الإسلام إحسانٌ كلّه، وقد تكرّر في القرآن الكريم الألفاظ الّتي جذرها ”حسن” 185 مرّة كدلالة على مكانة الإحسان في القرآن، وأهمية الإحسان في الإسلام. والقاعدة الإيمانية، بل الإنسانية فلا يختلف ذوو العقول أنّ المحسن يستحقّ الحسنى، الّتي تحكم عاقبة المحسنين هي قول الله عزّ وجلّ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} فكما أحسنوا العمل في الدّنيا، أحسن الله مآلهم وثوابهم، فنجّاهم من العذاب، وحصل لهم جزيل الثّواب؛ هذا جزاء المحسنين لعباد الله، بجميع وجوه الإحسان من نفع مال، أو علم، أو جاه، أو نصح، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو كلمة طيّبة ونحو ذلك، فالمحسنون لهم البشارة من الله، بسعادة الدّنيا والآخرة وسيحسن الله إليهم، كما أحسنوا في عبادته ولعباده {هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ}، {وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. قال العلامة السّعدي: [أيّ: للّذين أحسنوا في عبادة الخالق، بأن عبدوه على وجه المراقبة والنّصيحة في عبوديته، وقاموا بما قدروا عليه منها، وأحسنوا إلى عباد الله بما يقدرون عليه من الإحسان القولي والفعلي، من بذل الإحسان المالي، والإحسان البدني، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وتعليم الجاهلين، ونصيحة المعرضين، وغير ذلك من وجوه البرّ والإحسان. فهؤلاء الّذين أحسنوا لهم ”الحسنى” وهي الجنّة الكاملة في حسنها و«زيادة” وهي النّظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه، والفوز برضاه والبهجة بقربه، فبهذا حصل لهم أعلى ما يتمنّاه المتمنّون، ويسأله السّائلون]. والآية الكريمة تعرض صورة كريمة مشرقة لمَن دُعُوا إلى دار السّلام، وأجابوا دعوة الله، وآمنوا به وبكتبه وبرسله، فكانوا من المحسنين، وكان جزاؤهم إحسانًا بإحسان، وزيادة تفضّلًا على هذا الإحسان.. وفي التّعبير بالحسنى عن الإحسان: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى}.. إشارة إلى العاقبة والخاتمة، وأنّها العاقبة الحسنى والخاتمة الحسنى.. فهي تدلّ على الإحسان، وعلى زمن الإحسان معًا، وأنّها في الدّار الآخرة الّتي هي دار الجزاء الحقّ، ودار كرامة المحسنين..