دخلت الأوضاع الأمنية في شمال مالي منعرجا آخر نهاية الأسبوع بعد الاشتباكات العنيفة التي شهدتها مدينة غاو إحدى أكبر مدن هذا البلد على الحدود النيجرية قبل عملية انتحارية بالسيارة الملغمة في مدينة تيساليت في أقصى شمال البلاد خلفت مقتل خمسة أشخاص. وتضاف هذه العملية إلى عملية تفجير مماثلة أول أمس في مدينة كيدال استهدفت مقرا للقوات العسكرية المالية. وأشّرت مثل هذه التطورات على أن عملية احتواء الوضع الأمني في مالي ليست ليوم الغد مثلما اعتقدت الحكومة الفرنسية، التي أكدت أن مهمتها ستنتهي بمجرد تحييد عناصر التنظيمات الإرهابية ومنح الراية للقوات الإفريقية التي انضمت إلى عملية "سيرفال". ويتأكد من خلال هذه العمليات والمعارك العنيفة التي دارت رحاها في مدينة غاو أن سهولة بسط سيطرة القوات الفرنسية عليها لم يكن نهاية الحرب، إنما مجرد شق من معركة لم تكشف كل أسرارها ما دامت التنظيمات الإرهابية لم تقل كلمتها في حرب غير محسومة مسبقا. وذكرت مصادر أمنية مالية أن انتحاريين اثنين أقدما على تفجير سيارتين كانا على متنهما في مدينة إن هليل قرب مدينة تيساليت في أقصى الشمال وخلفت مقتل الانتحاريين واثنين من عناصر حركة تحرير الأزواد وإصابة أربعة آخرين وحرق سيارات عسكرية لهذا التنظيم المطالب باستقلال ولايات شمال مالي. وذكرت مصادر أن السيارتين استهدفتا قاعدة عسكرية لحركة لتحرير الأزواد بسبب انضمامها إلى المجهود العسكري الفرنسي وأكدت استعدادها للمشاركة في عمليات المطاردة ضد عناصر التنظيمات الإرهابية. وأكدت تطورات الساعات الأخيرة على الساحة العسكرية المالية أن الأوضاع ليست هادئة، مثلما حاول الإعلام الفرنسي إقناع الرأي العام العالمي بسهولة مهمة الجنود المشاركين في عملية "سيرفال" في إعادة الأوضاع إلى سابق عهدها وتخليص هذا البلد من تبعات تواجد التنظيمات الإرهابية فيه منذ عدة سنوات. ولخص لجوء الجيش المالي، أمس، إلى قصف مقر بلدية مدينة غاو بالمدفعية الثقيلة أن اللاأمن يبقى سيد الموقف وأن الترويج لفكرة تطهير المدينة من مقاتلي التوحيد والجهاد لم تكن سوى رسالة طمأنة في حرب نفسية استدعتها الحرب على مقاتلي مختلف التنظيمات الإرهابية التي سيطرت على ولايات شمال مالي. وكشفت مصادر مالية أن الجيش المالي قصف بالمدفعية الثقيلة المبنى بعد أن تسربت معلومات عن تسلل عناصر إرهابية إلى داخله وتحويله إلى موقع عسكري انطلقت منه الاشتباكات المسلحة التي عرفتها المدينة التي شهدت حالة استنفار قصوى في صفوف القوات الفرنسية ومعها المالية والإفريقية الداعمة لها. وكشف مصدر عسكري مالي أن عددا من العناصر الإرهابية استولوا على قصر العدالة في المدينة، مؤكدا أنهم كانوا يحملون أحزمة ناسفة وقنابل يدوية تحسبا لأي طارئ بعد أن زرعوا ألغاما في محيط المبنيين لمنع وصول القوات المالية والفرنسية إليهم في الوقت الذي تم فيه نشر قناصة إرهابيين على أسطح مختلف البنايات الاستراتجية، خاصة فوق سوق المدينة. وكانت مصادر عسكرية فرنسية قد أكدت أن ما بين 20 و25 مسلحا قتلوا في معارك أول أمس، التي دارت رحاها في قلب هذه المدينة الاستراتيجية على الحدود النيجرية استخدمت خلالها القوات الخاصة الفرنسية الطائرات المروحية لضرب مواقع مقاتلي التوحيد والجهاد الذي بسط سيطرته على المدينة طيلة التسعة أشهر الأخيرة. وأكد التنظيم الإرهابي في بيان له أنه أرسل مقاتلين عنه إلى المدينة لطرد "الكفار" وأن المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد. وأمام هذا التدهور الأمني المفاجئ أربعين يوما منذ انطلاق عملية سيرفال، دقت الأممالمتحدة والعديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية ناقوس الخطر من مأساة حقيقية تزاوجت فيها ندرة المواد الغذائية وعملية نزوح واسعة للسكان مع خروقات فظيعة لأدنى حقوق الإنسان، خاصة ضد التوارق والعرب من سكان ولايات شمال البلاد، الذين اتهموا بالتعاون مع التنظيمات الإرهابية منذ الإطاحة بنظام الرئيس المالي السابق أمادو توماني توري في مارس من العام الماضي. وأدانت الأممالمتحدة، أمس، ما وصفته بالمعلومات المرعبة بخصوص حقيقة الانتهاكات لحقوق الإنسان في شمال مالي، وقال ناطق أممي للشؤون الإنسانية إن "معلومات مرعبة أكدت وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان وتجنيدا للأطفال والمراهقين وعمليات اغتصاب جماعية". وحمل تقرير أممي مسؤولية هذه التجاوزات إلى جنود الجيش المالي في حق سكان شمال هذا البلد. وأكد جون نيكولا مارتي، رئيس بعثة تحقيق أوفدها الصليب الأحمر الدولي إلى مالي، من جهته، أن الأوضاع غير مستقرة على نقيض ما تم الترويج له من قبل بعد استعادة القوات الفرنسية لمختلف مدن الشمال من سيطرة التنظيمات الإرهابية. وقال مارتي إن العمليات الانتحارية مرشحة لأن تعرف منحى تصاعديا مما يجعل الأوضاع غير مهيئة لعودة السكان إلى مدنهم التي هجروها مرغمين.