قال الأستاذ رومان برتران، أن السؤال الذي يجب أن يطرح بشكل جدي ومعمّق فيما يتعلق بقانون 23 فيفري 2005 الممّجد للاستعمار، هو لماذا أخذ بعض نواب اليمين على عاتقهم هذا القانون ورفعوه إلى البرلمان وصوتوا عليه؟ أكد الأستاذ رومان برتران (مدير البحث في المؤسسة الوطنية للعلوم السياسية) في المحاضرة التي ألقاها أول أمس بالمعهد الفرنسي بالجزائر، بعنوان: ''فرنسا وماضيها الكلونيالي، قانون، ذاكرة وتاريخ''، أن المعضلة ليست في اتصال جمعيات المحاربين القدامى في حرب الجزائر والمرّحلين إلى وطنهم، بالنواب، لكي يسنوا قانونا لتعويضهم ماديا والاعتراف قانونيا بأفعالهم اثناء حرب الجزائر، بل في اقتناع النواب انفسهم بجدوى هذا القانون والدفاع عنه والمصادقة عليه. وأضاف المحاضر أن هؤلاء النواب من انصار ساركوزي ومن الجيل الذي لم يشهد حقبة الاستعمار الفرنسي (كان عمر أغلبيتهم سنة 1962 بين 12و14سنة)، بالإضافة إلى أن معظمهم فاز حديثا بالانتخابات التشريعية آنذاك، وبالتالي ليست لهم تجربة برلمانية ولا اهتمام واسع بالسياسة الوطنية المتبعة، بل اعتادوا على ممارسة السياسة المحلية فقط. وتساءل لماذا لم يُسن هذا القانون قبل سنة ,2005 وبالأخص بين سنة 2000 و2002 حينما بدأ النقاش يحتدم حول تداعيات الثورة الجزائرية على فرنسا، وهذا بعد تصريحات المجاهدة ايغيل احريز في جريدة ''لومند'' حول التعذيب الذي تعرضت له، وكذا صدور كتاب للجنرال اوساريس يعترف فيه بعمليات التعذيب التي مارسها، بالإضافة إلى عرض فيلم ''العدو الحميم'' لبارتريك روتمان والفيلم الوثائقي الطويل بعنوان: ''أقاويل المعذبين'' عن التعذيب الممارس من طرف المستعمر الفرنسي في حق الجزائريين؟ وأجاب المحاضر أن المصادقة على هذا القانون سنة 2005 كانت بعد قرار رئيس الحكومة آنذاك جون بيار رافاران، تأسيس المجلس الاعلى للمرّحلين إلى وطنهم، هذا الأخير وبمعية جمعيات عديدة ومن بينها جمعية ''أديماد''، طالبوا الحكومة الفرنسية بسن مشروع قانون تعويض مادي بعد مشاركتهم في حرب الجزائر، وهكذا تم تاسيس لجنة تحقيق برلمانية برئاسة ليونال لوكا والتي تم من خلالها الاستعانة بشهادات مختصين في التاريخ مثل موريس فافر (عضو من جمعية قدامى المنظمة السرية العسكرية)، لتكون النتيجة اصدار قانون 23 فيفري .2005 بالمقابل، أكد الأستاذ أن موضوع تمجيد الاستعمار ليس حديث الألفية، بل يعود إلى منتصف التسعينيات وأعطى مثالا عن ذلك، إشادة الرئيس جاك شيراك بالدور الحضاري للاستعمار الفرنسي. وفي إطار آخر، أشار المحاضر إلى وجود علاقات بين نواب حزب اليمين وجمعيات عن المنظمة السرية العسكرية، مقدما مثالا بالنائب عن حزب اليمين ميشال تابراو (ابنة روبار تابراو من المنظمة). مضيفا أن نواب حزب اليسار الاشتراكي والحزب الشيوعي صوتوا أيضا على القانون ولم يعارض احد منهم ما عدا نائب واحد من الحزب الشيوعي، هو غي فيشار. وحسب الأستاذ، فإن ''قانون تمجيد الاستعمار، لم يكن نتيجة مؤامرة''، مقدما دلائل لذلك، مثل قلة تأثير جمعيات المحاربين القدامى والمرحلين إلى وطنهم على الرأي العام أو حتى على الانتخابات. وأضاف أن أي نائب لن يجازف بالوقوف مع هذه الجمعيات للفوز بأصواتها القليلة وخسارة اصوات أكثر بكثير من الحزب اليساري المعادي لفكر هذه الجمعيات. وأكد المحاضر أن المادة الرابعة من قانون 23 ماي، التي تمجد الاستعمار، خطيرة فعلا ولكن هناك مادة أخرى خطيرة أيضا، ألا وهي المادة الثالثة عشر التي تخص التعويض المادي للفرنسيين المحليين أو القادمين من المستعمرات الذين تعرضوا لعقوبات مثل السجن أو مصادرة منازلهم، وهو يعني بطريقة ضمنية الاعتراف واعادة الاعتبار لاعضاء المنظمة السرية العسكرية. وتوقف المحاضر عند هذه النقطة، متسائلا عن قبول جميع النواب هذه المادة وفي مقدمتهم نواب اليمين الوارثين للسياسة الديغولية التي كانت معادية تماما للمنظمة السرية. مضيفا أن هذا الامر يدل على تخلي النواب الجدد عن السياسات التقليدية والمتبعة من طرف حزب اليمين. بالمقابل، أشار المحاضر إلى المغزى من تدخل المجلس الدستوري بطلب من الرئيس شيراك في هذا القانون وتعديله للمادة الرابعة، التي تطالب بتمجيد الاستعمار من خلال البرامج الدراسية. مضيفا أن دور المجلس ليس معارضة فحوى المواد القانونية، بل في التأكيد على قانونيتها أو عدمها، وفي هذا السياق، طلب المجلس تعديل المادة الرابعة لأن البرامج الدراسية هي من مهمة وزارة التربية وليس البرلمان. وأضاف المحاضر أن هذا القانون، احدث زعزعة كبيرة في الوسط السياسي الفرنسي، لأنه بعدما كان ينص على الماضي أصبحت له صبغة الحاضر وهو ما ظهر جليا في النقاش حول القانون في نوفمبر 2005 بالبرلمان الفرنسي والذي صادف اندلاع احداث الضواحي لينتقل النقاش من الدور الإيجابي للكولونيالية إلى الحديث عن تدريس تاريخ ودور الاستعمار للاجيال الجديدة وبالأخص المنحدرة من المهاجرين من عدمه، وهكذا تم تلخيص مشاكل هؤلاء الشباب في قضية الذاكرة بدل البحث عن جذورها الاجتماعية--.