وزير العدل يؤكد تقدم قطاع العدالة في مسار الرقمنة خلال زيارة سكيكدة    الجزائر تؤكد التزامها بدعم الجهود الإقليمية لمكافحة الإرهاب في الساحل وغرب إفريقيا    الجزائر تسعى للصدارة عالمياً في الأسبوع العالمي للمقاولاتية 2025    توقرت تحيي الذكرى ال68 لاستشهاد البطلين محمد عمران بوليفة ولزهاري تونسي    قانون المالية 2026 يحافظ على توجهاته الاجتماعية ودعمه للاستثمار العمومي    الوزير الأول يستقبل نظيره الفيتنامي لتعزيز مسار الشراكة الإستراتيجية بين الجزائر وفيتنام    التين المجفف يقوي المناعة في شهر رمضان    دورات تأهيلية ل 734 حرفي بغليزان    من طعام البسطاء الى رمزية التقاليد الجزائرية    اختتام فترة المراجعة الدورية    أولمبياد المهن يمكن أن يفتح آفاقا واسعة    زروقي يشارك في مؤتمر التنمية العالمي للاتصالات    انتهاء أشغال إنجاز أكبر جسر للسكة الحديدية في الجزائر وإفريقيا    تكريم رياضي لرئيس الجمهورية    ترجي مستغانم يتعادل أمام اتحاد الجزائر    واشنطن تشارك تل أبيب احتلال القطاع    وردة آمال في ذمّة الله    الأستاذ محمد حيدوش : شجّعوا أولادكم على مشاريع شخصية لبناء الثقة وتطوير المهارات    مشاركون في المهرجان الدولي للفيلم القصير بتيميمون.. دعوة إلى تطوير الصناعة السينمائية وتحسين أدائها    يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار    نشر الثقافة الدستورية وترسيخ قيم المواطنة الفعالة    مجلس الأمن لم يعتمد الأطروحات المغربية    التعديل الجزائري يمكّن الفلسطينيين من إقامة دولتهم    الجزائر ترفض جعل قرارها السيادي مطية للمساومات السياسية    يد الجزائر ممدودة لأشقائها في مالي    عروض "ريفولوشن" تضع الزبون في قلب القرار    تيميمون الأصالة وكرم الضيافة    68 مشروعا تنمويا قيد الإنجاز    خطوة لحماية الفضاءات الطبيعية بسرايدي وشطايبي    دورات تكوينية لمحاربة الصيد الجائر حماية للثروة الحيوانية    المدرب عبد الحكيم مجاهد يرمي المنشفة    توزيع 136 عقد امتياز و43 عقد حيازة على الملكية    فريق عمل من "لوجيترانس" في تندوف    الهجوم هاجس المدرب بوقرة    شكرا تيميمون    ڈآيت نوري يؤكد طموحات "الخضر" في "كان" 2025    الشعر التسمسيلتي مرتبط بالأرض والمعتقد    لابدّ من تعزيز قدرة السينما على إعادة رسم صورة الجنوب    الاحتلال ينفذ سلسلة غارات على شرق مدينة خانيونس .. عشرات المستوطنين الصهاينة يقتحمون المسجد الأقصى المبارك    بوتين يعطي شارة البدء لبناء كاسحة الجليد النووية "ستالينغراد"    بالمغير وإيليزي..حملة تحسيسية حول أهمية الكشف المبكر عن سرطان البروستاتا    سيدي بلعباس : عدة مشاريع تنموية قيد الإنجاز ببلديات دائرة رأس الماء    النيجر : تعليق أنشطة عشرات المنظمات الإنسانية والتنموية    دعوة إلى تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية    وسط ارتفاع المقلق لحالات البتر..التأكيد على الفحص المبكر لحالات مرض القدم السكري    حذر من الضغوط..آيت نوري يرسم طريق الجزائر في كأس أفريقيا    حوارية مع سقراط    تحسبا لكأس أفريقيا 2025.. 3 منتخبات إفريقية ترغب في إقامة معسكرها الإعدادي بالجزائر    عمورة ثالث هدافي العالم في تصفيات مونديال 2026    مدينة لايبزيغ الألمانية تحتضن تظاهرة ثقافية    فتاوى : أعمال يسيرة لدخول الجنة أو دخول النار    أبو موسى الأشعري .. صوت من الجنة في رحاب المدينة    آية الكرسي .. أعظم آيات القرآن وأكثرها فضلا    ورقلة.. يوم دراسي لتعزيز ثقافة الاتصال داخل المرافق الصحية العمومية    وزير الصحة يبرز جهود القطاع    دعوة إلى تعزيز حملات التوعية والكشف المبكر    إبراز قدرات الجزائر ودورها في تعزيز الإنتاج الصيدلاني قاريا    دعاء في جوف الليل يفتح لك أبواب الرزق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق الانتقال الديمقراطي والتعايش معا خلاصنا الأكيد
الدكتورة خديجة زتيلي في مداخلة لها بالمنتدى الثقافي الجزائري تؤكد:
نشر في المساء يوم 21 - 01 - 2021

نزلت الدكتورة في الفلسفة خديجة زتيلي ضيفة على المنتدى الثقافي الجزائري، وقدّمت، بالمناسبة، مداخلة بعنوان "التفكير الحر في العالم العربي، بين مطرقة السياسي وسندان الديني".
