الرئيس الألماني يتدخل لدى الرئيس تبون لصالح صنصال    اجتماع اللجنة الفنية المتخصصة المعنية بالهجرة واللاجئين والنازحين من 10 إلى 14 نوفمبر    سعيود يأمر بتعزيز الوقاية في الطرقات وتسريع عصرنة الموانئ والمطارات    عبد اللطيف تستقبل وفدا عن المجلس الوطني لمستخدمي قطاع التجارة    الثقة" وراء عزوف الجزائريّين عن الدفع الإلكتروني    استشهاد 44 صحفيا داخل خيام النزوح منذ بدء العدوان على غزة    الشعب الصحراوي يواصل نضاله من أجل حقه الشرعي في تقرير المصير والاستقلال    منظمة "اليونسكو" تعتمد أربع قرارات لصالح دولة فلسطين    جلاوي يستقبل برلمانيين عن ولايتي إليزي وبرج باجي مختار    شبكات إجرامية تستهدف الأطفال عبر الأنترنت    اتساع دائرة المصابين بداء كرون والتهاب القولون    اليوم الوطني للحرفي : نشاطات مختلفة بولايات الوطن    الأفافاس يدخل التشريعيات المقبلة بقوائم عبر 58 ولاية    آن الأوان لكشف حقيقة الاحتلال الفرنسي    التقاضي الإلكتروني يعكس التحوّل الرقمي للمسار القضائي    الزاوية التجانية : القيم الروحية والمعرفية جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية    حاج موسى: تعلمت الإنجليزية ونصائح فان بيرسي تخدمني    تبسيط إجراءات تركيب كاميرات المراقبة لحماية المواطنين    الجزائر تدخل منعرج التنويع الاقتصادي    احتجاجات عمالية بالمغرب ضد سياسة الالتفاف حول المكتسبات    نزوح 75 ألف شخص من إقليم دارفور السوداني    الذكاء الاصطناعي في خدمة الصحة وترقية العمل الطبي    تربص "المحاربين" ينطلق في السعودية    بلال براهيمي يعيش أزمة مع سانتوس    ألونسو مهدد بالرحيل وبيريز يبحث عن البديل    انطلاق حملة الحرث والبذر بعنابة    تشديد على تسليم المشاريع التنموية في موعدها    شياخة مستعد للعودة إلى فريقه السابق ومدربه غير قلق    تحرّر إفريقيا لن يكتمل إلا باستقلال الصحراء الغربية    الحكومة تُكرّس الطابع الاجتماعي للدولة    محرز يحسم الداربي    هذا ما تمنّاه لوكاشينكو للجزائر    91 متورطا في إنشاء حظائر غير شرعية    إجراءات عديدة لدعم الاستثمار وتحفيز المؤسسات    الحروف المتناثرة تضبط إيقاع ميزانها بعيدا عن الفوضى    جسور الفن والتراث بين الشرق والسهوب    دعوة لإنشاء حركة نقدية تتابع الإنتاج الأدبي    قِطاف من بساتين الشعر العربي    رئيس مجلس الأمة يمثل الجزائر في احتفالات استقلال أنغولا    وزير الصحة يشرف من البليدة على الانطلاق الرسمي لحملة "نوفمبر الأزرق" للكشف المبكر عن سرطان البروستات    المؤرخ بنجامين ستورا يدعو فرنسا للاعتراف بجرائمها الاستعمارية في الجزائر    وزير الشؤون الدينية بلمهدي يشارك في اللقاء نصف السنوي لرؤساء مكاتب شؤون الحجاج بالسعودية    البروفيسور رشيد بلحاج يدعو إلى إصلاح شامل للمنظومة الصحية وتكامل أكبر بين القطاعين العام والخاص    بعيدا عن هموم مهنة المتاعب..!؟    بن دودة تشرف على اختتام صالون الدولي للكتاب بتتويج الفائزين بجائزة "كتابي الأول" وتكريم شخصيات والمشاركة في انطلاق "قافلة المعرفة    استذكار وتكريم نخبة من الأدباء والإعلاميين والناشرين الراحلين    الطبعة الرابعة لنصف مراطون "الزعاطشة" ببسكرة    مدير(اليافسي) يشرف على اجتماع عمليات التدقيق في المنصات    الاحتلال يخرق جوهر الاتفاق وأساس وقف إطلاق النار    وهران..مناقشة آخر المستجدات في مجال الطب الداخلي    غنى النفس .. تاج على رؤوس المتعففين    فتاوى : واجب من وقع في الغيبة دون انتباه وإرادة    عبد الرحمان بن عوف .. الغني الشاكر    شروط جديدة لتجارب تكافؤ الأدوية    لا وصف للمضادات الحيوية إلا للضرورة القصوى    دعاء في جوف الليل يفتح لك أبواب الرزق    مؤسسة Ooredoo تبرم شراكةً رسميةً مع نادي مولودية وهران    تحذيرات نبوية من فتن اخر الزمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوفمبر، هذا الواقع الجميل الذي يتكرر في كل موسم...
