وزارة التعليم العالي تطلق مشاريع جديدة لتعزيز الابتكار وربط الجامعة بالاقتصاد الوطني    الوزير العيد ربيقة يشارك في احتفالات الذكرى المئوية الثانية لاستقلال بوليفيا ممثلاً لرئيس الجمهورية    العلاقات الجزائرية-القطرية… نحو شراكة استراتيجية متنامية    ارتفاع قياسي في قيمة الأسهم المتداولة ببورصة الجزائر خلال السداسي الأول من 2025    إعادة تشغيل قطارات "كوراديا" وإطلاق شركة للنقل الجوي الداخلي: وزير النقل يعلن عن سلسلة مشاريع من ولاية معسكر    "مصائد الموت" قناع إسرائيل وأميركا في تجويع غزة    الخيارات الضرورية للعالم العربي    الحماية المدنية تواصل زياراتها الميدانية لتفقد تدابير مجابهة حرائق الغابات    وزارة الصحة تحذر من التسممات الغذائية وتدعو للالتزام الصارم بإجراءات النظافة    تظاهرة كانيكس 2025.. 6 أفلام جزائرية للمشاركة في المسابقة الإفريقية للأفلام القصيرة    من 28إلى 30 أكتوبر القادم..ملتقى دولي حول فنون العرض وتحديات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي    "الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته" عنوان العدد الاول : "أروقة العلوم" سلسلة جديدة عن المجمع الجزائري للغة العربية    رحلة لاكتشاف مدينة وهران: أطفال الجالية الوطنية يجددون ارتباطهم بجذورهم    الألعاب الإفريقية المدرسية-2025: الجزائر تتوج بلقب النسخة الأولى    حوادث المرور: وفاة 34 شخصا وإصابة 1884 آخرين خلال أسبوع    مرصد صحراوي يندد ب"الجرائم البيئية" قبالة سواحل مدينة الداخلة المحتلة    مونديال كرة اليد أقل من 19 سنة (ذكور): السباعي الجزائري من أجل مشاركة مشرفة في القاهرة    عنابة: عروض فنية متنوعة تتوج الألعاب الأفريقية المدرسية    عمار طاطاي مربي الأفاعي والتماسيح يُبهر زوار "نوميديا لاند"    أكثر من 200 صحفي دولي يطالبون بالدخول إلى القطاع    البرلمان العربي: اقتحام مسؤولين صهاينة للأقصى المبارك    النعامة : ضبط 68 كغ من الكيف المعالج    استعراض سبل تعزيز التعاون الثنائي بما يخدم اللغة العربية    كانكس 2025: اختيار ستة أفلام جزائرية قصيرة للمشاركة في مسابقة قارية    اتفاقية لإدماج الأحياء الجامعية رقمياً    المغرب يواصل انتهاكاته بالصحراء الغربية    ما نفعله في غزّة جريمة    يجب الموافقة على عرض القسّام    الرئيس يريد إصلاحاً شاملاً للعدالة    الوالي المنتدب يستعجل إنجاز المشاريع    هذه أهم محطّات الموسم الدراسي الجديد    اليابان مهتمّ بالتعاون مع الجزائر    بلايلي يهدي الترجي الكأس الممتازة    تسريح استثنائي للسلع    أسبوع ثقافي لأولاد جلال بالعاصمة    الجيش سيبقى الخادم الوفي للوطن    الجزائر متمسّكة بثوابتها الوطنية وخياراتها الاستراتيجية    عاشت الجزائر وعاش جيشها المغوار    الطبعة ال14 لمهرجان أغنية الراي بمشاركة 23 فنّانا شابا    بنك "BNA" يسجل ناتجا صافيا ب 48 مليار دينار    "نفطال" تطوّر آليات التدخل لمواجهة الطوارئ بكفاءة أكبر    سلطة الانتخابات.. مسابقة لأحسن بحث في القانون الانتخابي    الجزائر في النهائي    أيام للمالوف بقالمة    وَمَنْ أحسن قولاً ممن دعا إلى الله    المنتخب الوطني يعود الى أرض الوطن    الجزائر وسبع دول أخرى تقرر زيادة في إنتاج النفط    مشاركة مشرفة للجزائر وإشادة بالمستوى الفني والتنظيمي    ستة فروع في مهمة تحقيق مزيد من الميداليات    آليات جديدة للتبليغ عن الآثار الجانبية لما بعد التلقيح    سحب فوري للترخيص ومنع الوكالات من تنظيم العمرة في هذه الحالات    دعم التعاون بين الجزائر وزيمبابوي في صناعة الأدوية    راجع ملحوظ في معدل انتشار العدوى بالوسط الاستشفائي في الجزائر    فتاوى : الترغيب في الوفاء بالوعد، وأحكام إخلافه    من أسماء الله الحسنى.. الخالق، الخلاق    غزوة الأحزاب .. النصر الكبير    السيدة نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمع "صيدال"    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا هو الذكر
نشر في الجزائر نيوز يوم 28 - 08 - 2012

حديثنا اليوم عن الذكر ذكر الله تبارك اسمه وتعالى جده ولا إله غيره، فقد أمرنا الله بالإكثار من ذلك بقوله عز وجل: “يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا"، فهو أفضل الأعمال وأعلاها عند الله أجرا كما قال رسولنا عليه الصلاة والسلام: “ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم؛ فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟. قالوا: بلى. قال: ذكر الله".
