لمعالجة المسائل ذات الاهتمام المشترك.. عطاف يدعو إلى تفعيل مجلس الشراكة الجزائرية-الأوروبية    بالتنسيق مع سفارة الجزائر بموسكو..لقاء افتراضي لفائدة الجالية الوطنية بالخارج    ميناء مستغانم : نمو ب 51 في المائة للنشاط التجاري    النزاع في السودان : الجزائر تجدّد الدعوة لوقف كل أشكال التدخلات الأجنبية    ابراهيم غالي : على الأمم المتحدة الاسراع في تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية    مبادرة لصون المعالم الدينية ذات البعد التاريخي … والي البويرة يشرف على افتتاح مسجد آث براهم العتيق بعد ترميمه    موسم الاصطياف : وصول أول فوج من أبناء الجالية الوطنية بالخارج الى الجزائر العاصمة    منجم غار جبيلات : مشروع استراتيجي لتعزيز الاقتصاد الوطني وامتصاص البطالة    الإذاعة الجزائرية تكرم الفائزين في المسابقة الوطنية للشعر الملحون المغنى    الجزائر تشارك في تظاهرة الأردن    نعم نحن في القرن الواحد والعشرين!    فلسطين الحصن المنيع لاستمرار الأمة    الخضر في المركز ال36    فتيات الخضر يتعادلن    شايب يوقّع على سجل التعازي    ضبط قنطار من الكيف بسيدي بلعباس    توقيف مسبوق قضائياً بالبليدة    محادثات بين سوناطراك وكبرى الشركات العالمية    الاستماع إلى خبراء حول مشروع قانون حماية الأشخاص    دعاوى لتصنيف مواقع أثرية ومبان تاريخية    فضائل ذهبية للحياء    تلمسان ستصبح قطباً صحّياً جهوياً بامتيازّ    "أناب" تكرّم ياسمينة سَلام    كرة القدم/كأس إفريقيا للأمم للسيدات 2024 / المجموعة 2 : وضعية المجموعة قبل الجولة الثالثة    سيدي بلعباس: افتتاح فعاليات الطبعة 15 للمهرجان الثقافي الدولي للرقص الشعبي بحضور جماهيري كبير    تجارة : حملات ميدانية للوقاية من التسممات الغذائية خلال الصيف    التعرض لأشعة الشمس خلال الصيف: ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة للاستفادة من منافعها بعيدا عن أي ضرر    الوزير الأول نذير العرباوي يزور أجنحة دول شقيقة وصديقة بمعرض "إكسبو-أوساكا 2025"    هزة أرضية بقوة 4ر3 درجات بولاية قالمة    "سونلغاز "تفتح آفاق التعاون مع البنين    مقتل أزيد من 800 فلسطيني خلال محاولتهم الحصول على مساعدات    المغرب يثير الفوضى بسرقة العلم الصحراوي    نظام رقمي لتسيير النفايات بسيدي عمار    باريس مارست عليّ ضغوطا لتصفية القضية الصحراوية    إنشاء مركز لدعم التكنولوجيا والابتكار بوهران    توظيف التكنولوجيا لصون الذّاكرة الوطنية    خطوة جديدة لتنويع الشركاء الدوليين    كرة اليد/ الألعاب الإفريقية المدرسية : المنتخبان الوطنيان لأقل من 16 (إناث) و 17 سنة (ذكور) في الموعد    تنصيب اللّجنة العلمية لمتحف الحضارة الإسلامية بجامع الجزائر    حماة الوطن قوة وعزيمة    الاتفاق على استحداث آلية للتنسيق الحدودي    نجاح موسم الحجّ بفضل الأداء الجماعي المتميّز    وزير الصحة: تلمسان على أبواب التحول إلى قطب صحي جهوي بامتياز    عاصمة شولوس تحتضن أولمبياد التحدي الصيفي    هدم بناءات فوضوية بالبوني    الطبعة ال24 للصالون الدولي للسياحة والأسفار: سانحة للترويج