مواقع أثرية تاريخية ودينية ومناظر طبيعية شتى تتميز بها الأراضي الفلسطينية من شمالها إلى جنوبها، ومن بين هذه المواقع الأثرية ”كنيسة المهد”، أقدم كنائس فلسطين والعالم، وتكتسب هذه الكنيسة بمدينة بيت لحم، جنوبالضفة الغربية، أهمية كبيرة بالنسبة للفلسطينيين بل وتكتسب أهمية خاصة في قلوب المسيحيين بمختلف طوائفهم، فبالإضافة إلى مكانتها التاريخية، تحمل أيضا مكانة دينية خاصة، فقد بناها الإمبراطور قسطنطين عام 335 في نفس المكان الذي ولد فيه السيد المسيح. اليوم، ”كنيسة المهد” التي دخلت عام 2012، قائمة مواقع التراث العالمي وأصبحت أوّل موقع فلسطيني يدرج ضمن لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، تشهد أولى أعمال ترميم منذ قرون، فقد قررت الحكومة الفلسطينية، وبالتنسيق مع الكنائس الثلاث المسؤولة عن الكنيسة، بطريركية القدس للروم الأرثوذكس، وحراسة الأراضي المقدسة، وبطريركية الأرمن الأرثوذكس، إجراء عملية ترميم شاملة للكنيسة، تكون مرحلتها الأولى سقف الكنيسة الخشبي والنوافذ. ووفق وكالة أنباء الشرق الأوسط، قال زياد البندك، مستشار الرئيس الفلسطيني لشؤون العلاقات المسيحية، ورئيس اللجنة الرئاسية المكلفة بالإشراف على ترميم كنيسة المهد إنّ الحكومة الفلسطينية قامت بتأسيس صندوق لجمع التبرعات لترميم الكنيسة وأول من دفعت في هذا الصندوق كانت دولة فلسطين بتحويل مبلغ مليون دولار، وأضاف ”هذا شرف لفلسطين أن تقوم هي بإدارة ورعاية هذه العملية والكنيسة، وهذا يعكس احترام الشعب الفلسطيني لتراثه وتاريخه وأديانه وللخارطة الدينية المتعددة والموجودة في فلسطين عبر التاريخ”. وبعد مساهمة الحكومة، جاء دور القطاع الخاص الفلسطيني، الذي ساهم في صندوق إعمار الكنيسة بحدود 800 ألف دولار، وبعد ذلك عدّة دول أجنبية منها المجر، اليونان، فرنسا، إسبانيا وروسيا ودول أخرى، بالإضافة إلى بعض المؤسسات الدينية، وتابع البندك ”بعد دراسة مطوّلة عام 2010 لعناصر الكنيسة وأجزائها، تقرّر أن يتم ترميم السقف والنوافذ العلوية كأولوية ملحة بسبب التلف والضرر الذي سببته مياه المطر”، وأضاف ”انطلقت أعمال المرحلة الأولى من إصلاح وترميم الكنيسة في سبتمبر العام الماضي والتي من المتوقع أن تمتد حتى نهاية العام الحالي”. وتقام عمليات الترميم حسب المواصفات الدولية، حيث إن الكنيسة هي جزء من البلدة القديمة في بيت لحم والتي هي جزء من قائمة التراث العالمي لليونسكو وبالتالي كلّ الأعمال التي تقوم بها تتبع هذه المواصفات. وناشد زياد البندك جميع الجهات والهيئات والمؤسسات المحلية والدولية تقديم الدعم والتبرع لصندوق الإعمار من أجل إتمام عملية الترميم بشكل نهائي، قائلا ”ينقصنا تقريبا 8 ملايين يورو من أجل إتمام كل مراحل الترميم في كل الكنيسة لأن الأضرار التي لحقت بالسقف أدت إلى تلفيات في الهيكل البنائي للكنيسة وفي كل عناصرها”. لكن بالرغم من أعمال الترميم المستمرة إلا أن الطقوس الدينية تقام يوميا في ”كنيسة المهد”، من قبل الطوائف المختلفة حسب جدول للصلوات وضع في الفترة العثمانية ومازال يعمل به حتى يومنا هذا، كما أن أبواب الكنيسة مفتوحة دائما للزوّار والمصلين. وأكد مدير المشروع المهندس عفيف تويمة - لوكالة أنباء الشرق الأوسط- ”من الصعوبات التي واجهها فريق العمل شرط تم ذكره في العطاء الدولي يلزم المقاول بأن يستخدم أجهزة تسمح بدخول الزوّار إلى الكنيسة بشكل آمن وسهل بحيث لا يمكن غلق أبواب هذه الكنيسة العالمية أمام الزوار”، وتابع ”كان هذا أوّل تحدي نقف أمامه أن نوفّر الأجهزة اللازمة والحمد لله تمّ توفيرها وبنجاح باهر ونظمت الاحتفالات