محامون صنعوا اسما في ملفات الإرهاب وآخرون في قضايا الفساد عرفت مهنة المحاماة في السنوات الأخيرة ظاهرة جديدة تتعلّق بظهور تخصّصات في هذا المجال، حيث أصبح بعض المحامين يختارون نوعا معيّنا من القضايا يرافعون فيها دون غيرها، فاليوم هناك متخصّص في الملفات الإرهابية وهناك في ملفات الاتّجار بالمخدّرات، في حين يفضّل البعض المرافعة في ملفات الفساد وحدها في الوقت الذي يحاول فيه محامون مبتدئون الظفر بقضية ولو بسيطة في الجنح، لتصبح المهنة شبيهة جدّا بمهنة الطبّ حتى وإن رأى البعض أنه لا يوجد تخصّص في هذه المهنة. بدأت هذه الظاهرة تعرف تطوّرا بعد ظهور ملفات الفساد الكبرى رغم أن وجود متخصّصين في مجال الإرهاب على غرار الأستاذتين خنوف وبومرداسي والمحامي بلحاج، في حين تنحصر قضايا الفساد بين (كبار المحامين). فالجميع يعرف هوية المحامين من خلال نوع القضية، وإن كانت الخبرة تلعب دورا فإن (ضربات الحظّ) هي الأخرى تلعب دورا مُهمّا أيضا، فقد ينطلق التخصّص من حكم مخفّف أو براءة في إحدى الملفات حتى يكون كافيا كي يرتبط اسم المحامي بنوع معيّن من الملفات. في هذا الصدد، أكّد المحامي بقاح بشير أنه واقعيا هناك تخصّص في فرع من فروع القانون لأنه لمّا يتخصّص المحامي في مجال معيّن يكون أكثر خبرة ومُلمّا أكثر بالنواحي القانونية والإجراءات التابعة لتخصّصه، لأنه بكلّ واقعية لا يمكنه الإلمام بجميع فروع القانون حتى وإن كان ذلك قانونيا غير ممكن، لكن بحكم الخبرة في المجال يجد المحامي نفسه مرتبطا بنوع معيّن من الملفات. أمّا المحامية أمرزوقان صوريا فقد رأت أنه من غير الممكن التخصّص في مجال واحد من الناحية الواقعية كونه يجب على المحاكم أن يعالج كافّة المشاكل والقضايا والإشكالات القانونية المطروحة أمامه من طرف الزبون، فلا يمكنه أن يعالج مثلا قضية التعدّي على الملكية العقارية أمام القسم العقاري، أمّا جريمة التهديد أو الضرب أو السبّ أو أيّ جريمة أخرى يتعرّض لها الزبون أثناء محاولة دفع التعدّي على ملكيته أن يتخلّى عن المحامي عن تقديم شكوى أمام الفرع الجزائي كونه متخصّص في العقاري، موضّحة أن تخصّص المحامي في فرع من فروع القانون ضرب من الجنون. كبرى قضايا الفساد تنحصر بين "الكبار" يتنافس على قضايا الفساد المعروضة على مستوى المحاكم نخبة من المحامين، على غرار فضائح اتّصالات الجزائر وفضائح سوناطراك والطريق السيّار، حيث عادة ما تتكرّر نفس الأسماء، من بينهم النقيب و(مقرّبوه) كالمحامي ميلود إبراهيمي، الطاهر خيّار، بلعريف، الصادق شريف وغيرهم من الأسماء الثقيلة التي لها وزنها في سلك القضاء. فمن غير الطبيعي أن يغيب اسم أحد هؤلاء في ملفات الفساد، كما يكون لديهم نفس التواجد في كبرى ملفات التجّار غير الشرعيين للمخدّرات وغيرها من ملفات تبييض الأموال. خنوف: "22 سنة وأنا أرافع في قضايا الإرهاب دون غيرها" أكّدت المحامية خنوف