قالت الدكتورة في مداخلتها هذه، إن التفكير لا يزدهر إلا في فضاء الحرية، ولا يبدع إلا تحت سمائها، ومتى حاصرته عين الرقيب ينطفئ ويتلاشى. وأضافت أن البيئة الحاضنة للمثقف أو المفكر، لها تأثيراتها الواضحة على الإبداع، وعلى نوعية المواضيع والقضايا المطروحة. وأكدت زتيلي أن ابتداءها بهذا الاستهلال، يعود لعلاقته المباشرة بما ستتناوله في المقال الذي تتطرق أفكاره وخطوطه العريضة لمحاصرة التفكير الحر في عالمنا العربي، تارة من طرف السلطة السياسية، وتارة أخرى من قبل الجماعات الدينية، وخاصة المتطرفة منها، وفي أحايين أخرى من طرف السلطتين الدينية والسياسية معاً، عندما يتواطآن ضد العقل والتفكير الحر، وعندما يزعجهما صوت يغرد خارج السرب، فيما يصطلح على تسميته في الأدبيات السياسية الحديثة بتديين السياسة أو تسييس الدين، الذي يدفع أثمانه الباهظة العقل الحر. وأشارت إلى أن التفكير العقلاني والنقدي لا يهادن ولا يترك الباب مواربا عندما يطرق قضية من القضايا. وقد دفع سقراط حياته ثمنا لأجل ذلك، عندما اتهمه القضاة الذين تولّوا محاكمته، بأنه يفسد عقول الشباب ويهرطق ويدخل آلهة جديدة إلى المدينة؛ مما يعيد إلى الأذهان موضوع العلاقة المتوترة بين المفكر الحر والتنويري، وبين السلطة في كل الأزمان، وفي عالمنا العربي بوجه خاص؛ حيث تشتد الظاهرة ولا تنفرج.
الدولة المدنية هي التي تُكسب الفكر الحر مشروعيته
وذكرت الدكتورة أن الإجماع ينعقد من الناحية التنظيرية والعملية، على أن التفكير الحر لا يكتسب مشروعية وجوده إلا في فضاء الدولة المدنية، التي تؤمن بقيمة الفرد، وتحترم اختلافه مع الآخرين، وتقدّر التنوع داخل المجتمع.
وفي المحصلة، فإن الدولة المدنية هي التي تضمن حقوق الأفراد عبر النظام الديمقراطي، الذي لا يحتكم إلا للقانون وحسب، معتبرة أن هذه المكتسبات كانت من ثمار الحداثة والتنوير في بلاد الغرب بعد فترات عصيبة وقاسية من تاريخه، عاث فيها الاستبداد السياسي والديني فسادا عارما، ولازالت فظاعاته مذكورة في كتب التاريخ والسير. تذكر الناس بأوروبا البربرية على حد توصيف الفيلسوف إدغار موران لها، في أحد كتبه التي تتناول الظاهرة، وكذلك زميله الفيلسوف تزيفتان تودوروف، الذي تطرق لموضوع البربرية الغربية في أحد مؤلفاته وغيرهما. وتابعت المحاضرة أن أوروبا ناضلت بلا هوادة وهي تفتتح عصر الحداثة لكي تترك ميراثها المتخلف وراء ظهرها، وتنفتح بفضل اكتشافاتها العلمية والمعرفية على عوالم جديدة، معززة سعيها ذاك بفصل السلطة الكنسية عن السلطة المدنية فيما يُعرف بفصل السلطات، مؤكدة أن الأمر لا يتعلق هنا، بإلغاء الدين والتضحية به، بل بتقنين المجتمع، وتنظيم أدوار الناس فيه، فيكون ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، والدعوة إلى قيم التسامح، ونبذ العصبية، واحترام التعدد والاختلاف.
