إقبال كبير للعائلات عليها بعد هجرانها لسنوات يطل جبل سيدي علي بوناب على مدينة تادميت الواقعة على بعد 18 كلم غرب تيزي وزو. وقد أصبحت هذه المنطقة تعرف منذ بداية العشرية السوداء على أنها معقل للإرهاب إلا أنها بدأت في المدة الأخيرة تسترجع حيويتها مع عودة الأمن. يقع هذا المرتفع الجبلي حيث تكثر الغابات ما بين ولايتي بومرداس وتيزي وزو على علو 800 متر عن سطح البحر وسط سلسلة من التلال الخضراء. ويشكل المنحدر المقابل لمدينة تادميت حاجزا عظيما في الأفق يغلب عليه اللون الأخضر الداكن المائل إلى الأزرق وهو لون أوراق أشجار الزيتون والكستناء المنتشرة به ولا تزال سيدي علي بوناب التي تحمل اسم شخصية غير معروفة عاشت بالقرن ال19 بالمنطقة تحمل آثار الماضي الذي ميزته الأعمال البشعة المرتكبة من طرف الاحتلال الفرنسي ثم الإرهاب. نداء الجبل ومسقط الرأس يذكر أنه قبل قدوم الإرهابيين إلى سيدي علي بوناب اعتادت العديد من العائلات المقيمة ببلدية تادميت النزول بهذه المنطقة خلال أيام عطلة الأسبوع وعلى مدار أيام السنة لتناول وجبات في الهواء الطلق وجني الزيتون وجمع الفطر والبلوط والقسطل والتين والصبار وغيرها من المنتوجات التي تكثر في الغابة على غرار التين والزيتون والكرز. وتنتشر أشجار الكرز بسيدي علي بوناب حيث تعطي إنتاجا وفيرا بهذا الجزء من الولاية حيث لم يسجل ظهور حشرة (الكابنود) التي تلحق أضرارا جسيمة بالأشجار، كما تكثر بالمنطقة الطرائد الصغيرة على غرار الأرانب البرية وطائر السمانا، إلى جانب الخنازير البرية وابن آوى والقط البري. وقد ضاعت الروابط التي كانت تجمع سكان تادميت بجبلهم خلال العشرية السوداء، حيث تحولت سيدي علي بوناب إلى منطقة جد خطيرة لا يجرؤ أحد على النزول بها وهو ما اضطر المواطنين إلى التخلي عن بساتينهم في انتظار عودة الأمن إلى هذه المنطقة التي أصبحت معقلا للإرهاب. جدير بالذكر أنه بعد تراجع الإرهاب في السنوات الثلاث الأخيرة وتأمين المنطقة من قبل قوات الأمن انتعشت الطرق المؤدية إلى سيدي علي بوناب التي يتردد عليها المواطنون لقضاء يوم في الهواء الطلق، إلى جانب العائلات التي تقصد بساتينها للعمل. ويشهد الطريق الذي فتحته مصالح البلدية في أواخر الثمانينات مرور بعض المركبات التي تنزل منها العائلات للاستراحة وسط الحقول. وغير بعيد يلعب الأطفال فيما تقوم مجموعة من الشباب بتهيئة منفذ إلى بستان الزيتون وهو ملك لهم كما لوحظ. وبالجهة السفلى يبدو أن بساتين الزيتون مترامية الأطراف صمدت أمام الحرائق المتعددة التي سجلت بالمنطقة. وبالمكان المسمى (بويسي) يوجد عدد من السكنات التقليدية المهددة بالانهيار تخلى عنها أصحابها خلال العشرية السوداء. نساء يحطمن جدار الخوف كانت النساء المسنات آخر من غادر المنطقة، حيث كانت غالبا ما تشاهدن مرور الجماعات الإرهابية في موسم جني الزيتون كما تتذكر السيدة جوهر: (ذات يوم بينما كنت منهمكة بجمع الزيتون الساقط على الأرض