أصناف الناس مع الذكر
والناس مع ذكر الله أصناف، كما يقول الغزالي: فصنف لا يذكرونه أبدا ولا يعرفونه، فلا تسمع لله ذكرا في كلامهم ولا مناقشاتهم، وإذا سكتوا فليس لله وجود ولا أثر في أعمالهم وأفعالهم، فهم لا يرعونه في أمرهم ونهيهم، ولا في رغبتهم ولا رهبتهم. وصنف يذكرونه ولكن عجزوا عن فهم معنى الذكر. فظنوه لغوا على الألسنة لا فهما بالعقل ورضا بالقلب. وربما ظنه بعضهم مجلس رقص وقفز ووثب وتأوه وجذب. ثم قلوبهم بعد ذلك بعيدة كل البعد عن استشعار جلال الله وهيبته.
شرف الذكر وأقسامه
إن ذكر الله تعالى أشرف ما يخطر بالبال، وأشرف ما يستقر في العقل، وأشرف ما يتعلق به القلب، وأشرف ما ينطق به اللسان. ولكننا نريد أن نفهم معنى الذكر بما يتفق مع ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله. فمن يتصفح كتاب الله والسنة المطهرة يعلم أن الذكر نوعان كما قال المشهداني:
أ- عام: فكل ما يتقرب به العبد لربه فهو ذكر لله عز وجل، فجوارح العبد لم تتحرك للطاعة إلا وذكر الله تعالى قد ساقها.
ب- خاص: هو ما يجري على اللسان والقلب من تسبيح وتنزيه وحمد وثناء على الله عز وجل. فمفهوم الذكر ليس قاصرا على ذكر اللسان وحركته، وإنما يجب أن يأخذ الذكر صورا كثيرة تتناسب مع أحوال الناس أو مع الأحوال التي يكون الناس فيها: فعندما يكون هناك أناس لا يعترفون بالخالق، ولا يؤمنون بالإله، ويكرهون الإيمان به فأعظم الذكر إقامة الحجة عليهم وأن نقول لهم كما قال سبحانه: “الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل له مقاليد السموات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون".. “قل من يرزقكم من السماء والأرض أمّن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر".. “أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون.." إلى قوله تعالى “فسبح باسم ربك العظيم". أما الذين يتخذون معه شركاء، فيكون ذكر الله عندهم بتوحيده، وإفراده بالعبودية والتوجه إليه وحده بالدعاء والرجاء “قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من المشركين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين".
عند المصائب
إن بعض الناس تنزل به المصائب، وتحيط به النوائب، فيشعر بالعجز عن تحمّلها أو دفعها.. فإذا كان مؤمنا ذكر الله فعلم أنه بكل شيء بصير، وعلى كل شيء قدير، وأن هذا امتحان منه سبحانه له، سريعا ما يمر وينقضي فيكون هذا الذكر مطمئنا لقلبه باعثا على الرضا..
مانعا من التسخط
فعقله يحسن الظن بربه.. “وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم"، “فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا". ولسانه لا ينطق إلا بالحمد: “الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون" وأما الجوارح فلا لطم ولا شق “فليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" فإذا ذكر الله اطمأن إلى أنه يأوي إلى ركن شديد.. وهو معنى قوله تعالى: “الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله".
ذكر الله عند النعم
ومن ذكر الله أيضا ذكره عند النعمة: فيعلم أنها من الله فيشكره عليها بقلبه ولسانه وجوارحه.. فيعترف بها باطنا، ويتحدث بها ظاهرا، ويستعملها في طاعة مسديها. فإن بعض الناس يكفرون نعم الله كما قال عنهم سبحانه: “وبنعمة الله هم يكفرون" قال ابن كثير: يسترونها ويضيفونها إلى غير الله. وقد ضرب الله لنا في القرآن أمثلة سأذكر لك منها مثلين: قارون: حينما أنعم الله عليه وآتاه من الكنوز ما لم يؤت أحدا من الناس، فكان أن قال: “إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي"!! فكانت العاقبة: “فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين".
والمثل الثاني هو سيدنا سليمان: أنعم الله عليه بتعليمه منطق الطير والحيوان، فلما سمع النملة وكلامها قال: “قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ". وعندما جاءه عرش بلقيس قال: “هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ". وهكذا ينبغي أن يكون حال المؤمن..
