مجلس الأمن: الجزائر تطالب باستخدام الأدوات التي يخولها ميثاق الأمم المتحدة لوقف جرائم الاحتلال الصهيوني ضد الفلسطينيين    إحباط محاولات إدخال أزيد من 3 قناطير من الكيف المعالج    مزيان و زروقي يشرفان على افتتاح ندوة تكوينية حول الجيل الخامس(5G)    محاور اجتماع للحكومة برئاسة الوزير الأول, نذير العرباوي :    لا بديل عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية و إحياء المسار السياسي    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني    ضمان الجزائر العلاج والخدمات الطبية الأساسية للاجئين    الصيف موسم للعلاج والتجدد    إحصاء 13 ألف مسجل غالبيتهم من الإناث    مرضى السكري أكثر عرضة لانسداد الشرايين    عنابة تحتضن تظاهرة علمية لمكافحة التهاب الكبد الفيروسي    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي    المخزن منصّة ثانية للدفاع عن المصالح الصهيونية    توقف آلية إدخال المساعدات إلى غزّة و6 آلاف شاحنة عالقة    استشهاد شخص و18 جريحا في غارات صهيونية على سوريا    ذروة قياسية جديدة لاستهلاك الكهرباء في الجزائر    تقنية الجيل الخامس طريق التحوّل نحو الإدارة الرقمية    85 % نسبة أشغال التوسعة بمصنع "فيات" بوهران    الداخلية تدعو المواطنين إلى التبليغ الفوري عن الحرائق    إيتوزا تطلق خطا جديدا بين بواسماعيل وبن عكنون    جثمان الفنان مدني نعمون يوارى الثرى بمقبرة قاريدي بالعاصمة    جنوب إفريقيا تشيد بمستوى الجامعات الجزائرية    عروض تكوين تتماشى ومتطلّبات السوق لحاملي البكالوريا الجدد    تستضيفها دول كينيا وأوغندا وتنزانيا بين 2 و30 أوت القادم.. الكاف يستنجد ب5 حكام جزائريين لإدارة مباريات "الشان"    الطبعة السادسة لمعرض الكتاب بوهران تختتم مساء اليوم    بعنوان "بيوتر تشايكوفسكي موسيقى تتخطى الحدود"..حفل سيمفوني استثنائي بأوبرا الجزائر الخميس القادم    أفشوا السلام بينكم    فتاوى : اشتراط الشريك على شريكه أن يقرضه مالا    كأس أمم إفريقيا للسيدات 2024:سيدات "الخضر" يستعدن لمواجهة غانا في ربع النهائي    ألعاب القوى/جائزة بريشيا الكبرى (800 م):الجزائري محمد علي غواند يحقق رقم قياسيا شخصيا جديدا    بحلول عام 2030..أهمية الوقاية وتعزيز التكفل الطبي للقضاء على التهاب الكبد الفيروسي    30 عائلة بالسويدانية تلتحق بشققها    جثمان الإعلامي علي ذراع يوارى الثرى بمقبرة سيدي يحيى بالعاصمة    أمن ولاية الجزائر : حجز أزيد من 12 كلغ من الكيف المعالج    جثمان الفنان مدني نعمون يوارى الثرى بمقبرة قاريدي بالعاصمة    الجمعية العامة لبنك "شيلتر إفريقيا" بالجزائر : دعوات لبعث صناعة إفريقية حقيقية لمواد البناء وتعزيز التصدير البيني    وزير العدل يؤكد حرص الجزائر الدائم على تحيين تشريعاتها لمواكبة المستجدات الوطنية والدولية    مزيان وزروفي يشرفان على افتتاح ندوة تكوينية حول الجيل الخامس(5G)    كيك بوكسينغ : انطلاق البطولة الوطنية للوكيك بمشاركة حوالي 800 مصارع ببواسماعيل    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 58573 شهيدا و139607 مصابين    معسكر: المجاهد سعيد اسطمبولي في ذمة الله    وزير العدل يدشّن محكمتين جديدتين بالمدية ويعلن تسهيلات جديدة للجالية الجزائرية بالخارج    في اليوم الوطني للطفل: الجزائر تُحيي الذكرى العاشرة لقانون حماية الطفل وتُطلق جائزة وطنية للابتكار المدرسي    ممثلة المنظمة الدولية للهجرة تشيد بجهود الجزائر للتكفل باللاجئين    هذه رسالة فان بيرسي لحاج موسى    هذا اثر الصدقة في حياة الفرد والمجتمع    معرض لأعمال ديني    الجزائر أسست لمشاريع استراتيجية كبرى تكرس التكامل الإفريقي "    رقم قياسي للاستهلاك الكهرباء بالجزائر    مستوى لا مثيل له    حديث عن مغادرة عمراني للعارضة الفنية    مطار الجزائر يوظف مضيفات استعلام    عنابة تسحر البولونيين    غياب بلايلي عن الترجي يثير الاستفهام    أيمن بوقرة أول المستقدمين    بلادنا تضم قراب نصف مصانع إنتاج الأدوية بإفريقيا    شرطان لا يصح الإيمان إلا بهما    فضائل ذهبية للحياء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعمر الزاهي... عاش بسيطا زاهدا ومات عزيزا مكرما
خمس سنوات على رحيل فنان الشعب بامتياز
نشر في المساء يوم 30 - 11 - 2021

غنى للشعب، فاحتضنه بدون شروط، أسكنته طيبته، هدوؤه وابتعاده عن أضواء الشهرة، القلوب، فكان وسيبقى الخالد الذي لا تتباين مختلف الأجيال عن حبه وتقديره.. رحل "اعميمر" الذي يعرفه الثمانيني وشنّف أسماع العشريني، رحل منذ خمس سنوات، لكنه ظل في الأذهان والأفئدة، رحل محافظا على هيبته ووقاره، رحل وهو صامت مثلما ألفناه، ولم يُسمع له صوت إلا من خلال أغانيه الرائعة.
