افتتح المعرض الوطني التاسع للكتاب بقصر المعارض الصنوبر البحري أبوابه في 20 ديسمبر الجاري ويستمر إلى غاية 30 ديسمبر، بمشاركة مائة دار نشر، غير أنه عرف هذه السنة غيابا ملحوظا لجماهير القراء. كنت أتوخى أن أجد ازدحاما على دور النشر العارضة في المعرض الوطني التاسع للكتاب، خصوصا وأنني ظللت أتجول بين أجنحته لأزيد من أربع ساعات، ولم يكن الجمهور بذلك الحضور المكثف الذي عهدناه فيه، خصوصا في الصالونات الدولية للكتاب، حيث كانت تشهد إقبالا كبيرا لجمهور القراء. المعرض التاسع للكتاب الذي تقوم على تنظيمه النقابة الوطنية لناشري الكتب، تهدف من خلاله إلى جعل الكتاب بمثابة الماء والخبز، ويكون محل الغذاء الضروري الذي ينبغي توفيره لكل مواطن، وأن تكون المعرفة وتوفير الكتاب من أولويات الجماعات المحلية والمجالس البلدية في مناطق البلاد، وأن يكون الإعلام بالكتب وصدورها ومناقشتها في صدارة الإهتمام للمؤسسات الإعلامية، باعتبار الكتاب محورا للنقاش من أجل وضع أسس لسياسة ثقافية تعتمد على الكتاب وتسعى إلى تأسيس رؤية إستراتيجية. أما فيما يخص صناعة الكتاب، فينبغي أن تكون من الأولويات وأن تكون من الإغراءات الإستثمارية والربحية للمستثمرين في الصناعات الثقافية على العموم، وصناعة الكتاب على الخصوص. كما ينبغي أن نسعى لرفع الكتاب إلى درجة يكون الإحتفاء بصدوره مثل بقية الإحتفالات الإجتماعية، باعتباره أحد الفوانيس الإجتماعية التي تضيئ المستقبل وتمضي بالأمة، قدما نحو التحضّر والرقي، وهذا لا يتأتى إلا بإعادة الإعتبار للمكتبات في الوطن والمراكز الثقافية والمنارات التي كانت تضيء في السابق العقول، واليوم تحولت إلى محلاّت للفصول الأربعة تعرض الأكل بدل الفكر. تُرجع معظم دور النشر العارضة أسباب قلّة الجمهور إلى الوقت غير المناسب الذي لم يكن بينه وبين الصالون الدولي للكتاب متسع من الوقت، ليأخذ القارئ أنفاسه، خصوصا في المتطلبات الإجتماعية؛ من أعياد متقاربة ودخول مدرسي. إضافة إلى ذلك، فإن المعرض الوطني التاسع للكتاب يصادف الإعداد للإحتفال بالسنة الجديدة، والعطلة المدرسية التي تفضل الكثير من العائلات الجزائرية قضاءها بوسائل ترفيهية أخرى، ليستريح الأطفال من جهة، وتجديد نشاطهم لاستيعاب ما تبقى من البرنامج المدرسي المقرر عليهم في الإمتحانات القادمة. كما أن البعض من الناشرين، زيادة على التقارب الزمني بين معرض للكتاب وآخر، يرى أنه ينبغي تدعيم الكتاب حتى يتسنى أن يكون أنيسا، خصوصا وأن الكثير من الوسائل الإعلامية الحديثة أصبحت منافسا كبيرا له، مثل الأنترنيت والقنوات الفضائية التي تضخ الكثير من المعلومات والمعارف، إلا أنها أيضا تضخ ما قد يضر بالقارئ، خصوصا منه الطفل وتلاميذ المدارس المتوسطة والثانوية، نظرا للسن التي يوجدون بها، وهي سن الشباب والمراهقة، ولهذا يصبح للكتاب دور فعال لتهذيب السلوك وترشيد الطفل والطالب إلى الطريق السوي، ويكون غداء صحيا للفكر حتى ينتج مجتمعا سليما وينقص الكثير من الآفات، الأمراض والفيروسات الثقافية التي تتدفق علينا من الفضائيات، ولهذا يرى بعض الناشرين أن التحصين الحقيقي للمجتمع من خلال الكتاب، والخصائص الثقافية لمجتمعنا، حتى يستطيع مواجهة ما يفد عليه من ثقافات أخرى قد تزحزحه عن مقوماته وثوابته الثقافية والحضارية، الكتاب هو الغذاء الفعال للعقل، وقد واكب المعرض التاسع للكتاب نشاط فكري وثقافي، من محاضرات وندوات حول أهمية الكتاب ودوره في بناء مجتمع سليم.