نشر في المساء يوم 30 - 10 - 2013

في أيام الصبا الأول، كنا نردد حكاية أو خرافة شعبية في حيّنا، كانت بعض العجائز يوقدن الشموع عند أصل شجرة خروب، معتقدات أن لتلك الشجرة علاقة بعالم الجن وما يمكن أن يحدثه الجن من تغيير في حياتهن. وكنا نضحك بملء أشداقنا ونمضي في اللعب بين أحراش الغابة التي تسور حيّنا من الجانب السفلي المطل على باب الوادي. أما الحكاية الشعبية فهي أننا كنا نقول إن دم هذا القتيل أو ذاك يصيح كلما دارت دورة الفلك، ولذلك ينبغي تفادي المرور بمكان هذه الجريمة أو تلك. وازدادت تلك الخرافة رسوخا في أعماقنا بالرغم من أننا كنا نختلف إلى المسجد وإلى المدرسة الفرنسية أو العربية، بمعنى أن عقولنا كانت تتقبل تلك الخرافة الغريبة وترفضها في نفس الوقت؛ لأننا نتعامل في الجانب الآخر مع كل ما هو عقلاني حي يتحرك حوالينا. وقد حدث ذات يوم أن وقعت جريمة قتل في الغابة المجاورة لحيّنا، كان وراءها إسباني قتل رفيقه ذات فجر وتركه ملقى على الأسلاك الشائكة. واكتُشف أمره، واقتيد إلى عين المكان للتحقيق معه واعترف بجريمته. ولذلك صرنا ننتظر أن يرتفع صوت القتيل من عين المكان، لكن ذلك لم يحدث أبدا.
ظللت أستذكر هذه الجريمة كلما أقبلت علينا تباشير نوفمبر، ورحت في كل مرة أتخيل الدماء التي سالت خلاله وبعده، لكن نوفمبر صار يصيح في الموسم وفي غير الموسم: ها أنا لم أُقتل، وها هي الحياة تمضي بي، وعليكم، أنتم جميعا، أن تسلكوا هذه السبيل، سبيل الحرية!
وبالفعل، ففي الذكرى الأولى لانفجار ثورة أول نوفمبر أي في عام 1955 كنا نلعب في أطراف الغابة، وكان لعبنا مشوبا ببعض العنف؛ لأننا كنا نستخدم بعض السكاكين الصدئة التي نقطع بها شجيرات الصبار وحبات الصنوبر وما إليها من النباتات التي تصاحبنا في ألعابنا في الصباح وفي المساء، بل وفي بعض أجزاء من الليل. ولما كان حيّنا يطل على حي باب الوادي وعلى مقبرة القطار، فقد بلغنا في ذلك الصباح ما يشبه الصياح البعيد، وكان أن تبادلنا نظرات الخوف؛ ظنا منا أن دم ذلك القتيل هو الذي يصيح أن أنصفوني من قاتلي! غير أننا حين حققنا النظر في الجهة السفلية أبصرنا العشرات من الرجال ومن النسوة ومن الصبيان يقفزون بين القبور، وما كنا يومها ندري شيئا كبيرا عن نوفمبر حتى وإن كنا نردد بين الحين والآخر بطولات بعض المجاهدين، نقلا من أفواه أولئك الذين يعودون من الأسواق أو من أطراف الأميرالية أو من حي القصبة أو من حي الحراش، أو من أولئك الذين يفدون علينا من المداشر والقرى البعيدة. توقفنا عن اللعب شاعرين أن الخرافة الشعبية التي كنا نرددها، ما كان لها من وجود أصلا، ثم إننا في نفس الفترة لاحظنا أن العجائز اللواتي كن يوقدن الشموع عند أصل شجرة الخروب، توقفن عن فعل ذلك؛ نزولا عند النصائح التي يقدمها إمام مسجدنا لأزواجهن. وبدأت خرافة الدم المتصايح تسحب أذيالها من واقعنا البريئ، وتفسح مكانها لما يفرضه الواقع اليومي الذي نتعامل معه، كل ما في الأمر هو أن الواقع واقع ويمكن أن نصوغه بأيدينا ووفقا لتطلّعاتنا. وهكذا، تغامزنا فيما بيننا في تلك الصبيحة، ونزلنا في دقائق معدودات صوب المقبرة، وجعلنا نقفز كالأرانب التي اختلطت عليها السبل، متعثرين بالقبور وشواهدها، ثم وجدنا أنفسنا قبالة قبر مرتفع أحدقت به النساء، بينما راح بعض الشباب ينظمون أمر تلك المظاهرة التي بدا لنا أنها مرتجلة. كان هناك شاب فوق القبر يرتدي قشابية نصل لونها ويقول: إخواني، أخواتي، لا تتركوا هذا البلد يضيع، هذا أوان الحرية، فلننتهز الفرصة جميعا!
وقعت تلك الكلمات من نفوسنا موقعا بليغا، ثم انصرفنا عن المقبرة بعد أن أحدق بها العساكر الفرنسيون من كل صوب. وعدنا أدراجنا إلى حيّنا، ووقفنا في الأعلى نقول فيما بيننا: ألا ما أسخف تلك الخرافة الشعبية التي رددناها زمنا طويلا! وما أروع هذا الواقع الجديد الذي صرنا نعيشه ونعايشه! وأعني به نوفمبر.
نوفمبر ما كان قتيلا في يوم من الأيام، بل كان نقطة انطلاق نحو حياة جديدة، أمكننا أن نرسي دعائمها طوال السنوات السبع التي تلت الانفجار الأول عام 1954، هكذا تتحول الخرافة الشعبية وتلبس لبوسا جديدا فيه الكثير من أسباب العقل والتطلع إلى الحرية، فمرحبا بنوفمبر الذي يعود كل مرة مثل طائر الفينيق الذي ينبعث من رماده في كل مرة، ومرحبا بأرواح الشهداء التي ما فارقتنا في يوم من الأيام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.