من منا لم تمتعه أغاني اعمر الزاهي، وأكاد أجزم أن لا بيتَ يخلو من إحدى روائعه، فصاحب "مريومة"، "ما ريت في الملاح بحالو مكمول الزين"، "هاذ الخاتم"، "أنا براني غريب" وغيرها كثير. أثبت وهو يكابد وحيدا العزلة، مختارا الانصهار في أوساط الشعب، زاهدا في الماديات؛ إنه "فنان الشعب" لا فنان الصالونات والتكريمات، فلم نصادفه يوما في قصر الثقافة "مفدي زكريا"، ولم نتابعه في حصة تلفزيونية، وكل أغانيه التي نادرا ما تُبث تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، واكتفينا بصوره التي غالبا ما كانت تُلتقط له بحديقة "مارنقو"، وبالفيديوهات المسربة من الأعراس التي كان يحييها هنا وهناك فوق أسطح القصبة التي احتضنته بدون مقابل، وبقي إلى غاية آخر أنفاسه محتميا بها، فاختار البساطة، الكبرياء وعزة النفس.. عنوانا لمساره الثري بالعطاء والتجارب الإنسانية.
اعمر الزاهي الذي كبرت مختلف الأجيال على رنة صوته، سيبقى رغم فراقه، علَما من أعلامنا، وقامة من قاماتنا الشاهقة، ليس هباء، ولكن لتفرده وتميزه فنيا وإنسانيا.. اختار عن قناعة وظل على نهجه لعقود، وهذا الاختيار جعل الآلاف من محبيه يشيعونه إلى مثواه الأخير، فاعمر الزاهي بزهده عن الأضواء، وابتعاده عن النفاق والرداءة اللذين باتا سمتي المشهد الفني الجزائري، فضلا عن التخبط الذي يعيشه "الشعبي" في بلادنا، سيظل رمزنا وعزتنا، أنفتنا وتميزنا، لأن الفنان الحقيقي هو الذي يترفع عن التكريمات، وينأى بنفسه عن التفاهات، والزاهي رحل في صمت، عاش لفنه وبفنه، وسيلقى الله عز وجل وملايين الأكف ممدودة متضرعة لله، سائلة له المغفرة والرحمة، وملايين الألسن لن تذكر عنه سوى زهده وكبريائه.
إجماع على التفرد
قليلة هي المرات التي شهدت التفافا جماهيريا حول فنان رحل للقاء ربه، مثلما حدث مع الشيخ اعمر الزاهي، فكل المجتمع الجزائري بفئاته، أجمع على عظمة الرجل وتفرده، وكلّ حاول أن يعطي الرجل ولو جزءا من حقه عبر كلمات خُطت هنا وهناك، والأكيد أنها كانت نابعة من قلب مفجوع..
الأديب، الإعلامي، الأكاديمي، السينمائي، الشاعر والمواطن البسيط التقوا على كلمة واحدة تختصر مسيرة رجل وهب حياته لفنه، ورسم في مخيال الجزائريين صورة فنان خارج مجال المقارنة. فنان صنع حب الناس له شهرته.. فمنذ الدقائق الأولى لرحيل صاحب الأغاني الخالدة، عجت مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات المواساة والحزن للمصاب الجلل. وأعلن الكثير من الجزائريين الحداد وتوشحوا السواد.
