تيزي وزو تستعد لاحتضان الطبعة ال15 لعيد التين بمشاركة 60 عارضا    تكوت تحتفي بعيد الخريف: سوق تقليدية في أجواء فلكلورية وتراثية    "شان2024" الدورربع النهائي: إقصاء المنتخب الجزائري أمام نظيره السوداني بركلات الترجيح (2-4)    الأمم المتحدة: غوتيريش يعرب عن قلقه "البالغ" إزاء استمرار تدهور الوضع في الأراضي الصحراوية المحتلة    غزة في المجاعة..الجزائر تدين بشدة ممارسات الاحتلال الصهيوني    مصدر من وزارة الخارجية : باريس تتحمل مسؤولية الإخلال أولا ببنود اتفاق 2013    مؤسسة "بريد الجزائر": بطاقة دفع إلكتروني للحائزين الجدد على البكالوريا    الخطوط الجوية الداخلية: اطلاق أول رحلة الجزائر – تمنراست هذا الاثنين    منظمة التعاون الإسلامي: المجاعة في غزة "جريمة حرب تستدعي تحركا دوليا عاجلا"    مشاركة فريق جزائري محترف لأول مرة في جولتين أوروبيتين مرموقتين لسباق الدراجات    المهرجان الوطني للموسيقى والأغنية الشاوية بخنشلة: فرقة "ديهيا" تتوج بالجائزة الأولى لمسابقة الطبعة الثانية    باراكانوي/بطولة العالم: تأهل الجزائري براهيم قندوز للنهائي" أ" بإيطاليا    جناح الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار يستقطب اهتمام الشركات اليابانية في يوكوهاما    أمن ولاية الجزائر: عمليات شرطية ليلية واسعة تسفر عن توقيف 288 مشتبها فيهم    وفد من المجلس الشعبي الوطني يزور برلمان عموم أمريكا الوسطى    الجزائر تستعد لاحتضان معرض التجارة البينية الإفريقية 2025    وهران تختتم الطبعة 14 للمهرجان الثقافي الوطني لأغنية الراي وسط أجواء فنية احتفالية    الجزائر تتألق في المنتدى الثقافي الدولي للطفل بموسكو    معرض التجارة البينية الافريقية 2025 بالجزائر: ريادة اقتصادية في خدمة التنمية في القارة    مؤسسات ناشئة: تجارب عالمية تدعم مسيرة رواد الأعمال الجزائريين    44 مليار دولار    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 62622 شهيدا    حملات تحسيسية لترشيد وعقلنة الاستهلاك    بدء إنتاج محطة كودية الدراوش بالطارف    التحكّم في أغلب حرائق الغابات بعدّة ولايات    أيام للفيلم الثوري    أراض مغربية تُمنح للصهاينة!    فلسطين... بعد 77 سنة عودة الوعي العالمي؟    عرقاب يشرف على تدشين عدة منشآت    رواية الدكتور مومني وأبعاد الهُوية والأصالة والتاريخ    غزوة أحد .. من رحم الهزيمة عبر ودروس    ترتيبات خاصة بمسابقة التوظيف في رتبة "مربي تنشيط الشباب" لفائدة ولايات جنوب الوطن    شرطة الحدود تحجز أزيد من مليون أورو خلال 3 أشهر    لجنة لتقييم حالة الحافلات والتخطيط لتجديد الأسطول    مؤتمر الصومام عزّز الوحدة الوطنية إلى أبعد الحدود    متعاملو الهاتف النقال ملزمون بتوسيع مجال التغطية    الجزائر تدفع إلى التكامل بين الهياكل الأمنية والحوكمية للقارة    بلورة رؤية ناجعة لأنشطة المجتمع المدني    الشباب يقود القوافل الطبية التطوّعية    خطوة مهمة في مسار تيسير الخدمات القنصلية    " صيدال" يكرّم أحد أبطال الإنقاذ في كارثة وادي الحراش    حملات واسعة لتنقية الوديان والبالوعات    الجزائر تنهي المنافسة ب 23 ميدالية منها ست ذهبيات    أفلام الثورة تُلهب مشاعر جمهور الفن السابع    مسرحية "أميرة الوفاء" تفتك "القناع الذهبي"    عنابة تعيد رسم ملامح المدينة المتوسطية الرائدة    أخبار اعتزالي غير صحيحة.. وهدفي أولمبياد 2028    بوقرة يعترف بصعوبة المهمة ويحذر لاعبيه    وهران: تدعيم المؤسسات الصحية ب 134 منصبا جديدا لسنة 2025    حج 2026: تنصيب لجنة دراسة العروض المقدمة للمشاركة في تقديم خدمات المشاعر    انطلاق الطبعة الخامسة للقوافل الطبية التطوعية باتجاه مناطق الهضاب العليا والجنوب الكبير    الجزائر تواجه السودان    16 فريقاً على خط الانطلاق.. بأهداف متباينة    هذه الحكمة من جعل الصلوات خمسا في اليوم    فتاوى : هل تبقى بَرَكة ماء زمزم وإن خلط بغيره؟    خالد بن الوليد..سيف الله المسنون    قتلة الأنبياء وورَثتُهم قتلة المراسلين الشهود    مناقصة لتقديم خدمات المشاعر المقدسة في حج 2027    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طقس تعبقه رائحة البن بكل ود
"قهوة العشوة" ولمة العائلات العنابية
نشر في المساء يوم 24 - 08 - 2025

تفوح رائحة القهوة من نوافذ البيوت في مدينة عنابة، كل مساء، وكأنها نداء داخلي يعرفه الجميع... نداء إلى قعدة لا تتكرر، لكنها لا تغيب أبدًا.
