توجّهت أنظار بعض العائلات الجزائرية مع بداية العطلة الشتوية، نحو البحث عن العروض المناسبة التي تقترحها بعض الجمعيات الناشطة في المجال السياحي، التي أخذت على عاتقها مهمة إنعاش السياحة الداخلية؛ قصد قضاء أوقات ممتعة في ظل الأجواء الشتوية المميزة. ورغم التحديات التي تواجه بعضها إلا أنها تسعى جاهدة لتنظيم رحلات سياحية، تناسب القدرة المالية للعائلات، والشباب الشغوفين بالمغامرة والاستكشاف؛ على غرار الجمعية الوطنية السياحية "كنوز الجزائر" ممثلة في مكتب المدية، والتي شرعت في تنظيم رحلات نحو عدد من المناطق الحموية والأثرية. تُعد ولاية المدية من الولايات التي لم تنل نصيبها الكافي من الترويج السياحي رغم ما تزخر به من معالم أثرية وطبيعية مميزة، على غرار موقع "رابيدوم" الأثري. هذه المدينة الرومانية القديمة تقع ببلدية جواب على بعد حوالي 80 كلم جنوب شرق عاصمة الولاية. وكانت "رابيدوم" في بداياتها مركزًا عسكريًا قبل أن تتحول إلى مدينة متكاملة المقومات، أُسست سنة 122 ميلادية. ولاتزال العديد من معالمها شاهدة على تلك الحقبة التاريخية، حيث تضم متحفًا يحتوي على شواهد جنائزية، وكتابات حجرية ذات قيمة تاريخية كبيرة. وفي هذا الإطار، أوضح عبد النور عمارة، رئيس مكتب الجمعية، أن هذا الواقع دفعهم إلى التفكير في توجيه الأنظار نحو ولاية المدية التاريخية، من خلال تسليط الضوء في كل مرة، على معلَم سياحي أو أثري من معالمها. وأضاف المتحدث أن جمعيتهم تتعاون مع عدة جمعيات من خارج ولاية المدية، وتنسق معها خرجات سياحية مختلفة؛ للتعريف بمناطق الولاية، مشيرًا إلى أنهم لا يضعون برنامجًا مسبقًا ثابتًا، بل يتركون الحرية الكاملة للجمعيات الزائرة في اختيار الوجهة التي ترغب في اكتشافها، سواء كانت منطقة جواب بما تحتويه من مخيم شباب، وآثار رومانية برابيدوم، أو شلالات تيجاي بالعيساوية، أو بحيرة الضاية، إلى جانب عدة مناطق أخرى لاتزال بحاجة إلى الاكتشاف من طرف العائلات والشباب الراغبين في ممارسة السياحة الداخلية. وفي السياق ذاته، أشار المتحدث إلى أن الجمعية رغم افتقارها للدعم واعتماد أغلب نشاطاتها على المساهمات الشخصية لأعضائها، إلا أنها تواصل العمل وفق أهدافها الرامية إلى إنعاش السياحة الداخلية، واغتنام كل فرصة ممكنة للترويج للسياحة بولاية المدية. ولفت عمارة إلى أن الجمعية اختارت خلال العطلة الشتوية، برمجة رحلات نحو أهم الحمّامات المعدنية، على غرار حمّام ريغة، وحمام شارف، وحمام زلفانة في إطار التعريف بالسياحة الحموية داخليًا، إلى جانب استقبال جمعيات أخرى من خارج الولاية، وتنظيم نشاطات مشتركة في إطار التبادل السياحي داخل المدية. وشدد المتحدث على أن ولاية المدية من الناحية السياحية، لاتزال بحاجة ماسة إلى تسويق حقيقي، وتوفير الوسائل والخدمات الضرورية بهذه المواقع؛ لتسهيل زيارتها. وضرب مَثلًا ب "بحيرة الضاية" المعلقة، التي تستقطب آلاف الزوار خاصة خلال فصل الربيع، غير أنها تعاني، للأسف، من عدة نقائص، أبرزها ضعف أو انعدام التغطية الهاتفية، وغياب المراحيض، وافتقارها لمرافق وخدمات أخرى، إضافة إلى انعدام وسائل النقل نحوها، ونقص حاد في الفنادق والمراقد. وأكد في هذا السياق أن ولاية المدية تُعد من أفقر الولايات من حيث الهياكل الفندقية، إذ يمكن عدّ الفنادق والمراقد فيها على الأصابع، وربما لا يتجاوز عددها عشرة في كامل الولاية؛ ما يستدعي، حسبه، إعادة التفكير في الآليات الواجب اعتمادها لإنعاش الفعل السياحي بالولاية. وضمن جملة المقترحات التي ترى الجمعية أنها ضرورية لتشجيع السياحة الداخلية وإنعاش الفعل السياحي بالمدية، أشار المتحدث إلى أهمية نشر الوعي بدور السياحة في التنمية المحلية، والمحافظة على البيئة والموروث الثقافي والتراثي، والمشاركة في تنظيم وتنشيط الفعاليات السياحية على غرار ما تقوم به جمعيتهم، إلى جانب التحسيس بضرورة تحسين جودة الخدمات السياحية، وحسن استقبال الزوار. وأكد أن تحقيق هذه الأهداف لا يمكن أن يتم إلا من خلال تضافر الجهود، وتكامل الأدوار بين القطاعين العام والخاص؛ حيث يتوجب على القطاع العام إعداد ووضع استراتيجية وطنية واضحة لتطوير السياحة، مع توفير التمويل اللازم لدعم المشاريع السياحية، وتحسين وتحديث البنية التحتية، إلى جانب سنّ التشريعات واللوائح القانونية المنظمة لنشاط الوكالات السياحية. أما على مستوى القطاع الخاص فدعا المتحدث إلى الاستثمار في مختلف المشاريع السياحية، وتقديم خدمات نوعية تستجيب لتطلعات السياح، مع المساهمة الفعالة في الترويج للوجهة السياحية لولاية المدية.