تقود الجزائر قاطرة التحرر السياسي والاقتصادي وفق قيادة ثابتة بعيدا عن المصالح الضيقة، بناء على ما ينصّ عليه بيان أول نوفمبر الداعم للقضايا العادلة، حيث تحرص بلادنا في إطار دورها الجديد على تكييف مصالح القارة مع التحديات الراهنة، وفق رؤية متكاملة ترتكز على الندية والشراكة المتكافئة مع الدول الغربية. لم يختلف دور الجزائر تجاه القارة بين الأمس واليوم، بل إنّ وقوفها إلى جانب الحركات التحريرية ضد المستعمر الغاشم، ما كان سوى دفاع عن حقوق الدول الإفريقية كي تعيش شعوبها في رفاهية، وتمكينها من استغلال مواردها الطبيعية المستنزفة لعقود من الزمن. فدعم الجزائر لهذه الدول المستضعفة جاء انطلاقا من تمسّكها بمبادئها التي رسمت معالمها الثورة التحريرية المظفرة، ما جعلها موضع ثقة القارة الإفريقية التي تتطلع اليوم لدور أكبر من الجزائر من أجل تحقيق الاندماج والتكامل الاقتصادي . كما أنّ الجزائر تدرك أنّ تجسيد هذا المسعى لن يتأتى إلا بدفاع إفريقيا عن خيراتها عبر المنابر الدولية، حيث كانت بلادنا ناطقها الرسمي بامتياز، خاصة على مستوى مجلس الأمن الذي تشغل مقعدا غير دائم به لمدة عامين، وكانت أفضل مرافع عن انشغالات القارة، خاصة وأن 75% من انشغالات هذا المحفل الأممي كان إفريقيا بامتياز . ولعل ذلك ما جعل بلادنا تركز منذ سنوات على الدعوة إلى توسيع تمثيل إفريقيا بمجلس الأمن تجسيدا لمبدأ الإنصاف، ما جعلها مؤثرة في صناعة القرار الدولي وتحظى بمصداقية دول القارة التي تراهن على دور الجزائر لإيصال صوتها وطرح انشغالاتها في عالم يغلب عليه منطق القوة . وكتجسيد لهذا المسعى لا تتوانى الجزائر في تقريب التواصل بين الأفارقة للخروج بموقف واحد إزاء مختلف القضايا السياسية والاقتصادية، ما جعلها تكثف التنسيق بين الاتحاد الإفريقي والكتلة الإفريقية بالأمم المتحدة، للدفاع عن مصالح القارة، مستغلة تواجدها بمجلس الأمن لحصد أكبر عدد من المكاسب. فالدور المحوري للجزائر ارتكز منذ عقود من الزمن على تصحيح صورة إفريقيا التي كانت مرجعا للفقر والأوبئة والفساد والانقلابات السياسية والتي أثرت بشكل جلي على نهضتها التنموية، ما جعلها اليوم تحرص على إعطاء نموذج مغاير لقارة تزخر بثروات هائلة، تمكّنها في حال استغلالها بشكل أفضل من لعب دور محوري في عالم تميزه الكثير من التعقيدات وتهافت القوى الغربية المتنافسة من أجل الحصول على أكبر قدر من الصفقات الاقتصادية الهامة. كما أن الاستفاقة الإفريقية بعد طرد المستعمر القديم (فرنسا) من القارة والذي هيمن على صناعة قراراتها لعقود من الزمن، يجعلها اليوم في موضع جيد لمراجعة الحسابات، والتفكير في نهج جديد من التعامل الاقتصادي يضمن المصالح المتكافئة، بعيدا عن النظرة الاستعلائية التي ميزت الموقف الفرنسي تجاه مستعمرات الأمس والذي كبّل سيادتها السياسية والاقتصادية. غير أن هذه الدول التي كانت رهينة لمعتقد كولونيالي مازال يقوده اليمين المتطرّف، أدركت أخيرا أنه كان لزاما عليها النهوض وفضح الوجه الحقيقي لفرنسا التي أضحت اليوم تجر أذيال الخيبة بسبب مواقفها المتعجرفة. وبلاشك، فإن احتضان الجزائر للطبعة الرابعة من معرض التجارة الإفريقية البينية اليوم، يعد رسالة لكل الشركاء وتأكيدا على سعي إفريقيا للتموقع في المكانة التي يفترض أن تكون فيها منذ زمن طويل، بحكم توفّرها على كافة المقومات التي تجعلها ذات وزن اقتصادي يعوّل عليه في نسج علاقات اقتصادية دولية قوية .كما أنّ قناعة الجزائر تنبع من أن الانطلاقة الحقيقية للنهضة الإفريقية لن تكمن سوى بتقوية آليات التعاون البيني، استنادا إلى تجارب التكتلات الاقتصادية الدولية في العالم والتي تعد أفضل نموذج لمجابهة التحديات المشتركة .