الذكر لله عند النعم.. وشكر هذه النعم بألا تلهيك عن ربك وعن آخرتك: “يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون".
ذكر الله عند القوة والقدرة.. ومن ذكر الله تعالى أن تذكره عند قوتك وقدرتك: فتعلم حقيقة أمرك: فأولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل بين جنبيك البول والعذرة. فتعلم قدر نفسك: وأنه لا حول ولا قوة لك إلا بالله. وتعلم قدرة الله عليك، وأنها أعظم من قدرتك على الخلق فتتواضع لهم ولا تستطيل عليه. وقد روى الإمام مسلم عن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال: كنت أضرب غلاما لي. فسمعت من خلفي صوتا “اعلم، أبا مسعود! لله أقدر عليك منك عليه"، فالتفت فإذا هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقلت: يا رسول الله! هو حر لوجه الله. فقال: “أما لو لم تفعل، للفحتك النار، أو لمستك النار".
ذكر الله عند الخلوة
ذكر الله تعالى يجيء للإنسان في أوقات فراغه.. وما أكثر أوقات الفراغ التي يخلو الإنسان فيها بنفسه.. وقد يسرح فكره على غير طائل، ويضرب في ميادين الوهم على غير هدى.. ولكنه إذا أحسن استغلال هذه الفترات فذكر من خلقه؟ من رزقه؟ من علّمه؟ من ربّاه؟ من ستره؟ من أكرمه؟ من كساه؟ من آواه؟ إذ ذكر ربه، وأحسّ نعمته، واعتبر، ورقّ قلبه، ودمعت عينه.. فإنه يغفر له.. فإن من بين من يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله: “رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" (متفق عليه).
ومن نماذج ذكر الله أن تكون وحدك، قديرا على ارتكاب أية رذيلة، ولكنك تشعر برقابة الله عليك، ويتحرك قلبك في جنبك ليعصمك من الزلل: “إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل... خلوت ولكن قل علي رقيب، ولا تحسبن الله يغف ساعة... ولا أن ما تخفيه عنه يغيب وعند الزلل أيضا: وذكر الله يُخامر قلب المؤمن عندما يزله الشيطان إلى ذنب يرتكبه في جنب الله.. إنه لا يبقى في وهدته التي انزلق إليها، إنه لا يبقى في سقطته التي جرّه الشيطان عندها، إنه يذكر أن له رباً يغفر الذنب، ويقبل التوب.. ولذلك فهو ينهض من كبوته، ويطهر نفسه، ويعود إلى ربه، ويستأنف الطريق إليه، كما قال الله: “وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون" (آل عمران:135).
والفارق بين مؤمن يذنب وفاسق يذنب، أن المؤمن سرعان ما يعودُ وميض الإيمان إلى ضميره إذا استطاع الشيطان أن يكسف نوره بشيء من الظلمة، أو بنفث من الدخان. أما الفاسق فإنه يبقى على ظلمته ما يرى فيها بصيص نور، فيبقى على نجاسته ما يعرف طريق التطهر.. قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَئِفٌ مّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ * وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَىِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ" (الأعراف:201، 202).
الذكر ضد الغفلة: إن الذكر يجيء ضدا للغفلة.. وما أكثر الغفلات، وفي محاربة النسيان.. وما أكثر ما يغشى عقل الإنسان من أسباب النسيان.. يجيء ذكر الله شعورا معنويا قبل أن يكون حركة شفتين.. يجيء هذا الذكر تحريكا لأقفال القلب حتى تنفتح، كما قال تعالى: “وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوّ وَالاْصَالِ وَلاَ تَكُنْ مّنَ الْغَافِلِينَ" (الأعراف: 205).
تضرعاً وخيفة.. تذللاً وخوفاً من الله.. هذا هو الذكر الذي حوّله المسلمون إلى مجالس عبث، وإلى صيحات منكرة وإلى نوع من المجون والعبث، وهو ما حذرنا الله تعالى من مشابهتهم في الوقوع فيه فقال: “وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَوات الدُّنْيَا" (الأنعام:70).
اليتيم في حياة النبي (صلى الله عليه وسلم)
إهتم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالمثل العالية والأخلاق السامية، التي تصوغ الحياة في إطار المودة والتعاطف، وتوحد طاقات المجتمع في بوتقة التكافل الاجتماعي.. وقد بين لنا (صلى الله عليه وسلم) ما ينبغي أن تكون عليه علاقة المؤمنين بعضهم ببعض، فجعلها مثل البناء المتلاحم الذي لا خلل فيه، فقال (صلى الله عليه وسلم): “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" (رواه البخاري).
