حلّت الكاتبة والمحامية والمناضلة وسيلة تمزالي أوّل أمس، ضيفة على ”دار الشهاب”، لتقديم إصدارها ”التنشئة الجزائرية” وإصدار آخر ساهمت فيه من خلال جمع 43 شهادة لكُتّاب عرب، بعنوان ”قصص مصغّرة للثورات العربية”. تحدّثت تمزالي بتحسّر عن الحادث الذي قلب حياتها رأسا على عقب، ودفعها إلى اختيار توجّه معيّن في الحياة، ألا وهو مقتل والدها من طرف مراهق لا يتجاوز سنه 17 سنة، حينها كانت تبلغ من العمر 15 سنة؛ إذ لم تفهم وقتها سبب مقتل والدها، ولم تجد الأجوبة عن أسئلتها إلى غاية اللحظة. وسيلة أجابت ”المساء” خلال الندوة التي نشّطتها بدار الشهاب، بأنّها لا تشعر بأي حقد لقاتل والدها؛ لأنّه قام بفعلته بأمر من شخص آخر، مضيفة أنّها رغبت في لقاء هذا الرجل الذي يصارع الموت حاليا، ولكنه رفض عرضها. وقالت إنّها تواسي نفسها بالقول إنّ والدها قُتل لأنّه لا ينتمي إلى أيّ عشيرة في ولاية بجاية حيث كان يقيم، لتعود إلى كتابها ”التنشئة الجزائرية”، وتقول إنّه عبارة عن كتاب حول تاريخ الجزائر، تناولت فيه حياتها، لتجد نفسها تكتب عن تاريخ البلد، وهذا في مؤلَّف لم تذكر فيه كلّ الحقائق.وعن سبب تأخّرها في كتابة مذكراتها قالت تمزالي إنّ العمل على الذاكرة يستغرق وقتا طويلا، لتشير إلى أنّها حينما كتبت عن علولة مثلا، كان من الصعب تذكّر ابتسامته ومرحه، وهي تعلم أنّ مصيره كان الاغتيال، لتعتبر أنّها تناولت في العمل الأخير أحداثا ماضية برؤية معاصرة. وأكّدت المتحدّثة أنّ الكثير ممن قرأوا عملها هذا من جيلها، اعتبروا أنّها تكتب عنهم؛ باعتبار أنّ أغلب الجزائريين عاشوا نفس الأحداث في عهد الاستعمار، لتضيف أنّ الجزائريين مباشرة بعد الاستقلال، قبلوا بعضهم البعض رغم اختلافاتهم، وهو ما لا نشهده اليوم. واعتبرت وسيلة تمزالي أنّها كانت تنظر إلى مستقبل الجزائر بمثالية، ولكنها سرعان ما زالت أمام كلّ المشاكل والخلافات بين الجزائريين أنفسهم، مشيرة إلى أنّها تحرّرت من الانبهار بمبادئ التضحية والبطولة والثورة التي كانت تؤمن بها، وهي حال شباب اليوم، الذين أصبحوا يبحثون عن الحرية والقدرة على التعبير، وهو ما تحبّذه المتحدثة. وعادت ضيفة ”الشهاب” إلى فترة ما بعد الاستقلال؛ حيث كان الاهتمام بالتنشئة الاجتماعية، وبتطبيق مبادئ الاشتراكية، فكانت رفقة زملائها من الجامعة يتحدثون بمبادئ الماركسية، لتضيف أنّ اليوم أصبح الحديث فقط عن الدين وعلاقته بفروع أخرى من الحياة. واعتبرت تمزالي أنّه تمّ نزع قناع الاشتراكية في بلد لم تكن تنشئته الاجتماعية سليمة ولم يطبّق الديمقراطية. بالمقابل، قدّمت مثالا بتونس، التي وإن حكمها الإسلاميون فإنّ المشاركة في تأسيس الدستور كانت من طرف الجميع، كما أنّ النساء حتى اللواتي صوّتن على التيار الإسلامي، هن بنات ”القانون الشخصي” وليس قانون الأسرة في الجزائر، فهن يعرفن حقوقهن جيدا. وأضافت أنّه يمكن إحداث التوافق بين أطياف المجتمع الجزائري رغم كلّ ما حدث في السابق. والجزائري يحبّ الدين، ولكن هذا لا يدفعه إلى أن يكون أصوليا، بل هو ذلك الشخص الذي يريد تعليم أولاده، وأن يجد من يدافع عن بناته في حال تعرّضهن لمكروه. أما عن العمل الثاني المتمثل في ”قصص مصغّرة للثورات العربية”، فقالت تمزالي إنّها اتّصلت بعدد من الكتّاب الذين تربطها بهم صداقة، وطلبت منهم أن يكتبوا شيئا عن الثورات العربية، ففعلوا، لتضيف أنّها قبلت بنصوص جميعهم رغم تفاوت مستوياتها. وفي الختام، عادت وسيلة تمزالي إلى إصدارها ”التنشئة الجزائرية”، فقالت إنه لولا مقتل والدها على يدي جزائري مثله، لما كانت لها هذه المسيرة في مجال المحاماة والنضال النسوي وحقوق الإنسان، مضيفة أنّها ماتزال تحاول الإجابة عن سؤال شائك، وهو: ”لماذا هذا الحقد الذي يكنّه الجزائري لأخيه الجزائري؟!”.