للوجهة السياحية الجزائرية    كاراتي دو (البطولة الوطنية): مشاركة قياسية ل627 مصارع ومصارعة في المنافسة بالقاعة البيضوية    الأمم المتحدة تُحيي اليوم الدولي لنيلسون مانديلا وتؤكد: القدرة على إنهاء الفقر وعدم المساواة بين أيدينا    تكريم وطني للطلبة المتفوقين في معاهد التكوين شبه الطبي بتلمسان تحت إشراف وزير الصحة    موسم حج 1446 ه : بلمهدي يشيد بالأداء الجماعي للقطاعات المشاركة    "من النسيان إلى الذاكرة" ثمرة تواصل مع المنفيين    شيتة يغادر وفسخ عقد الكونغولي مونديكو    "المحاربات" في مهمة التأكيد أمام تونس    وهران تناقش "دور المرأة في صناعة التاريخ"    من اندر الاسماء العربية    هذا نصاب الزكاة بالجزائر    جامع الجزائر : ندوة علميّة تاريخيّة حول دروس عاشوراء وذكرى الاستقلال    سورة الاستجابة.. كنز من فوق سبع سماوات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا شرعيّةَ للجهاد إلاّ إذا كان تحت إشرافِ ولاةُ الأمورِ
الشيخ فركوس يفتي في الجهاد ويؤكد:
نشر في النهار الجديد يوم 13 - 09 - 2010

اعتبر الشيخ فركوس الجهاد في الجزائر باطلا وخروجا عن السلطان، وقال الشيخ في فحوى رده عن سؤال لأحد مرتادي موقعه على الانترنيت الخاص بالفتاوى، تعلق بعلاقة "الطائفة المنصورة" أي طائفة المجاهدين المنصورين من الله عز وجل والجهاد، أنه من غير الممكن القول بالجهاد في الأرض المسلمة ما لم يكن المجاهدون تحت سلطة أولياء أمورهم، حيث قال أنه لا شرعيّةَ للفِرَقِ الجهاديّةِ المعاصِرَةِ إلاّ إذا كان معهم ولاةُ أمورِهم أو كانوا تحت إمارتِهم وإشرافِهم، واستشهد في حديثه بقول الآجريُّ -رحمه الله- حين قال "قد ذكرتُ من التّحذيرِ من مذاهبِ الخوارجِ ما فيه بلاغٌ لمن عصمه اللهُ تعالى عن مذهبِ الخوارجِ، ولم يَرَ رأيَهم، وصبر على جَوْرِ الأئمّةِ وحيفِ الأمراءِ، ولم يخرجْ عليهم بسيفِه، وسأل اللهَ تعالى كشْفَ الظّلمِ عنه وعنِ المسلمين، ودعا للوُلاَةِ بالصّلاحِ، وحجّ معهم، وجاهد معهم كلَّ عدُوٍّ للمسلمين وصلّى معهم الجُمُعةَ والعيدين، فإنْ أمروه بطاعةٍ فأمكنه أطاعهم، وإن لم يُمكنْه اعتذر إليهم، وإن أمروه بمعصيةٍ لم يُطِعْهم، وإذا دارتِ الفِتَنُ بينهم لزم بيتَه وكفّ لسانَه ويدَه، ولم يَهْوَ ما هم فيه، ولم يُعِنْ على فتنةٍ، فمَنْ كان هذا وصْفَه كان على الصّراطِ المستقيمِ إن شاء اللهُ"، مضيفا أنه في حال تخلَّفَتِ الشّروطُ واحتاجتِ المرحلةُ إلى إعدادٍ وبناءٍ فإنّ "الطّائفةَ المنصورةَ" لا تزالُ بمقوِّماتِها تجاهدُ بالحجّةِ والبرهانِ وهو القتالُ المعنويُّ.
وأضاف الشيخ في رده المتعلق بالطائفة المنصورة المذكورةُ في حديثِ النبي عليه السلام، في قوله "لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ الله مَا يَضُرُّهُمْ مَنْ كَذَّبَهُمْ"، أنها طائفةٌ متمسّكةٌ بالإسلامِ المصفّى المحضِ -علمًا وعملاً، ظاهرًا وباطنًا- تقوم بما كان عليه النّبيّ صلّى الله عليه وآلِه وسلّم وأصحابُه رضي الله عنهم، ولا تلتفت إلى أقوالِ المخالِفين، ولا يضرّها أراجيفُ المناوِئين والخاذلين، ولا تأخذها في اللهِ لومةُ لائمٍ.
