لا تخفي موسكو توافقها مع طهران في عدد من الملفات، مثلما تقر بوجود خلافات عكرت صفو العلاقات عدة مرات، لكن حاجة كل طرف للآخر تجعل تجاوزها لا مفر منه. فروسيا تعد إيران أداة تحكم جيدة في ملفات أمنية تمتد من آسيا الوسطى مرورا بأفغانستان وباكستان، حيث تنشط العديد من الجماعات الإسلامية المصنفة بقوائم الإرهاب والمحسوبة على تنظيم القاعدة، وهي تخشى من تحولات تشعل الوضع على غرار ما يحدث في منطقة القوقاز حيث الجماعات الإسلامية تقاتل القوات الروسية. كن طموح إيران خاصة في المجال النووي وحالة العداء التي تعيشها مع الولاياتالمتحدة وحلفائها، تربك الحسابات الروسية القائمة على توازن يحمي المصالح مع الغرب وقد باتت قوات حلف الناتو على الأبواب الروسية. ويرى الخبير في معهد الاستشراق بموسكو بوريس بولخونسكي أن روسيا تحاول أن تكون وسيطا في حل مشكلة بين طرفين هما إيران والغرب، "وبسبب هذا الدور فقدت روسيا مليار دولار بعد وقف صفقة السلاح الأخيرة لإيران، وهي ترغب أن يكون البرنامج النووي شفافا". ويقول بولخونسكي إن مفاعل بوشهر الذي افتتح مؤخرا وتشارك روسيا في إدارته تحت إشراف وكالة الطاقة الذرية هو نموذج للتعاون المثمر بين البلدين، "ولكن هناك توتر بين إيران ووكالة الطاقة الذرية، وهي تطالب طهران ببعض الشروط التي تتفهمها روسيا وعليها التجاوب معها". وكانت روسيا أيدت حزمة من العقوبات الغربية فرضها مجلس الأمن الدولي على إيران في جوان الماضي، وبررت ذلك بالحفاظ على التوافق الدولي إزاء هذا الملف، لكنها اعترضت على عقوبات فردية تبنتها الولاياتالمتحدة ودول غربية أخرى. وقد أدى الموقف الروسي من العقوبات التي طالت بنوكا إيرانية وشددت حظر السلاح وتفتيش السفن الإيرانية إلى تلاسن حاد مع إيران كاد يعصف بعلاقات البلدين. وتعتقد أوساط غربية أن بقاء العقوبات مصلحة روسية ما دامت على هذا المستوى، فهي حسب وجهة النظر هذه تتيح للشركات الروسية الهيمنة على السوق الإيراني في كل المجالات خاصة السلاح في غياب المنافسين الغربيين المفضلين في الظروف العادية. وتشكل إيران سوقا كبيرا للسلاح الروسي، ففي العام 2001 وقع البلدان عقودا بلغت قيمتها 2.7 مليار دولار، بيد أن التعاون النووي يمثل نقطة التقارب الرئيسية في علاقات البلدين. فمفاعل بوشهر إلى جانب ما وفره من عائد مادي وصل لنحو مليار دولار فإنه سوق عمل للكوادر الروسية في وقت تتصاعد فيه البطالة المحلية وتهاجر فيه الكفاءات العلمية. ونقطة الخلاف الرئيسية في علاقات الجارين تتمثل في اعتراض روسيا على الحصة التي تطالب بها إيران في موارد بحر قزوين، وكذلك معارضتها الضمنية على انضمام طهران لمنظمة شنغهاي للتعاون، لكن بولخونسكي يعدها قابلة للحل ولن تكون عاملا لفض الشراكة بين البلدين. وفي حال وجه الغرب ضربة عسكرية لإيران -مثلما تلمح أحيانا إسرائيل- فإن ذلك، حسب محللين، يمثل ضربة كبيرة للدور الروسي في الملف النووي الإيراني. بيد أن بولخونسكي يرى أن "الإدارة الأميركية التي اعترفت بخطأ اجتياح العراق لن تجازف بعمل عسكري يكبدها أرواح آلاف الجنود"، وهي أصلا لن تحصل على موافقة مجلس الأمن، معتبرا أن الحديث عن إمكانية استخدام حق النقض سابق لأوانه.