السلطات الاستعمارية الفرنسية حين غزت الجزائر كانت نيتها الاستيطان، ولذلك حملت معها مطبعة، فالبندقية وحدها يمكن أن تهزم الجبوش، لكنها لا تستطيع إخماد لهب المقاومة والثورات، لكن الإعلام يمكن أن يزرع الشك، والفرقة، ويوقد نار الفتنة، ويؤلب الأصدقاء والأشقاء. النخب المثقفة والمستنيرة من أبناء الأمة الجزائرية، رفعت التحدي، وقاومت المستعمر بنفس السلاح، حيث عملت على إصدار الصحف، وقاومت بالكلمة، ابتداء من جريدة الإقدام للأمير خالد الجزائري (1920)، وما تبعها من الصحف التي كانت منابر للدفاع عن الجزائريين. ثورة نوفمبر لم تغفل الجانب الإعلامي، فبيان أول نوفمبر يعد الرسالة الإعلامية الأولى للثورة التي وجهتها للشعب الجزائري، وجاءت مواثيق مؤتمر الصومام لتبرز أهمية وسائل الإعلام والدعاية كسلاح في وجه المستعمر البغيض. ومع أن جبهة التحرير الوطني كانت تخوض حربا دعائية للتعريف بالقضية الجزائرية، والرد على إدعاءات المستعمر وأضاليله إلا أن الوسائل التي كانت تستخدمها كانت ملتزمة بأخلاقيات المهنة، وفي هذا المجال يقول الدكتور زهير احدادن: ”كانت هناك حدود لا يجب تعديها... وكنا نسب الاستعمار ولا نسب فرنسا الحضارة والأمة والشعب الفرنسي، ولم نكن نمجد القتل وسفك الدماء بل كنا حاملين لرسالة شعب يتوق إلى التحرر واسترجاع السيادة”. بعد الاستقلال ظل الإعلام الجزائري على هذا النهج، يكافح من أجل البناء والتشييد، ورافق الثورات الثلاث، ”الصناعية والزراعية والثقافية... وساهم مساهمة فعالة في تثمين ما تحقق من إنجازات استعادة السيادة على ثروات البلاد المنجمية والبترولية، ولم يترك مجالا للمشككين، وأذناب الاستعمار للنيل من عزيمة الشعب، في التلاحم ووحدة المصير، والحفاظ على وحدة التراب الوطني. اليوم وبعد أن انتقلت الجزائر إلى نظام التعددية الحزبية والإعلامية وفتح المجال لحرية التعبير، والانفتاح الاقتصادي، نرى أن بعض وسائل الإعلام، غلب فيها طابع الربح المادي على نبل الرسالة الإعلامية وأخلاقياتها. فالتجأت إلى نشر ثقافة اليأس والقنوط لدى الشباب إلى درجة فقد فيها المواطن الثقة في مؤسسات الدولة وانتشر العنف في الأحياء والملاعب وعمت الأعمال الإجرامية. حق المواطن في الإعلام لا يبرر نشر ما يمس بمصلحة الوطن أو يساهم في خلق الفوضى، أو تعطيل مؤسسات الدولة، وحرمان المواطن من الخدمة العمومية.