ووصل الشيخ الى بيت القصيد من سؤال المواطن الذي أراد فتوى في الجهاد، حين قال أن مِنْ دلالةِ الحديثِ يظهر أنّ الجهادَ أعمُّ مِنَ القتالِ، فالجهادُ من حيث أدواتُه يكون بالنّفسِ والمالِ واللّسانِ، ومن حيث محلُّه -كما دلّتْ عليه النّصوصُ الشّرعيّةُ الأخرى- يكون للكفّارِ والمنافقين وأهلِ البدعِ والأهواءِ في الظّاهرِ، وللنّفسِ والشّيطانِ في الباطنِ، وأمّا القتالُ فيكونُ في الأصلِ بخصوصِ النّفسِ من جهةِ أدواتِه، وخصوصِ الكفّارِ من جهةِ محلِّه،
وأضاف الشيخ فركوس في فتواه أن أنّ قتالَ الكفّارِ المادِّيَّ والبشريَّ يحتاج إلى شرْطِ إعدادِ العُدّةِ الإيمانيّةِ والمادّيّةِ، وإلى غرضٍ صحيحٍ ونبيلٍ، ومقاتلةٍ مع ولاةِ الأمرِ، "ذلك لأنّ مِن أصولِ أهلِ السّنّةِ، لزومَ الجماعةِ وترْكَ قتالِ الأئمّةِ وترْكَ القتالِ في الفتنةِ"، "فالجهادُ ماضٍ مع البَرِّ والفاجرِ من الولاة، والطّائفةُ المنصورةُ ترى وجوبَ إقامةِ الجهادِ والْجُمَعِ والأعيادِ وغيرها من شعائرِ الإسلامِ الجماعيّةِ مع ولاةِ الأمورِ سواء كانوا صالحين أو فُسّاقًا فسقًا غيْرَ مُخْرِجٍ من الْملّةِ"، واعتبر الشيخ فركوس إبعاد ولاة الأمور فُرْقَةٌ وخلافٌ وسببٌ لتشتُّتِ كلمةِ المسلمين، يترتّبُ عليه إراقةِ الدّماءِ وضياعِ الحقوقِ وعدمِ استقرارِ الأمنِ ما يُضْعِفُ شَوْكَةَ المسلمين ويُسَلِّطُ عليهِمُ الأعداءَ، واستشهد الشيخ في هذا المقام بقول ابنُ تيميّةَ -رحمه الله-: «ولهذا كان المشهورُ مِنْ مذهبِ أهلِ السّنّةِ أنّهم لا يَرَوْنَ الخروجَ على الأئمّةِ وقتالَهم بالسّيفِ -وإن كان فيهم ظلمٌ-، كما دلّتْ على ذلك الأحاديثُ الصّحيحةُ المستفيضةُ عنِ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم، لأنّ الفسادَ في القتالِ والفتنةِ أعظمُ مِنَ الفسادِ الحاصلِ بظُلْمِهم بدونِ قتالٍ ولا فتنةٍ، فيُدْفَع(7- وفي الأصل: «فلا يُدْفَعُ».) أعظمُ الفسادين بالتزامِ أدناهما، ولعلّه لا يكاد يُعْرَفُ طائفةٌ خرجتْ على ذي سلطانٍ إلاّ وكان في خروجِها من الفسادِ ما هو أعظمُ من الفسادِ الذي أزالتْه".
واستطرد فركوس في فتواه أنه وفي حال فساد ولاة الأمور، لا يعني جوازَ إقرارِ ما هم عليه من المعاصي والمخالفاتٍ الشّرعِيّةِ، وإنّما الواجبُ كراهيةُ مخالفاتِهم وإنكارُها في حدودِ ما وسعه من قدرةٍ على المناصحةِ والتّغييرِ، من غيرِ نزعِ يدٍ من طاعةٍ أو إحداثِ موجاتٍ من الاضطراباتِ والمشاغَباتِ والمظاهَراتِ والاعتصاماتِ والمنشوراتِ، وأنواعِ السّبابِ والشّتائمِ والقذفِ الموجَّهِ للسّلطانِ وأعوانِه، أو الخروجِ عليه بالحديدِ والنّارِ، وغيرِها من وسائلِ الإخلالِ بالأمنِ والاستقرارِ، سواء كان الخروجُ عليه منتظمًا على هيئةِ فِرَقٍ حزبيّةٍ جهاديّةٍ، أو غيرَ منتظمٍ كما هو حالُ الثُّوّارِ الذين لم يصبروا على جَوْرِ الحكّامِ وظُلْمِهم، قال صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «أَلاَ مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلاَ يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ".
النص الكامل للسؤال والفتوى:
يحتجّ بعضُ المسلمين ببعضِ الأحاديثِ على شرعيّةِ الفِرَقِ الجهاديّةِ الموجودةِ اليومَ، منها:
حديثُ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي الله عنهما: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَيَنْزِلُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لاَ إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الأُمَّةَ»(1- أخرجه مسلم في «الإيمان» (1/81) رقم (156)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.).
