إن ما يلاحظه كل غيور على دينه وأمته في ظل العديد من المتغيرات والتي تعرفها أمتنا الإسلامية؛ ويحاول بعضهم طمس هويتها وتغيير ملامحها من الداخل تحت العديد من المسميات المستوردة، أن القيم الربانية التي جاء بها الإسلام ومنها الحياء، يراد لها أن تنسف لتصبح مجرد لفظ ليس له مضمون. فباسم الحرية الشخصية والعصرنة الحداثية... لا يتورع بعض الناس عن فعل الكثير من الأمور التي كان الحياء يمنعهم في السابق من فعلها، وما أكثر ما يرتكب اليوم من آثام باسم الحرية الشخصية في بلاد المسلمين. فهل أصبح الحياء علامة من علامات التخلف في عالمنا المعاصر؟ أم أن موضة التحديث لا تعترف بالقيم الربانية؟ وتدعي القيم لتجعلها مجرد شعارات تزين بها خطاباتها وتشريعاتها دون أن يرى ما يؤكد صدق ادعاءاتها؟ وهل يمكن اعتبار الحياء يناقض القيم الإنسانية (الحضارية) التي وصل إليها الفكر البشري من خلال فلسفة الانحلال والميوعة التي تؤله الفكر البشري الذي لا ينطلق من المبادئ الفاضلة؟ الحياء خلق الإسلام يطلق الحياء ويدل على الاستحياء الذي هو ضد الوقاحة، فهو تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به... ويقال: خلق يبعث على ترك القبح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق... عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (استحيوا من الله حق الحياء. قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك استحيا من الله حق الحياء).. لقد جعل الإسلام العبادات والأخلاق نسيجاً واحداً؛ فللأخلاق صلة وثيقةٌ بعقيدة الأمة ومبادئها، فهي عنوان التمسك بالعقيدة، ودليل الالتزام بالمبادئ والمثل، وأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرُكم بأحبِّكم إلى الله، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟. قالوا: بلى، قال: أحسنكم خلقاً). فأحسنهم خلقاً أقربهم منزلة ومجاورة للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. قال عمرو بن عثمان: (والحياء يعمر القلوب بدوام الطهارة، ويُخْرِجُ من القلوب حلاوة الماء، ثم حلاوة الشهوات. ودوام الحياء يوجب على القلوب إعظام حرمات الله، بإعظام مقام الله حياء من جلاله؛ لأن إجلال حرمات الله في القلوب غاسل للقلوب بماء الحياة الوارد عليها من فوائد الله فتخلق الدنيا في قلوبهم، وتصغر الأشياء فيها). فتلك والله حياة القلب بعينها. وقال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: (خمسٌ من علامات الشقاوة: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلة الحياء، والرغبة في الدنيا، وطول الأمل). فيا له من قبح عندما يلبس لباس الإيمان، ولباس التقوى، ولباس الفضيلة، فيستكبر المرء، وينزعه، ليلبس القبيح من كلِّ منكر من القول والعمل، ويتولى ويدبر إلى مستنقع الرذيلة باسم الحرية الشخصية والحداثة والتلاقح الثقافي...، وعند ما يُلبس لباس العلم بالله، فيستكبر، وينزعه، ويلبس لباس الجهل، والبهيمية التي أصبحت مظاهرها لا تعد ولا تحصى حتى في بلاد المسلمين من طرف المغربين. وعندما يستبعد لقاء الله تعالى، وهو منه قريب، وعندما تؤكل أموال الناس بالباطل وتستغل المسؤوليات العامة والخاصة لنهب ثروات البلاد والهروب من المحاسبة، والمغالاة في الشهوات والملذات وافتقار المجتمع لمعاني التضامن والتكافل. فأين الحياء من الله عز وجل؟! عندما: لا تطرق أبواب المساجد وتغلق وتفتح العلب الليلية والخمارات، ولا يعرف القرآن ويهجر، بل إن بعضهم قد يحترم صورة فاجرةٍ، ويكرمها ولا يكرم دينه ولا كتاب ربه والله غالب على أمره. o تنتشر صور الفجور وقتل الأخلاق وإثارة الشهوة والدعوة إلى الفحشاء والمنكر بعرض إشهارات وأفلام خليعة في وسائل إعلامنا، وتنظيم مهرجانات العري والشواذ والمثليين التي يتم دعمها بأموال المستضعفين، o تنتشر ملابس شديدة الضيق اللاصقة أو الملابس الكاشفة، التي وصلت إلى حدود العورات المغلظة فلم يراعوا ديناً ولا حياء ولا مروءة، o تدمير القيم التربوية داخل المؤسسات التعليمية التي تفقد فيها الخصال المثلى وتذوب فيها الهوية يوما بعد يوم انطلاقا من مقررات ومناهج دراسية مستوردة ومستنبتة في ومن مكان غير مناسب. o صناعة ودعم أبواق دعائية تحت تسميات جذابة مستخفة بمشاعر المسلمين، تحمي الفساد في البلاد وتطيل في عمره وتدافع بعمى وصمم عنه... o يضيع الأبناء في الحياة بلا تربية ولا خلق، ومن أضاعهم في الشوارع يخالطون من شاؤوا ويصاحبون ما هب ودب من ذوي الأخلاق السيئة، ليسيحوا في الأرض يؤذون الناس ويتبعون عوراتهم، أو يضايقون الناس في طرقاتهم، أو يهددون حياتهم وأمنهم وأعراضهم... فإنَّ من فقد الحياء تدرج في حياته من السيء إلى الأسوء، وهبط من الرذيلة إلى الأرذل، ولا يزال يهوي حتى ينحدر إلى الدركات السفلى والعياذ بالله... فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم لا يدركني زمانٌ، ولا تدركوا زماناً لا يتبع فيه العليم، ولا يستحي فيه من الحليم، قلوبهم قلوب الأعاجم، وألسنتهم ألسنة العرب).