الصوفي الواصل
في هذا السياق، كتب الباحث والإعلامي مهدي براشد يوم تشييع جثمان "فنان الشعب بامتياز"، شكل الشيخ اعمر الزاهي أو "عميمر" - كما يحلو للجيل الجديد من سكان دزاير تسميته، والتصغير هنا دليل الحب والمودة ظاهرة فنية متميزة، ليس فقط بأدائه المتميز الذي أسس ل"شعبي ما بعد الاستقلال" منذ تجديدات الشاعر الموسيقي الفذ محبوباتي التي تلقفها أستاذه المباشر "بوجمعة العنقيس"، في ستينيات القرن الماضي، إنما أيضا للنهج الذي اتخذه في حياته دون غيره من الفنانين، فآثر الابتعاد عن الأضواء الإعلامية والرسميات، مكتفيا بحياته الفنية الشعبية البسيطة بجوار محبيه، من خلال إحياء أعراس الزواج والختان بالعاصمة وعدة مدن جزائرية.
الشيخ اعمر الزاهي (تسمية يقال إن أول من أطلقها عليه الفنان كمال حمادي)، واسمه الحقيقي اعمر آيت زاي من مواليد 1941 بعين الحمام في ولاية تيزي وزو. تنقل إلى العاصمة وهو صغير، واستقر بحي دربوز أرزقي لوني (الرونفالي سابقا)، هذا الحي الذي قضى فيه كل حياته، وكان يشكل أحد هوامش حي القصبة العتيق، وهامش أغنية الشعبي كما رسم حدودها الحاج امحمد العنقى.
من "فطومة" إلى "مريومة"
أضاف براشد "لم يكن لعمر الزاهي أن يفلت من ربقة الكاردينال، فغنى على مقاييس العنقى وقواعده "الزين الفاسي"، و"مرسول فاطمة" وغيرها من ديوان "الملحون"، إلا أن روح الشاب الجزائري التي أنهكتها أوزار الاستعمار وخيبتها إقصاءات الاستقلال، لم تكن لترتاح في أغنية تضيق عن رومنسيتها. لعل سنة 1963 كانت منعطفا هاما في حياة هذا الفنان الذي سيُشغل شباب العاصمة، ويخرج أغنية الشعبي من كونها أغنية ذكورية محضة، ويتغلغل بها حتى آذان النساء، اللائي اكتشفن شكلا جديدا ل"شيخ" على هيبته وحيائه، لم يُخف عشقه الرومانسي من "فطومة" إلى "مريومة" إلى "زنوبة" إلى "حبيبة".
ففي هذه السنة. التقى اعمر الزاهي بالفنان بوجمعة العنقيس، في دار أحد الذين شدوا بيده وأدخلوه عالم الشعبي، وهو محمد ابراهيمي المعروف بالشيخ قبايلي. يومها كان المرحوم بوجمعة العنقيس والمرحوم عمر مكرازة شيخين في عرس زواج "عبد الرزاق" بن الشيخ قبايلي، وطلب من اعمر الزاهي أن يغني قليلا ويملأ فراغ الشيخين أثناء العشاء، فتردد اعمر الزاهي في البداية قبل أن يوافق، لكن الشيخ عمر مكرازة رفض أن يلمس "مندوله"، فما كان من الشيخ بوجمعة العنقيس سوى أن أعطاه مندوله، وكانت المفاجأة بالنسبة للشيخ بوجمعة عندما سمع صوتا ظنه صوته نفسه، قبل أن يطل من شرفة البيت ويدرك أن الذي كان يؤدي "آمن تلومني كف اللوما"، إنما هو ذلك الشاب صاحب 22 سنة؛ اعمر الزاهي. ربما هذه الحادثة هي التي جعلت للشيخ بوجمعة العنقيس مكانة خاصة لدى اعمر الزاهي حتى آخر أيامه، دون غيره من شيوخ الشعبي الآخرين، أمثال الباجي وعبد الرحمن قبي وكمال بورديب وحتى دحمان الحراشي.
"شوف لعيوبك يا راسي وتوب لله"
بعد ظهور قليل لسبع مرات بين تلفزيون وإذاعة، وعدد مثلها من الأسطوانات وتسجيل "كاسيت واحدة"، أدرك اعمر الزاهي أن عالم الأضواء ليس عالمه، وابتعد عن كل ما هو رسمي، واختار عزلة لا يملؤها إلا أصدقاء مقربون وأبناء الحي، وأعراس لا تُعد ولا تحصى، زاهدا في كل شيء، شعاره في الحياة "شوف لعيوبك يا راسي وتوب لله"، وما غناه من قصائد في الجد والتصوف.
كلما ابتعد الزاهي عن عالم الأضواء، كان يقترب من نورانية بداخله قاده إليها فن "الشعبي"، وقصائد بن خلوف وقدور العالمي والنجار وآخرين، فتحول كل جمال إلى جمال الله وبديع صنعه، وتحولت "ظريفة وزينب وموينة وطاهرة ورقية وكل الريام اللواتي خرجن "يوم الجمعة"، إلى "أسماء للزهور، في ربيع يؤكد عظمة الخالق"، وكان "المحبوب" الأول والأخير، هو الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.