قعدة اسمها "عشوة"، وفنجانها قهوة مزهرة بماء الزهر، تطهى على نار الحب في "الزَّزوة"، الإبريق التقليدي الذي لا تزال تحتفظ به الجدات، كما يحتفظن بالذهب.
مع أول ميلٍ لغروب الشمس، تبدأ المدينة في التغير
الهدوء يتسلل إلى الحارات، نسيم البحر يغمر الشرفات، وتبدأ القلوب تبحث عن بعضها...ليجتمع الجميع في طقس عنابي أصيل، تتوسطه طاولة صغيرة، وفناجين قهوة، وأحاديث لا تنتهي.
"قهوة العشوة" في عنابة ليست مجرد استراحة يومية، بل هي موعد روحي، يمتزج فيه دفء الأسرة بعبق الذكريات.
تُحضر القهوة فوق نار هادئة، تفور وتُطفأ، ثم تعود لتفور ثانية... حتى تجهز بالرغوة المطلوبة والرائحة التي تسبقها في الخروج من المطبخ.
رائحتها لا تبقى حبيسة الجدران...بل تنتشر في الأزقة والشوارع، فيعرف الجار أن "القهيوة راهي طابت"، وربما يسمع من الطابق العلوي صوت صحون تُصف، وضحكة تطل من المطبخ، ودعوة خفيفة: "اطلعي تشربي قهوتك معانا، راهي عشوة اليوم".
الصحون المزركشة تُخرج من الخزانة، وتُزين بالقليل من "المقرود العنابي"، ذهبي اللون، معسل، محشو بالتمر والمحبة...وإلى جانبه، بعض المقرقشات، أو حتى قطعة كعك بسيطة، المهم أن تُقدَّم النية مع القهوة، والبساطة مع الحفاوة.
النساء يتحلقن حول المائدة، الحديث يتفرع من قصة إلى أخرى، من نكتة إلى حكاية قديمة، من وصفة إلى ذكرى... الجدة تُشارك بفكرة، البنت تضحك، الأم تتابع بصوت هادئ، والجارة تضيف تعليقًا من ذاكرتها.
ووسط هذا الجو، الرجال من بعيد، في "البلكونات" أو (السطوح)، يكتفون بقهوة سريعة في صمت، بينما ينصتون خلسةً إلى الضحك الصادر من الداخل... ويبتسمون.
الأطفال لا تغيب عنهم هذه اللمة، فهم يتحركون بين الأقدام، يمدون أيديهم إلى صحن الحلوى، يسمعون، يضحكون، ويصغون لقصص لا تُروى في المدارس.
وفي بعض البيوت، تُحمل القهوة إلى الحديقة أو الشرفة أو حتى إلى الشاطئ، لأن "قهوة العشوة" في عنابة لا تتقيد بمكان، بل تُشرب حيث يوجد من نحب.
ولأنها لحظة دفء ولمة، فقد تحولت قهوة العشوة في الثقافة العنابية، إلى إطار جامع لكل المناسبات السعيدة.
فلا عجب أن تُقام عند النجاحات الدراسية، ويُحضَّر لها "القهيوة" و"المقرود" عند توديع العروس إلى بيت زوجها، وتُجمع لها العائلة والصديقات.
وفي حفلات الختان، تُزيَّن الطاولات بالفناجين المزركشة، وتُقدَّم القهوة كجزء من الطقس الاحتفالي، قبل أو بعد "الطبل والزغاريد".
بل إن البعض يستغل لحظة العشوة لزيارة الأقارب، أو لدعوة المدعويين إلى الأعراس بطريقة بسيطة ومحببة، حيث يُقال: "نعيطلكم قهوتنا عشوة غدوة... راهي فرحتنا كبيرة، وما تكملش بلا بيكم".
وهكذا لم تبقَ قهوة "العشوة" مجرد مشروب مسائي، بل صارت رابطًا وثيقًا بين الأهل، عنوانًا للفرح، وصيغة اجتماعية رقيقة لإعلان المناسبات السعيدة.
تمر اللحظة ويبرد الفنجان.. لكن الحنين لا يبرد
تبقى القعدة محفورة في القلب، والرائحة معلقة في الذاكرة، والحديث عالق في الزوايا.
عنابة ليست فقط ميناءً أو شاطئًا أو مدينة تطل على المتوسط...عنابة هي تلك اللحظة التي يجتمع فيها أفراد العائلة حول فنجان، وتُقال فيها أشياء لا تُقال في أي وقت آخر. "قهوة العشوة" ولمة العائلات العنابية... هي الحنين الذي لا يبرد مهما مر الزمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.