وحديثُ جابرِ بنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهما: «لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»(2- أخرجه مسلم في «الإمارة» (2/925) رقم (1922)، وأحمد في «مسنده» (5/103، 106، 108)، من حديث جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب رضي الله عنهما.).
نريد منكم شرحًا لهذه الأحاديثِ، وإذا كانت لا تنطبق على الفِرَقِ الجهاديّةِ المعاصرةِ فعلى من تنطبق؟
الجواب:
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، أما بعد:
فالطّائفةُ النّاجيةُ والمنصورةُ المذكورةُ في الحديثِ إنّما هي طائفةٌ متمسّكةٌ بالإسلامِ المصفّى المحضِ -علمًا وعملاً، ظاهرًا وباطنًا- تقوم بما كان عليه النّبيّ صلّى الله عليه وآلِه وسلّم وأصحابُه رضي الله عنهم، لا تلتفت إلى أقوالِ المخالِفين، ولا يضرّها أراجيفُ المناوِئين والخاذلين، ولا تأخذها في اللهِ لومةُ لائمٍ، كما صحّ عنه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم أنّه قال: «لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ الله مَا يَضُرُّهُمْ مَنْ كَذَّبَهُمْ (وفي روايةِ مسلمٍ: مَنْ خَذَلَهُمْ) وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ»(3- أخرجه البخاريّ في «التّوحيد» (3/ 563) باب قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، ومسلم في «الإمارة» (2/ 925) رقم (1037)، من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.)، وهي جماعةٌ واحدةٌ لا تقبل التّعدّدَ والتّشطيرَ ولا الانقسامَ والتّجزئةَ، تمتدّ من زمنِ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم أوّلَ الأمّةِ إلى قيامِ السّاعةِ آخرَ الأمّةِ، والمقصودُ جنسُ الطّائفةِ مِن أجيالٍ تنقرض ويَخْلُفُهم آخَرُون بنفسِ مقوِّماتِ الطّائفةِ المنصورةِ الثّابتةِ بأصولِها ومنهجِها ودعوتِها ورجالِها، لا ينقطع وجودُها بل يستمرّ على مرِّ العصورِ إلى قيامِ السّاعةِ، تُعْلِي كلمةَ الحقِّ، وتُظْهِرُ التّوحيدَ والشّرْعَ، ويكونُ الدّينُ معها عزيزًا منيعًا قائمًا على تقوى من اللهِ ورضوانٍ.
ومِن هنا يتبلور التّلازُمُ بين هذه الطّائفةِ وعملِها الجهاديِّ، حيث يستمرّ الجهادُ معها غيرَ منقطعٍ، فهو باقٍ ما بقِيَ الصّراعُ بين الحقِّ والباطلِ، والإيمانِ والكفرِ، غيْرَ أنّه قد يَعْظُم أثرُه في بعضِ الأزمانِ ويَضْعُفُ في أزمانٍ أخرى، ويَكْثُرُ انتشارُه في أماكنَ مِنَ الأرضِ ويَقِلّ في أخرى، علمًا أنّ الجهادَ ماضٍ بحسَبِ نوعيّتِه، فقَدْ يكون الجهادُ حسّيًّا بالنّفسِ والمالِ كجهادِ الطّلبِ والدّفعِ، أو معنويًّا باللّسانِ كالجهادِ بالحجّةِ والبرهانِ، وهذا كلُّه مِنَ الجهادِ في سبيلِ اللهِ تعالى لقولِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ»(4- أخرجه أحمد في «مسنده» (3/ 124)، وأبو داود في «الجهاد» (2504) باب كراهية ترك الغزو، من حديث أنس رضي الله عنه. والحديث صحّحه الألبانيّ في «صحيح الجامع» (3090).)، ومِنْ دلالةِ الحديثِ يظهر أنّ الجهادَ أعمُّ مِنَ القتالِ، فالجهادُ من حيث أدواتُه يكون بالنّفسِ والمالِ واللّسانِ، ومن حيث محلُّه -كما دلّتْ عليه النّصوصُ الشّرعيّةُ الأخرى- يكون للكفّارِ والمنافقين وأهلِ البدعِ والأهواءِ في الظّاهرِ، وللنّفسِ والشّيطانِ في الباطنِ، فيتنوّع الجهادُ إلى أربعِ مراتبَ: جهادِ النّفسِ، والشّيطانِ والكفّارِ، والمنافقين، وأمّا القتالُ فيكونُ في الأصلِ بخصوصِ النّفسِ من جهةِ أدواتِه، وخصوصِ الكفّارِ من جهةِ محلِّه، قال ابنُ القيّمِ -رحمه الله-: «وجهادُ الكفّارِ أخصُّ باليدِ، وجهادُ المنافقين أخصُّ باللّسانِ»(5- «زاد المعاد» لابن القيّم: (3/11).).
