بقلم: أحمد برقاوي* يدل الاسم عليّ، كما يدل عليك. إذاً الاسم جزء لا يتجزأ من هويتي. فبه أُعرف، مسطور في بطاقة الهوية الشخصية، على غلاف كتابي، في دائرة الأحوال الشخصية، على الباب الخارجي لبيتي، اسمي هو أنا. غير إني لم اختر اسمي، لقد اختاره آخر لي، وليكن أبي أو أمي أو جدي، فهو اسمي الذي لا خيار لي به، سواء أعجبني أو لا. لكن اختيار اسمي، في كل الأحوال، تمّ لدوافع كثيرة، قد يكون اسماً لجدي، أو لخالي، أو تخليداً لذكرى صديق أو تيمناً باسم نبي أو مبدع أو رجل تاريخ أو مجرد اسم جميل. مازلت أتحدث بالبسيط المعروف الذي لا يضيف شيئاً جديداً إلى وعي القارئ لكن الاسم عند العرب هو ليس مجرد دال على هذا الشخص أو ذاك من حيث الهيئة، بل تحمل بعض الأسماء لدينا إرث الاختلاف والتناقض، ولهذا فكثير من الأسماء ذات الدلالة الرمزية التاريخية تشير إلى هويتك الدينية. فالمسلم يندر أن يسمي بطرس أو إلياس أو عبد المسيح أو شمعون رغم اعترافه بالمسيحية كدين سماوي، لكنه يسمي عيسى ومريم، كما يسمي موسى وداوود ويعقوب من منطلق الاعتراف بأنبياء اليهود وبالمسيح. فيما لن تجد، إلا ما ندر، مسيحياً باسم أحمد ومحمد أو مسيحية باسم خديجة أو فاطمة. فعدم اختيار المسيحي لهذه الأسماء دليل على عدم الاعتراف، وليس دليلاً على العداء، وهذا أمر يدل على نمط من الوعي المتوارث بالهوية الدينية. وكل الطوائف الشيعية وذات الأصل الشيعي لا تسمي أبناءها باسم عمر وبكر ومعاوية ويزيد، كما لن تجد امرأة منهم باسم (عائشة). فيما لا تجد لدى أهل السنة تحفظاً على أيٍ من أسماء المسلمين. وهكذا يتحوّل الاسم من مجرد خيار فردي جمالي إلى خيار أيديولوجي ديني وطائفي. هوية جمعية لكن الأمر اللافت للنظر ليس ما سبق وعرضت، بل ظاهرة غريبة وعجيبة وتستدعي إمعان النظر بدلالاتها وهي الظاهرة الآتية: لقد انتشرت على امتداد الوطن العربي الأيديولوجيات القومية والشيوعية، فلقد عمت الناصرية زمن عبد الناصر المنطقة، وانتشر البعث من تونس إلى العراق، وامتد نفوذ حركة القوميين العرب من بلاد الشام إلى اليمن، وانتشرت الأحزاب الشيوعية على نحو واسع، ناهيك عن الليبراليين المنتشرين في كل مكان وهذا يعني أن مئات الألوف من العرب قد تحرروا، من حيث المبدأ أو هكذا يجب أن يكون، من أية هوية ضيقة ومن إرث الماضي الذي يفرق، وهذا ما يجب أن ينسحب على الموقف من الاسم، ولكن تاريخاً طويلاً من حضور هذه الأيديولوجيات الكبرى لم يغير من واقع الأمر شيئاً، حيث بقي الموقف من الأسماء ذات الرمزية التاريخية هو هو. فمن شأن القومي العربي الذي جمع العربي السني والشيعي والعلوي والدرزي والمسيحي أن يجعل الرابطة القومية هي الرابطة العليا وهي جوهر الانتماء وهذه الرابطة يجب أن تقوده إلى النظر إلى الأسماء التاريخية العربية على أنها تعبير عن هويته القومية فقط، وكان يجب أن نشهد انتشاراً متبادلاً للأسماء عند الجميع كأن نشهد انتشار اسم محمد أو أحمد لدى القوميين العرب المسيحيين، وانتشار عمر ومعاوية في أوساط القوميين الشيعة وهكذا. غير أن هذا لم يحصل، كما لم يحصل عند السوريين القوميين، ولا عند الليبراليين هل بإمكاننا أن نستنتج من هذه الواقعة أن الأيديولوجيات القومية العلمانية والليبرالية لم تكن إلا قشرة خارجية وهوية سطحية؟! وإن الهوية الدينية والهوية الطائفية ظلت هي الأعمق والأثبت؟! والحق إن واقعة الاسم التاريخي هذه تشير، ولا شك، إلى هشاشة الهوية الأيديولوجية التي لم تستطع اختراق الموروث حتى على مستوى الاسم. فإذا كانت هذه الأيديولوجيات عاجزة عن اختراق عالم الاسم فكيف لها أن تخترق عالم الهوية والمعتقد؟