وتابعت مجددا أنه لا شك في أن ذلك الانعطاف التاريخي الذي شهده الغرب، مهّد وأسس له فكريا نخبة من الكتّاب والأدباء والفلاسفة، قبل أن يأتي بنتائجه المرجوة مع الوقت، وهنا لم تشأ المتحدثة أن تسهب في عرض أسمائهم وأعمالهم وجهودهم، التي جعلت الإنسانية تنتقل نقلة نوعية ومهمة في التاريخ، بما أنه يكفي القارئ والمهتم العودة إلى القواميس والمعاجم المتخصصة في هذا الشأن، لمعرفة تفاصيل ذلك الانعطاف التاريخي، الذي قلب الموازين رأسا على عقب. وذكرت زتيلي أن الانحطاط الأخلاقي والاستبداد في لبوسه المختلفة والأعمال البربرية وجرائم التضييق على الفكر الحر بواسطة محاكم التفتيش، سيئة السمعة في الغرب، التي أنشئت في أوائل القرن الثالث عشر بقرار من البابا جرينوار التاسع في عام 1233، تورطت في جرائم لا تُنسى، فقد تحججت محاكم التفتيش في قطع الأوصال، وتعذيب وقتل وإحراق الناس، والتنكيل بالخصوم والزنادقة؛ بحماية الدين من الهرطقات والبدع، وتقويم اعوجاج الناس، وردّهم إلى سواء السبيل، وكم راح الكثير من الناس ضحيتها لمجرد الشبهة أو الوشاية بهم! ولايزال هذا التاريخ البائس إلى غاية اليوم، وصمة عار لاحقت الغرب رغم تجاوزه له، واعترافه بمساوئه، وبشاعاته التي تفنن فيها رجال الدين.
الحرية والديمقراطية بين التنظير والتطبيق في عالمنا العربي
وقالت زتيلي لا شك في أن الفكر الأصولي والاستبداد السياسي ظاهرتان واضحتان في بلداننا رغم التطورات الكبيرة التي يشهدها العالم في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير والتفكير. وبعد أن أصبح كوكبنا قرية صغيرة مفتوحة على وسائل التواصل والاتصال المختلفة؛ فتارة يجهز التطرف على الفكر الحر مستخدما نسقه ووسائله في التكفير والترهيب وحتى التنكيل والقتل لكتم صوت العقل، وتارة أخرى يحاصره الاستبداد السياسي بكل أدواته وطرائقه، لوضع العراقيل في طريقه، فيُحكم قبضته على المفكرين والمبدعين، ويزج بهم في السجون بعد أن يلفّق لهم تهما واهية، أو يقوم بتهميشهم وتضييق الخناق على تحركاتهم. كما اعتبرت أن القمع والاضطهاد يُضعف النفس مهما قاومت.
وقد تحدّث الكواكبي قبل قرنين من الزمن، ونبّه إلى مخاطر الاستبداد في كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد". هذا الكتاب الذي كان في زمانه، نصا نقديا جريئا، ولايزال إلى يومنا هذا، مضيفة أن قضية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لم يتحلحل وضعها كثيرا في عالمنا العربي رغم كل مخاضاته العسيرة. كما أن الدساتير لم يجر تطبيقها بشكل فعلي في الواقع، فبقي الشرخ بين النظرية والتطبيق واضحا، وأثر هذا على وضع الحريات في العالم العربي، وعلى الوضعية الإنسانية بشكل عام؛ ما يدفع إلى القول إن الحداثة السياسية في البلاد العربية لازالت بعيدة.
حلاّن أكيدان للخروج من العتمة إلى النور
وتوقفت الدكتورة عند نقطة مهمة، وهي أن الانتقال الديمقراطي وحده ما ينسف الطغيان بجميع أشكاله، ويكرس قيم المواطنة، ويكون سدا منيعا أمام أي هيمنة وإيديولوجية متطرفة، وما لم يتحقق هذا فلن تشهد مجتمعاتنا انفراجا في أزماتها العميقة؛ السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية والهوية المتفاقمة، والمراوحة لمكانها منذ عقود طويلة. وأكدت أن الوعي بضرورة التعايش معا رغم اختلافنا، هو الذي يغيّر أقدارنا، ويعيد صياغة وجودنا الإقليمي والدولي والعالمي، ويحفّزنا على المشاركة في صنع مصيرنا ومستقبلنا، مشيرة إلى تغير العالم بسرعة مذهلة من حولنا، والأطماع الاستعمارية الجديدة تتنامى وتزداد توحشا يوما بعد يوم، وتتحين الفرصة لنهب المزيد من مقدراتنا ومسخ هويتنا وإشعال نار الحروب والفتن في ربوعنا، بل وإبادتنا؛ أفلا تكون هذه المآسي دافعا قويا لتثمين الفكر وإحلاله منزلة رفيعة في المجتمع، وهو الكفيل بالبحث عن مخارج نجاة ممكنة لأزماتنا، بدلا من محاكم تفتيش جديدة، تجعلنا نغوص في الوحل أكثر، ولا تخدم، في نهاية المطاف، سوى أعداء الفكر والحرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.