ولا يفوتني أن أذكرَ أنّ حالَ حدوثِ تقطُّعٍ بين قتالٍ وقتالٍ -في الظّاهرِ- لا يُخْرِجُه عن صفةِ الاستمرارِ لأنّ طوْرَ البناءِ والإعدادِ التي تتطلّبها مرحلةُ التّقطُّعِ هي في حقيقةِ الأمرِ تواصلٌ واستمرارٌ، مع بقاءِ جهادِ الكفّارِ -عمومًا- بالحجّةِ والبرهانِ -في تلك المرحلةِ- كجهادٍ معنويٍّ حفاظًا على بيضةِ المسلمين من أعداءِ الإسلامِ والدّينِ.
ثمّ ينبغي أن يُعْلَمَ أنّ قتالَ الكفّارِ المادِّيَّ والبشريَّ يحتاج إلى شرْطِ إعدادِ العُدّةِ الإيمانيّةِ والمادّيّةِ، وإلى غرضٍ صحيحٍ ونبيلٍ، ومقاتلةٍ مع ولاةِ الأمرِ، ذلك لأنّ مِن أصولِ أهلِ السّنّةِ: لزومَ الجماعةِ وترْكَ قتالِ الأئمّةِ وترْكَ القتالِ في الفتنةِ(6- انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيميّة: (28/128).)، فأهلُ السّنّةِ يَرَوْنَ -إذنْ- وجوبَ الاجتماعِ على منهاجِ النّبوّةِ وعلى ما كان عليه السّلفُ الصّالِحُ، ومِنْ تمامِ هذا الاجتماعِ: السّمعُ والطّاعةُ في المعروفِ لِمَن تأمّرَ علينا ولو كان عبدًا حبشيًّا، مهما كانت صفةُ عدالتِه، فالجهادُ ماضٍ مع البَرِّ والفاجرِ من الولاة، والطّائفةُ المنصورةُ ترى وجوبَ إقامةِ الجهادِ والْجُمَعِ والأعيادِ وغيرها من شعائرِ الإسلامِ الجماعيّةِ مع ولاةِ الأمورِ سواء كانوا صالحين أو فُسّاقًا فسقًا غيْرَ مُخْرِجٍ من الْملّةِ، لأنّ إبعادَهم فُرْقَةٌ وخلافٌ وسببٌ لتشتُّتِ كلمةِ المسلمين، ويترتّبُ عليه مِنْ إراقةِ الدّماءِ وضياعِ الحقوقِ وعدمِ استقرارِ الأمنِ ما يُضْعِفُ شَوْكَةَ المسلمين ويُسَلِّطُ عليهِمُ الأعداءَ، قال ابنُ تيميّةَ -رحمه الله-: «ولهذا كان المشهورُ مِنْ مذهبِ أهلِ السّنّةِ أنّهم لا يَرَوْنَ الخروجَ على الأئمّةِ وقتالَهم بالسّيفِ -وإن كان فيهم ظلمٌ-، كما دلّتْ على ذلك الأحاديثُ الصّحيحةُ المستفيضةُ عنِ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم، لأنّ الفسادَ في القتالِ والفتنةِ أعظمُ مِنَ الفسادِ الحاصلِ بظُلْمِهم بدونِ قتالٍ ولا فتنةٍ، فيُدْفَع(7- وفي الأصل: «فلا يُدْفَعُ».) أعظمُ الفسادين بالتزامِ أدناهما، ولعلّه لا يكاد يُعْرَفُ طائفةٌ خرجتْ على ذي سلطانٍ إلاّ وكان في خروجِها من الفسادِ ما هو أعظمُ من الفسادِ الذي أزالتْه»(8- «منهاج السّنّة النّبويّة» لابن تيميّة: (3/231).).