بعيد الميلاد وتقريبا لم يشعر أحد بأعمال الترميم الجارية”، أما التحدي الثاني، فيتمثل في عوامل التعرية وعوامل الطقس، حيث طلب من المقاول أن يكسو كل مكان عمل به بغطاء للوقاية من المطر. وأوضح تويمة ”منذ عام 2010، خلال مرحلة دراسة المشروع، حتى عام 2013 حيث أحيل العطاء الدولي، كانت المياه تمثل مشكلة تتفاقم أكثر فأكثر وتؤثر على العناصر الإنشائية الخشبية والتي تتدهور عام بعد عام لذلك نتوقع أن يكون هناك مشاكل أكثر مما كانت عليه من عام 2010 ونأمل ألا تكون مشاكل كبيرة حيث لها علاقة بالعامل الزمني والمالي”. وعن أهمية عملية الترميم، أوضح المهندس عفيف تهامي ”هذا الترميم يعتبر الأوّل من نوعه منذ مئات السنين، وكل العمليات التي سبقت هي تجميلية، فمنذ 60 عاما، لم تتم عملية ترميم بهذا الشكل الجدي، لكن تفاقم مشكلة المياه جعلت الأمر أكثر إلحاحا لعملية الترميم”، وفيما يتعلّق بالمراحل الأولية لتنفيذ المشروع، يروى المهندس عفيف تويمة ”بعد أن رأى المسؤولون مدى خطورة الوضع في الكنيسة خاصة بالسقف والذي يشكل خطورة على المصلين وعلى الزوار والحجاج، قرّرت السلطة الفلسطينية أن تشكل لجنة مكلفة بمتابعة أعمال الترميم”. وتابع ”عام 2010، تم إعداد دراسة كاملة لكل عناصر الكنيسة من خلال شركة المجموعة الاستشارية الفلسطينية وهي شركة هندسية في بيت لحم، بالتعاون مع مجموعة خبراء ايطاليين في هذا المجال”، وأضاف ”قرّرت اللجنة أن يتم البدء في ترميم سقف الكنيسة حيث يحوى 95% من التلف بسبب مياه الأمطار التي تتسرب إلى الداخل والتي أدّت إلى تحلّل وتعفّن العناصر الإنشائية الحاملة للسقف، بالإضافة إلى النوافذ الخشبية العلوية والتي تسبّب دخول مياه الأمطار إلى الكنيسة”، وأكد أنه بعد انتهاء الدراسة، فازت شركة ”بياتشينتي” الإيطالية المتخصصة بترميم المباني الأثرية المماثلة في إيطاليا والعالم، بالعطاء الدولي الذي تم طرحه لتنفيذ المرحلة الأولى للمشروع، وأضاف ”تقوم شركة المجموعة الاستشارية الفلسطينية، بالتعاون مع مجموعة الخبراء الإيطاليين، بالإشراف على المشروع، وفى كل مرحلة يتم إرسال خبراء متخصصين في المجال الذي نعمل به”. وتشمل المراحل التالية لمشروع ترميم الكنيسة -والتي تضم ما يعرف بكهف ميلاد المسيح، وهو المكان الذي وضع فيه بعد مولده، وأرضيته من الرخام الأبيض، والمزين بخمسة عشر قنديلا فضيا التي تمثّل الطوائف المسيحية المختلفة- ترميم الحجر الخارجي والبازليك وترميم الأعمدة وصيانة الرسومات على الأعمدة. وحسب المهندس عفيف، هذه مراحل عديدة قد تستغرق مدة تتراوح بين خمس وست سنوات للترميم بشكل كامل، كما أكد على ضرورة التزام فريق العمل بالمعايير الخاصة باليونسكو بما أن ”كنيسة المهد” هي أولى المواقع الفلسطينية التي أدرجت في قائمة المواقع الأثرية لليونسكو، وقال ”نحن مرتبطون بمعايير لا يمكن تجاوزها، نعمل بعناية خاصة ودقة متناهية وبشروط ومعايير السلامة العامة للكنيسة ونستخدم عناصر بسيطة كبديل للعناصر المتهالكة في السقف ونقوم باستبدال الأخشاب الهالكة بأخشاب قديمة يتم استيرادها من إيطاليا وعمرها يتراوح بين100 و200 عام”. وأشار إلى عملية ترميم السقف ومحاولة فريق العمل الحفاظ على عناصره الأساسية، قائلا ”حافظنا على أجزاء كثيرة من السقف إلا أننا أضفنا طبقة على السقف تسمح بمرور الهواء لعملية التنفس في الكنيسة والحفاظ على نسبة الرطوبة للأخشاب والأعمدة”. بذلك، يحاول فريق العمل بكل أعضائه الحفاظ على الشكل العام لكنيسة المهد وعلى الطابع الأثري لها حتى تظل أهم موقع تاريخي في قلب بيت لحم يجذب جميع مسيحيي العالم إلى فلسطين.