أضحت الحكومة الفرنسية في عين الإعصار بعد تأييد شرائح واسعة من الشعب الفرنسي احتجاجات 10 سبتمبر القادم، تنديدا بالإجراءات التقشفية التي أقرتها باريس لمواجهة الأزمة الخانقة التي تعاني منها البلاد، حيث لم يخف الوزير الأول فرانسوا بايرو مخاوفه من انفلات الوضع، وذلك في خطاب ألقاه أمس، في الجامعة الصيفية لأهم نقابة عمالية في فرنسا، عندما دعا النواب إلى الاختيار بين الفوضى والمسؤولية عند طرح حكومته للتصويت على الثقة في الثامن من سبتمبر. يبدو أن الوزير الأول الفرنسي يريد استباق موعد الغضب العارم في العاشر من سبتمبر المقبل، بإعلانه عن عرض الحكومة على هذا التصويت في الجمعية الوطنية، في خطوة محفوفة بالمخاطر وسط معارضة واسعة تهدّد مستقبله السياسي في ماتينيون. ويتمسّك بايرو الذي سيضطر لتقديم استقالته في حال خسارة التصويت، بربط مصير حكومته بمصادقة البرلمان على مشروع ميزانية 2026، التي يعتبرها أساسية لإنعاش المالية العمومية، في الوقت الذي ترجح الأرقام الأولية فشله، مع استعداد نحو 330 نائب من المعارضة للتصويت ضده، مقابل 210 صوت داعم من التحالف الرئاسي وجزء من حزب الجمهوريين. وبلا شك فإن الرئيس إيمانويل ماكرون الذي سيعقد جلسة برلمانية استثنائية يوم 8 سبتمبر بطلب من وزيره الأول، سيجد نفسه أمام أزمة تشكيل حكومة جديدة في حال عدم الحصول على الأغلبية المطلقة داخل البرلمان، ما يفتح الباب واسعا أمام حالة عدم الاستقرار السياسي في فرنسا، وسط الدعوات المتصاعدة لحلّ الجمعية الوطنية من أجل إعادة الكلمة للشعب الفرنسي. فماكرون سيكون مضطرا مجددا للبحث عن رئيس وزراء سيكون السابع في عهده، علما أنّ سلف بايرو، ميشال بارنييه أقيل بعد ثلاثة أشهر فقط من توليه منصبه بسبب ميزانية 2026. وعليه، فإن المسؤولية لن يتحمّلها بايرو لوحده، بل أيضا الرئيس الفرنسي الذي يواجه بدوره حملة لعزله بناء على مذكرة أعدت بهذا الخصوص وتمّ تحديد تاريخ 23 سبتمبر لذلك، باعتباره المعني الأول بالأزمة التي تمر بها البلاد، في الوقت الذي تشهد فيه الساحة الفرنسية منافسة محتدمة قبل موعد الانتخابات الرئاسية في عام 2027 مع انتهاء عهدته الثانية. ولم يسبق للحكومة الفرنسية في ظل الجمهورية الخامسة، أن عرفت انسدادا مثلما هو عليه اليوم، مما يعقد مهمة بايرو الذي لا يتوفر على حظوظ كافية لتغيير موازين القوى، وإقناع النواب بخطر المديونية المفرطة، والحصول على دعم برلماني لفرض إجراءات تقشف من شأنها خفض الدين العام لفرنسا، غير انه يتوقع أن تلقى خطته رفضا من قبل أحزاب المعارضة الرئيسية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. وستكون انعكاسات الأزمة قاسية ليس داخل فرنسا فقط بل حتى خارج حدودها، حيث يتعين على باريس السيطرة على عجزها العام وخفض ديونها المتراكمة، وفقا لقواعد الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن هذه التداعيات لا تعني لليمين المتطرف شيئا، حيث صرح وزير الداخلية برونو روتايو أن إسقاط الحكومة سيضر بمصالح فرنسا، محذّرا من خطر حدوث أزمة مالية، في الوقت الذي لا يتوانى في كل مرة تحميل مشاكل بلاده على مشجب الجزائر لمحاولة تحويل أنظار الشعب الفرنسي عن انشغالاته الأساسية، علما أن ديون باريس البالغة 114% من الناتج المحلي الإجمالي، تشكل تهديدا للاستقرار المالي للبلاد. ورغم أن هناك مخاوف تفيد بأن سقوط بايرو قبل العاشر من سبتمبر سيؤدي إلى تفريغ يوم الاحتجاج من زخمه، إلا أن هناك أصوات تشدّد على ضرورة الحفاظ على الضغط حتى لا يتسنى لماكرون تعيين حكومة تواصل نفس السياسة.