وصور لنا النبي (صلى الله عليه وسلم) تلاحم العواطف، وقوة شعور الفرد بإخوانه المسلمين بقوله: “إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان، كما يألم الجسد لما في الرأس" (رواه أحمد). ومن ثم فإن رابطة الأخوة بين المسلمين توجب على الموسر منهم مساعدة المعسر، وأي عسر أعظم من اليتم ، فاليتم مظهر واضح للضعف، والحاجة إلى المعونة والرفق والرعاية..
وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من أوائل الذين لمسوا آلام اليتيم وأحزانه، ومن ثم اهتم (صلى الله عليه وسلم) باليتيم اهتماما بالغا من حيث تربيته ورعايته ومعاملته، وضمان سبل العيش الكريمة له، حتى ينشأ عضوا نافعا، ولا يشعر بالنقص عن غيره من أفراد المجتمع، فيتحطم ويصبح عضوا هادما في الحياة.. فقال (صلى الله عليه وسلم) حاثا وآمرا ومحفزا على رعاية اليتيم: “أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا" (رواه البخاري). قال ابن بطال: “حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي (صلى الله عليه وسلم) في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك".
وجعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الإحسان إلى اليتيم علاجا لقسوة القلب، وإن أبعد القلوب عن الله القلب القاسي، فعن أبي الدرداء (رضي الله عنه) قال: أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) رجل يشكو قسوة قلبه، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): “أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟، ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك" (رواه الطبراني). كما بشر النبي (صلى الله عليه وسلم) من أحسن إلى اليتيم ولو بمسح رأسه ابتغاء وجه الله بالأجر والثواب الكبير، حيث قال (صلى الله عليه وسلم): “من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده، كنت أنا وهو في الجنة كهاتين" (رواه أحمد). وهذا التوجيه الذي ذكره الرسول (صلى الله عليه وسلم) من مسح شعر اليتيم، هو الحد الذي لا يصعب على أحد، ويمكن أن يقوم به كل إنسان، فيشعر اليتيم بالحب والحنان، ثم هو يجلب له الحسنات. بل كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يحرص كل الحرص على رعاية مشاعر الأيتام وإدخال السرور عليهم، ففي قصة اختصام أبي لبابة (رضي الله عنه) ويتيم في نخلة، قضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأبي لبابة بالنخلة، لأن الحق كان معه، لكنه (صلى الله عليه وسلم) لما رأى الغلام اليتيم يبكي، قال لأبي لبابة: “أعطه نخلتك، فقال: لا، فقال أعطه إياها ولك عذق في الجنة، فقال: لا، فسمع بذلك ابن الدحداحة فقال لأبي لبابة: أتبيع عذقك ذلك بحديقتي هذه؟ فقال نعم.. ثم جاء رسول الله (صلى الله عليه وسل) فقال: النخلة التي سألت لليتيم أن أعطيته ألِي بها عذق في الجنة؟! فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نعم. ثم قُتِل ابن الدحداحة شهيدا يوم أحد، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): رُب عذق مذلل لابن الدحداحة في الجنة (رواه البيهقي). وقد مدح النبي (صلى الله عليه وسلم) نساء قريش لرعايتهن اليتامى ، فقال (صلى الله عليه وسلم): “خير نساء ركبن الإبل نساء قريش، أحناه على يتيم في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده" (رواه أحمد).
ولما مات جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه) تعهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) أولاده وأخذهم معه إلى بيته، فلما ذكرت أمهم من يتمهم وحاجتهم، قال (صلى الله عليه وسلم): “العيلة (يعني الفقر والحاجة) تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة) رواه أحمد.
ثم إن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يقتصر في اهتمامه باليتيم على أسلوب الحث والترغيب، بل استخدم أيضا أسلوب التحذير من الإساءة إلى الأيتام، أو أكل أموالهم بالباطل، بحيث لا يُقْدم على فعل ذلك إلا من قسى قلبه، وغلبت عليه شقوته، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “اجتنبوا السبع الموبقات (المهلكات)، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" (رواه البخاري). فعدَّ الرسول (صلى الله عليه وسلم ) أكل مال اليتيم من السبع الموبقات، ومن كبائر الذنوب وعظائم الأمور.
ولخطورة وعظم حق مال اليتيم، وجه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من كان ضعيفا من الصحابة ألا يتولين مال يتيم، فعن أبي ذر (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: “يا أبا ذر، إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على إثنين، ولا تولين مال يتيم" (رواه مسلم). وقد ترجم المسلمون الأوائل هذه التوجيهات النبوية ترجمة عملية. ومن ينظر في حال سلفنا الصالح، يظهر له بوضوح مقدار الحرص على رعاية اليتيم وكفالته، طلبا وبحثا عن ترقيق القلوب والأجر العظيم، ومرافقة النبي (صلى الله عليه وسلم) في الجنة، فهو القائل (صلى الله عليه وسلم): “أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا (رواه البخاري).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.