حضرية، المختصّة في قضايا الإرهاب، أنها بدأت المزاولة الحقيقية للمهنة سنة 1992 بعدما تمّ توكيلها في قضية إرهابية على مستوى محكمة الجنايات بقصر العدالة (عبان رمضان) وقد تمكّنت من الحصول على حكم مخفّف لموكّلها، ومنذ تلك الفترة وهي ترافع في قضايا الإرهاب، حيث لم ترافع في أيّ تهم أخرى على مدار 22 سنة باستثناء قضية الفساد الثانية التي طالت (نفطال) هذه السنة. وأوضحت ذات الأستاذة أنها قليلا ما تعرض عليها قضايا خارج ملفات الإرهاب بعدما أصبح اسمها مرتبطا بهذا النّوع المعيّن من القضايا، حيث وبمجرّد أن تنطلق قضية في التحقيق يتّصل بها المتّهمون أو ذووهم للمرافعة في حقّهم، وأن خبرتها سمحت لها بالاطّلاع على العديد من خبايا هذه التنظيمات، فهي كثيرا ما تحرج ممثّلي الحقّ العام وحتى القضاة الذين لا يلمّون بوقائع الملفات وبوضعية المتّهمين، فكثير ما تقع النيابة العامّة في أخطاء عندما لا تدرك إن كان المتّهم في حالة فرار أو قضي عليه أو موقوف في مؤسسة عقابية، وإن تمّت متابعته من قبل بنفس الوقائع في ملفات أخرى وعلى مستوى محاكم أخرى. كما كشفت المحامية خنوف أن تخصّصها جاء بمحض الصدفة، وأنها ترفض أن تحبس في هذا النّوع من الجرائم، غير أنها مع مرور الوقت وجدت نفسها مجبرة على ذلك، خاصّة بعدما استطاعت أن تفتكّ حكم البراءة لعدد معتبر من الأشخاص الذين اشتبه في انتمائهم إلى الجماعات الإرهابية. بومرداسي: "المحاماة أصبحت شبيهة بمهنة الطبّ" من جهتها، كشفت المحامية بومرداسي التي اختصّت هي الأخرى في ملفات الإرهاب أن التخصّصات ليست ظاهرة جديدة، وأن المحامي ليس هو من يختار تخصّصه، بل يفرض عليه مع مرور الوقت دون أن يشعر، مشيرة إلى أنها تخصّصت في الدفاع عن المتّهمين في قضايا الإرهاب بعدما انضمّت إلى منظّمة الدفاع عن حقوق الإنسان، وهناك تعرّفت على عدد من عائلات المشتبه فيهم الذين جاءوا للبحث عن مساعدة لتوكيل محامين للدفاع عن أبنائهم الذين تمّ الزجّ بهم خلال العشرية السوداء في السجن فتطوّعت مجّانا لتنطلق في هذا المجال لكنها لم تنحصر فيه، حيث ما تزال ترافع في كبرى قضايا الاتّجار غير الشرعي بالمخدّرات وقضايا نهب المال العام، موضّحة أن تواجدها دون غيرها في قضايا العائدين من معتقل غوانتانامو جاء بالصدفة لكنه ليس حكرا عليها. العقّاري والجنح البسيطة للمتخرّجين حديثا تركت قضايا العقّاري والشؤون الاجتماعية وحتى الجنح البسيطة كحمل سلاح محظور وحيازة المخدّرات للمحامين المبتدئين أو المصنّفين في صنف الصغار يتنافسون عليها، خاصّة في ظلّ القانون الجديد الذي يتطلّب من المحامي أن يملك على الأقلّ خبرة سبع سنوات للمرافعة أمام مجالس القضاة، وهو ما سيجعل من تخصّص المحامين واقعا لا مفرّ منه. فعادة ما يترك المحامون الملفات العقّارية وقضايا شؤون الأسرة لمساعديهم للمرافعة فيها لأنهم يعتبرونها قضايا صغيرة لا تتطلّب محاميا من الوزن الثقيل.