وليس معنى ذلك جوازَ إقرارِ الحكّامِ وولاةِ الأمورِ على ما هم عليه من المعاصي والمخالفاتٍ الشّرعِيّةِ، وإنّما الواجبُ كراهيةُ مخالفاتِهم وإنكارُها في حدودِ ما وسعه من قدرةٍ على المناصحةِ والتّغييرِ، من غيرِ نزعِ يدٍ من طاعةٍ أو إحداثِ موجاتٍ من الاضطراباتِ والمشاغَباتِ والمظاهَراتِ والاعتصاماتِ والمنشوراتِ، وأنواعِ السّبابِ والشّتائمِ والقذفِ الموجَّهِ للسّلطانِ وأعوانِه، أو الخروجِ عليه بالحديدِ والنّارِ، وغيرِها من وسائلِ الإخلالِ بالأمنِ والاستقرارِ، سواء كان الخروجُ عليه منتظمًا على هيئةِ فِرَقٍ حزبيّةٍ جهاديّةٍ، أو غيرَ منتظمٍ كما هو حالُ الثُّوّارِ الذين لم يصبروا على جَوْرِ الحكّامِ وظُلْمِهم، قال صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «أَلاَ مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلاَ يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ»(9- أخرجه مسلم في «الإمارة» (2/ 900) رقم (1855)، من حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه.)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلاَّ مَاتَ مِيتةً جَاهِلِيَّةً»(10- أخرجه البخاري في «الفتن» (1/ 465) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «سترون بعدي أمورا تنكرونها»، ومسلم في «الإمارة» (2/ 898) رقم (1849) واللفظ له، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.).
ومِن منطلقِ هذا المعتقدِ، فلا شرعيّةَ للفِرَقِ الجهاديّةِ المعاصِرَةِ إلاّ إذا كان معهم ولاةُ أمورِهم أو كانوا تحت إمارتِهم وإشرافِهم، والحديثُ المذكورُ في السّؤالِ يدلّ على أنّ المقاتلةَ مع الأمراءِ، وقد عقّب الشّيخُ محمّدٌ ناصرُ الدّينِ الألبانيُّ -رحمه الله- على كلمةِ: «أَمِيرُهُمْ» بأنّه المهديُّ: وهو محمدُ بنُ عبدِ اللهِ، كما تضافرتْ بذلك الأحاديثُ بأسانيدَ بعضُها صحيحٌ وبعضُها حسنٌ(11- انظر: «سلسلة الأحاديث الصّحيحة» للألباني: (5/278، 371-372).).
وضِمْنَ هذا المعنى، قال الآجريُّ -رحمه الله-: «قد ذكرتُ من التّحذيرِ من مذاهبِ الخوارجِ ما فيه بلاغٌ لمن عصمه اللهُ تعالى عن مذهبِ الخوارجِ، ولم يَرَ رأيَهم، وصبر على جَوْرِ الأئمّةِ وحيفِ الأمراءِ، ولم يخرجْ عليهم بسيفِه، وسأل اللهَ تعالى كشْفَ الظّلمِ عنه وعنِ المسلمين، ودعا للوُلاَةِ بالصّلاحِ، وحجّ معهم، وجاهد معهم كلَّ عدُوٍّ للمسلمين وصلّى معهم الجُمُعةَ والعيدين، فإنْ أمروه بطاعةٍ فأمكنه أطاعهم، وإن لم يُمكنْه اعتذر إليهم، وإن أمروه بمعصيةٍ لم يُطِعْهم، وإذا دارتِ الفِتَنُ بينهم لزم بيتَه وكفّ لسانَه ويدَه، ولم يَهْوَ ما هم فيه، ولم يُعِنْ على فتنةٍ، فمَنْ كان هذا وصْفَه كان على الصّراطِ المستقيمِ إن شاء اللهُ»(12- «الشّريعة» للآجري: (40).).
فإنْ تخلَّفَتِ الشّروطُ واحتاجتِ المرحلةُ إلى إعدادٍ وبناءٍ فإنّ الطّائفةَ المنصورةَ لا تزالُ بمقوِّماتِها تجاهدُ بالحجّةِ والبرهانِ وهو القتالُ المعنويُّ، وقد جاء في الحديثِ: «لاَ يَزَالُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ بِغَرْسٍ يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ»(13- أخرجه أحمد في «مسنده» (4/ 200)، وابن ماجه: باب اتّباع سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (8)، من حديث أبي عنبة الخولانيّ رضي الله عنه. والحديث حسّنه الألبانيّ في «السّلسلة الصّحيحة» (5/ 571).).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.