بقلم: أحمد إمام حنفي / هناك أشخاص قد تخصصوا في الكآبة والحزن، فلا تراهم إلا وهم يشكون ويتذمرون وينتقدون، بل ويلعنون حياتهم لأنها في نظرهم كئيبة مملوءة بالأحزان، فإذا جلست مع أحدهم وقص عليك مشاكله وجدتها لا تساوي شيئا بجانب مصائب غيره، وإذا ذكرته بالنعم التي يتقلب فيها ليل نهار، تجده فاتحاً فمه، شاخص العينين، كأنك تتحدث عن شخص آخر لا يعرفه. يتقلب الإنسان في نعم الله تعالى عليه من جميع الجوانب ويألف هذه النعم مع كثرتها فينسى شكرها، بل أنه ينسى النعمة نفسها، وقد ينظر الإنسان إلى نصف الكوب الفارغ فيُصيبه الهم والكرب والحزن، ولو حرك عينيه حركة بسيطة لرأى النصف الممتلئ فقرت عينه، وهدأت نفسه، وانشرح صدره، وحمد ربه. يقول ابن القيم نعم من الله تعالى تترادف عليه فقيدها الشكر وهو مبني على ثلاثة أركان: الاعتراف بها باطنا، والتحدث بها ظاهراً، وتصريفها في مرضاة وليها ومسديها ومعطيها، فإذا فعل ذلك فقد شكرها مع تقصيره في شكرها. يتغافل الإنسان أحيانا فلا يرى مصائب غيره وحينما يقع بصره على تلك المصائب تهون عليه بلاياه وقد ذكر أحدهم: ما شكوت الزمان ولا برمت بحكم السماء، إلا عندما حفيت قدماي، ولم أستطع شراء حذاء فدخلت مسجد الكوفة، وأنا ضيق الصدر، فوجدت رجلا بلا رجلين، فحمدت الله وشكرت نعمته عليّ. حينما يدخل السليم المُعافى إلى المشفى، وينظر إلى المرضي وهم يتألمون، بينما هو ينعم في وافر الصحة، يتذكر فضل ربه عليه بل أنه حينما ينظر إلى من لا بيت له ولا طعام عنده يستشعر نعمة الله عليه فإذا عدم ذلك كله نظر إلى من يعبدون البقر والحجر فاستشعر فضل الله عليه ونعمته التي غمره بها بأن جعله من المسلمين الذين لا يسجدون إلا له. قد ينظر الإنسان إلى صاحب الأموال فيراه السعيد الهانئ بحياته المتمتع بها، وهو لا يدري أن صاحب المال ربما يغرق في مصائب وبلايا عظيمة قد يراها في عينيه بسيطة، لكنها تنغص على الغني حياته وتحيلها جحيماً. لقد حكى لي أحدهم أن صاحب أموال وعقارات لا يستطيع النوم على فراشه إلا إذا تعاطى منوماً. إن الإنسان يمكنه أن يعيش لحظته الآنية سعيداَ وهو يتقلب في النعم يشكر ربه عليها، وينشرح صدره بها، بينما غيره لا يرى النعمة الآنية، ويعيش ألم المشاكل المستقبلية والتي لم يحن وقتها، ويتذكر نعم الماضي فيتجرع ألم الحسرة على ما فاته من نعم. إن نعم الله الكثيرة والتي تحيط بنا لا ندركها أحياناً إلا بعد فوات الأوان، حينما نفقدها. إن نعمة واحدة من نعم الله عليك تجعلك تسجد له ليل نهار، فيكفيك أخي سكون العروق في جسدك، فهي إن نبضت عليك وآلمتك ساعة لعرفت تلك النعمة ومقدارها. إن نعمة التبول والتبرز وهي التي يراها الإنسان من الأشياء الحقيرة ، بل أنه يأنف من ذكرها، لهي من النعم العظيمة يعرفها من حبس بوله أو برازه أو خرج أحدهما أو كلاهما من غير المجرى الطبيعي. هناك نعم كثيرة وعظيمة (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ). هل تفكرت يوماً في أن المنع من الله نعمة لا يقدرها إلا العارفون العالمون. فالله سبحانه وتعالى منعك من رؤية بعض الكائنات التي تحيط بك رحمة منه سبحانه بك، ولو أراك البكتيريا والجراثيم التي تسبح في الهواء بالمليارات وتملأ طعامك وشرابك، بل وتدخل أفواجاً إلى صدرك مع النفس لما استطعت الحياة في هذه الدنيا. ثم إنه سبحانه منع عنك رؤية حركة الجزيئات والذرات التي تهتز وتتحرك بصورة دائمة ومستمرة، ولو سمح لك بهذه الرؤية لما استطعت العيش وأنت ترى طعامك وشرابك ولباسك بل وجسمك كله يتحرك ويهتز لأنه مكون من ذرات وجزيئات. أيها الإنسان أنت تتقلب في نعم الله التي لا تُعد ولا تُحصى سواءاً كانت النعمة عطاء أو منعاً، فتمتع بحياتك وعش لحظاتها في سعادة واشكر الله يزدك من نعيمه وفضله.