاريسون الرواية الأمريكية إلى أبعد حدود النقد، عندما قدّم أجدادا بنوا مجدهم وثراءهم الفاحش على نهب الغابات وإبادة التجانس.
ولد هاريسون بميتشيغان سنة 1937، ومثل كل الأدباء الأمريكيين عمل في مجالات مختلفة، كتب سيناريوهات لهوليوود، وعمل كصحفي متخصص في الطبخ، ثم عمل كناقد أدبي، وكصحفي رياضي إلى أن تفرغ لكتابة الرواية. ولهاريسون ميزة خاصة، هي قدرته على السفر عبر الثقافات، فقد وصل إلى غاية غرناطة، ليرى عن قرب موضع اغتيال فيديريكو غارسيا لوركا على سفح الجبل على يد أتباع فرانكو. فرانكو الذي قال عنه إنه كان وغداً شريراً، هذا مؤكد، لكن المؤكد أيضاً حسبه أنهم لم يمانعوا قط في قتل الشعراء في أمريكا.
بدأ هاريسون شاعرا، وقال في حصة “المكتبة الكبرى” على “فرانس5”: “ربما ما كنت لأصبح شاعراً لو لم أفقد عيني اليسرى في صباي. رمتني بنت الجيران بزجاجة مكسورة في وجهي أثناء شجار. رجعت بعدها إلى العالم الحقيقي، ولم أعد”.
وميزة هاريسون أنه ترك ضجيج المدن، حيث الجشع والشره، وانتقل للعيش في إحدى قرى ميتشيغان قريبا من نهر “يالو ستون” الشهير، قرب الهنود الحمر وأساطيرهم، بعيدا عن صخب المدن. وهو يشبه أرنست همنغواي في إظهار من تبقى من الهنود في صورة إنسانية بعيدة عن النمطية التي برزت في أفلام “رعاة البقر”. لكن هاريسون أكثر تعمقا وميلا وقدرة على التقرب من إرث الهنود الحمر، ففي جل أعماله، بدءا من روايته القصيرة “أساطير الخريف” التي حققت نجاحا خرافيا كفيلم سينمائي، نعثر على هذا التأثير والشغف، بل والهوس بتراث الهنود بمقاطعة “مونتانا”. الحكمة في “أساطير الخريف” هي حكمة الهندي من قبيلة “الشيان”، المدعو “كو” (أي ضربة)، أما الحماقة فهي حماقة الرجل الأبيض، وربما هذا ما دفع هاريسون إلى تحديد زمن روايته عند بداية الحرب العالمية الأولى.
بدأت علاقتي مع هاريسون عبر السينما. شاهدت فيلم “ريفنج” (ثأر)، بطولة أنطوني كوين وكيفين كوستنر، فبحثت عن الكتاب. والحقيقة أن “ريفنج” مليئة بتوابل هوليوودية، تدور أحداثها عند تخوم المكسيك بمدينة “شيواوا” الشهيرة، تصور ظاهرة الخيانة بطريقة مغايرة تقوم على قسوة لا مثيل لها، وتدفع بسلوك البشر إلى أقصى لحظات العنف.
دام البحث عن كتاب هاريسون لسنوات طويلة، إذ لم أكن أعلم أن “ريفنج” بالذات هي في الحقيقة إحدى الروايات القصيرة التي تضمنتها المجموعة الشهيرة “أساطير الخريف”، الصادرة سنة 1978، والتي ضمّت ثلاث روايات قصيرة هي “ثأر” و«الرجل الذي ترك اسمه”، و«أساطير الخريف”. وما ظل يعجبني في هاريسون هو تلك القدرة على توظيف البطل، في وقت أصبحت البطولة شيئا منعدما في الأدب الأمريكي. وإذ انغمس هاريسون في توظيف صفة البطولة، في زمن اللابطولة، تبدو لنا رواياته القصيرة كأساطير. وما الأسطورة، إن لم تكن تلك اللحظة التي يعيد الكاتب من خلالها طبائع البشر الضائعة.
ينطلق هاريسون، مثل دوستويفسكي في روايته الشهيرة “الجريمة والعقاب”، من أحداث بسيطة، ويحوّلها إلى روايات معقدة، متشابكة، يسكنها السؤال الفلسفي، بأسلوب بسيط ومركز، يقوم على الحكي. فهو من الكتاب الذين يقضون وقتا طويلا في التفكير في ما سيكتبه، يُدون الملاحظات، يرسُم معالم شخصياته، وهو يقود سيارته في الطريق إلى “أريزونا”، وأثناء نزهته اليومية وسط غابات “ميتشيغان”، حيث لا يستمع سوى لزقزقة العصافير، وبعد انقضاء أكثر من سنتين يسمح لنفسه بالكتابة.
إن العمق والحكمة هما أساس روايات هاريسون القصيرة في “أساطير الخريف”. مجّد فكرة البطولة في الرواية الأمريكية، وجعل أحد أبطاله يردد: “الرجال الذي يستحقون الموت هم قليلون في النهاية”. إن أبطال هاريسون كلهم، دون استثناء، لا يهابون الموت، بل يذهبون إليه بصدور عارية، ويموتون من أجل مبادئهم. مثلهم في ذلك مثل أبطال همنغواي الذين جعلوا من الموت فلسفة حياة.
لقد أبعد هاريسون الأدب الأمريكي من رخاوة التمدن إلى قسوة الطبيعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.