أجزم بأن حل مشكلات المرأة في الجزائر وفي بلدان العرب والبربر، غير ممكن من دون حل مشكلة السلطة. قد يستغرب البعض هذا اليقين، ولكن مسألة حقوق المرأة متصلة بالحقوق بشكل عام في المجتمع، ولا يمكن مقاربة المسألة إلا في إطار عام. وأي محاولة لفصل مسألة حقوق المرأة عن الحقوق وعن التمثيل الديمقراطي وعن شرعية الحكم هي مجرد عمل سياسوي ظرفي ومغرض. وأي مقاربة “تفاضلية” في الحقوق، أي مزيد من الحقوق الوهمية للمرأة في وضع استبدادي عام، هي تهرب من استحقاق سياسي أكيد وهو حقوق الناس السياسية وحقهم في محاسبة السلطة وسؤال كل مسؤول عن أعماله وأفعاله. لا يمكن أن نجعل المرأة مظلومة من قبل أبيها وأخيها وزوجها وأن نصور أن السلطة مستبدة مع المجتمع رحيمة بالمرأة! في حين أن المرأة، ليس فقط لأنها امرأة بل لأنها مواطن محروم من الكثير من حقوقه، تظلم، هي والرجل، في الإدارة، وفي الشارع وفي المركز الصحي والمستشفى وتقهر، هي والرجل بالخصوص، في السوق لما يتعرضون له من صدمات متكررة يوميا من قبل المضاربين وسكوت السلطة عنهم أو عجزها أو تواطؤها معهم وغير ذلك كثير. لهذا نتساءل: ماذا عن ضرب المرأة المعنوي، ماذا عن الاستبداد الذي تعيش فيه، وماذا عن المعاناة العامة التي تعيش فيها، وماذا عن الفساد، وماذا عن البطالة وتدهور مستوى المعيشة وظروفها، وماذا عن التخلف، وماذا عن انحطاط الرعاية الصحية، وماذا عن انحطاط مناهج التعليم ومحتواه، وماذا عن قتل الأمل لدى المرأة وكل أفراد المجتمع، من قبل سلطة غاوية خاوية بائسة رديئة؟ نظرة السلطة قاصرة وهي مجرد وهم من أوهام التشبه بالآخر أو إرضائه، عوض تقليده في استكمال شروط التمثيل الديمقراطي وبناء دولة المؤسسات وسيادة القانون. سبق أن تناولت موضوع المرأة والحرية في مقال سابق (الخبر 07/06/2011) ومما جاء فيه على الخصوص: “.. تلقيت رسالة من قارئة تقول فيها بالخصوص: “.. إن أردنا تحرير المجتمع فلا بد أن نحرر النساء أولا من الجهل المستحكم في حياتهن وإن أردنا تقييد السلطة فعلينا بتقييد سلطة الرجال على عقول النساء..” فهل ذلك صحيح؟ أصدق القارئة أن طول التفكير في الموضوع والرغبة في عدم مقاربته بمنهجية كلاسيكية ذكرني بقول مصطفى صادق الرافعي: “قمة الفشل أن ترتب الحياة من حولك وتترك الفوضى بداخلك” فالداخل أهم مما حولنا. ألم يتحدث مالك بن نبي عن القابلية للاستعمار، وهل هذه القابلية للاستعمار ليست أيضا قابلية للظلم وقابلية للتسلط؟ أليس “ما بداخلنا” هو هذه الترسبات من اللاثقافة ومن الانحطاط الذي دام الآن ما يقرب من سبعة قرون؟ أليست مسألة المرأة مظهر من مظاهر هذا الانحطاط الثقافي وهذا الانحطاط الأخلاقي وهذه القابلية للتسلط؟ .. ولكن من أين ينبغي أن نبدأ في الإصلاح، مما هو حولنا أم مما هو بداخلنا؟.. إن مسألة حرية المرأة ليست من مجال “ما حولنا” إنها من مجال “ما بداخلنا” أساسا.. في كل الأحوال، فإن فوضى حياتنا وفوضى دواخل البعض منا، ناسا وحكاما بالخصوص، تذكرنا بوديان الوهم وشلالات الفشل الطافحة التي أغرقت حياتنا، قُتِلت فينا القلوب وشُلَّت العقول وأجهضت أحلام وطنية وقومية وإصلاحية. صغرت الدولة وكبر الفساد والإفساد صغرت الضمائر وضمرت القلوب..”. أضيف لذلك: كبرت اليوم الأوهام وكبرت فوضى ما حولنا فضلا عن الفوضى بداخلنا، فعندما تضع سلطة تشريعا يعاقب على ضرب المرأة ضربا، دعني أصفه بالمادي، أو تشريعا يحميها في حالة الطلاق، نتساءل هل يمكن اعتبار ذلك خطوة أخرى نحو ضمانات إضافية ترفع الظلم والإجحاف؟ أم أن الأمر مجرد فعل مغرض وتغطية على مآسي الاستبداد المستحكمة على حياتنا؟! لا يمكن للمرأة تحقيق مكاسب والبلاد تغرق والمجتمع يتعرض للإفساد والتفكيك. لا يمكن للمرأة أن تنتصر على التخلف، مع استمرار هيمنة التخلف التعليمي والثقافي، واستمرار هذه الرداءة المقرفة، حتى في لسان كثير من المسؤولين، وفي عقول البعض منهم. نعم، هناك ضرورة لإعادة ترتيب ما بداخلنا أولا، فتلك هي المعضلة الحقيقية. التغيير الكامل والإصلا20 ح العميق هو شرط وضع البلاد على سكة التنمية والنمو وشرط إنهاء كل أشكال الاستبداد ومنها ظلم المرأة. لا بد من نظام آخر من آليات عمل سلطة أخرى، لا بد من دولة أخرى تحفظ كل الحقوق. [email protected]