تمر غدا الجمعة الذكرى العشرون لرحيل الرئيس السابق والمجاهد الكبير «محمد بوضياف»، الذي اغتيل صبيحة 29 جوان 1992، وتمر هذه الذكرى في وقت تعيش فيه الجزائر والعالم العربي حالة من التحديات التي فرضتها المتغيرات الإقليمية التي تعيشها المنطقة، كما تتزامن مع إحياء الجزائر للذكرى الخمسين للاستقلال، الذي كان الفقيد أحد كبار صانعيه. وكان بوضياف رحمه الله مهموما بالجزائر إلى رمقه الأخير، وسجلت له الكاميرا كلماته الأخيرة التي قال فيها «بماذا تقدمت علينا باقي الدول؟ ليجيب جوابه الأخير ب»العلم»، ثم استسلم لرصاصات غادرة أنهت حياته، وكأنه ترك وصيته الأخيرة لمداواة جراح الجزائر التي كانت ترزح وقتها في بحور من الظلام وكانت بحاجة إلى بصيص من العلم لاستعادة نورها الذي افتقدته طويلا. لا يشك أحد في كون الرئيس بوضياف أحبّ الجزائر بجنون حتى وهو مُهجّر عنها قصرا، والتصق اسمه ب»الوطنية»، فصار يدعى سي الطيب الوطني، ولم يتخلف عن ندائها حينما استدعته لينقذها من حالة الانهيار التي كانت تعيشه، فوقع عليه الاختيار وجرى تنصيبه رئيسا للمجلس الأعلى للدولة في 16 جانفي 1992، حيث عاد من منفاه في المغرب ليتولى المهمة الصعبة، ويستذكر الجزائريون بحنين بالغ، كيف نزلت طائرته على مطارهم، وكيف شرب كأس الحليب، تماما مثلما يتذكرون خطابه الأخير وكلماته المؤثرة. لمس الجزائريون في كاريزما الرجل وكلماته أملا، قد يخرجهم من محنة بدأت رحاها تفتك بهم، لكن أيادي الغدر أبت إلا أن تقطع الفرحة بمجيئه وحولت الحلم الذي حمله معه إلى كابوس حين تم اغتياله في مدينة عنابة، التي تزينت في ذلك اليوم لاستقباله، وتحول المشهد إلى مأتم حزين، حيث لم يمت يومها بوضياف فحسب ولكن مات أيضا أمل الجزائريون معه. تتزامن ذكرى رحيل «محمد بوضياف» مع إحياء الجزائر للذكرى الخمسين للاستقلال، الذي كان واحدا ممن ساهموا في صنعه، فقد كان بوضياف على رأس تنظيم اللجنة الثورية للوحدة والعمل التي كانت تضم اثنين وعشرين عضوا وهي التي قامت بتفجير الثورة الجزائرية، كما كان الراحل على متن الطائرة المتوجهة من المغرب إلى تونس، حين اختطفتهم السلطات الاستعمارية في الجو يوم 22 أكتوبر 1956، رفقة رفقاء دربه أحمد بن بلة، حسين آيت أحمد، محمد خيضر والكاتب مصطفى الأشرف. وينوّه رفقاء الدرب بخصال ميزت الراحل كقائد كبير اجتمعت فيه صفات الحلم والصلابة والشجاعة، لم يكن بوضياف إقصائيا قط في حياته، إذ آمن بفكرة التعددية السياسية منذ أول يوم للاستقلال، ولعل إيمانه بهذه الفكرة جعله يدفع ثمنها غاليا حين تم إجباره على اختيار منفى بعيد عن الجزائر التي أعطاها روحه وقلبه، وآمن بها وباستقلالها إلى أن تحقق هذا الأمل.