رأيت ثلاثة شبان مسلحين يخرجون من الأدغال. فتظاهرت بعدم رؤيتهم فواصلوا طريقهم. لقد شعرت بالخوف ينتابني ومنذ ذلك اليوم لم أعد إلى سيدي علي بوناب كما أن النساء هن أول من كن يترددن على منطقة سيدي علي بوناب منذ ثلاث أو أربع سنوات. ورأت السيدة تسعديت أنه (ينبغي تحطيم جدار الخوف واسترجاع الأملاك التي ورثناها عن أجدادنا)، مضيفة أنها تشتري زيت الزيتون بأسعار باهظة في حين تبقى أشجار الزيتون مهملة بسيدي علي بوناب، وعليه قررت الرجوع إلى أرضي وأقنعت ثلاث نساء بمرافقتي ومنذ ذلك الحين عادت نساء أخريات وحتى الرجال إلى السير في طريق سيدي علي بوناب). وقد فوجئت بعض العائلات بإتلاف بساتين الزيتون التابعة لها نتيجة الحرائق، حيث شرعت في إعادة إحيائها من خلال تلقيح أشجار الزيتون البري إلى جانب وضع خلايا النحل. وفي هذا الإطار قال محمد الذي يقطن بالجزائر العاصمة والمنحدر من سيدي علي بوناب والذي رجع إلى أرض آبائه: (لقد ترعرعت هنا، ولما تحصلت على شهادة البكالوريا اضطررت إلى مغادرة (بويسي) لمتابعة دراستي الجامعية بالعاصمة. وها أنا اليوم أعود وكلي حنين إلى منطقتي، وقد قام هذا الأخير بإعادة تأهيل منبع (تالا مخلود) وتجهيزه بمضخة. كما وضع نظاما لسقي مساحة صغيرة مغروسة بالخضر بواسطة التقطير. وبالقرب من منبع الماء تنمو الورود في ظل أشجار الزعرور والمشمش احتفالا بعودة الحياة إلى سيدي علي بوناب. سيدي علي بوناب.. الزاهد الذي منح اسمه للجبل لا توجد مخطوطات ولا شهادات كثيرة حول سيدي علي بوناب الرجل الزاهد الذي عاش في القرن ال19 ومنح اسمه إلى الجبل. وهناك مقتطفات لا تزال متداولة بين الناس منها ما هو حقيقي ومنها ما هو مجرد أساطير حيث نسبت إليها أعمال خارقة كتلك الواقعة التي قام فيها بتوقيف قطار عن السير بعصاه، وحسب سكان تادميت فإن هذه الحادثة ليست من صنعه وإنما هي من إنجاز أحد الرهبان الذي سعيا منه إلى إثارة دهشة السكان وقف وسط السكة الحديدية وأوقف القطار برفع عصاه كما يروي محمد (70 سنة) الذي أضاف مبتسما (لقد كان هذا الراهب محظوظا كون سائق القطار انتبه لوجوده وتوقف في الحين)، وحسب شهادات مسني تادميت وبعض الوثائق التي يعود تاريخها لفترة الاحتلال فإن سيدي علي بوناب كان وليا صالحا معروفا بمرتفعات جرجرة التي تجوّل فيها كثيرا، وفي أحد الأيام زار سيدي علي موسى المدعو (نفوناس) الذي كان يشرف آنذاك على زاوية معتقة، وتحاور الرجلان الصالحان مطولا حيث تذمر سيدي علي بوناب من كلام سيدي علي موسى لدرجة أنه خاطبه قائلا: (ستموت خنقا على أيدي أتباعك)، ورد عليه سيدي علي موسى (ستموت في عاصفة ثلجية وستأكل جثتك حيوانات ابن آوى). يروى أن التنبؤات تحققت حيث أن (سيدي علي بوناب وبينما كان متوجها في أحد الأيام إلى قبيلة آيت مليقش ببجاية صادفته عاصفة ثلجية. وعثر فيما بعد على جثمانه وقد أكلت نصفه حيوانات متوحشة. أما سيدي علي موسى فقد اغتيل من طرف مجموعة طلبة من تلامذته).