إيران تواصل ردها الحازم على عدوان الكيان الصهيوني وانتهاك سيادتها وسلامة أراضيها    لجنة صحراوية تناشد المنتظم الدولي الضغط على المغرب لاحترام حقوق الإنسان    قسنطينة: الطبعة ال11 للمهرجان الدولي للإنشاد من 25 إلى 30 يونيو    الجيش الوطني الشعبي: توقيف 9 عناصر دعم للجماعات الإرهابية خلال أسبوع    مسراتي تشارك بفيينا في دورتين حول تنفيذ الإتفاقية الأممية لمكافحة الفساد ومنعه    كأس إفريقيا سيدات 2024: المنتخب الجزائري يواصل تحضيراته بوهران    الشلف: تسجيل أزيد من 300 مشروع على مستوى الشباك الوحيد اللامركزي للاستثمار    المصادقة على حصيلة سوناطراك    عُمان ضيف شرف الطبعة ال56    الرئيس يستقبل سفير بريطانيا    تخرج دفعة ضباط وطلبة    الأمم المتحدة تحذر من تأثير الذكاء الاصطناعي على تزايد خطاب الكراهية عالميا    رُعب في قلب تل أبيب    زوالها مسألة وقت... واسألوا نتنياهو    نحو إدراج 40 تخصصا جديدا    الخضر يتوّجون    خطّة عمل لتوفير أفضل ظروف الاصطياف    أين حقّ الملايين في الاستجمام؟    محكمة بريكة بباتنة: إدانة عدة أشخاص بالحبس بتهمة المساس بنزاهة امتحان شهادة البكالوريا    تعارف الحضارات محور ملتقى دولي بالجزائر    مرّاد يستقبل المخرج السعيد عولمي    هذه أسباب زيادة الخير والبركة في البيت    التلاحم بين الشعب الفلسطيني و المقاومة الباسلة لا تكسره المؤامرات    تدشين مصنع لإنتاج الأدوية القابلة للحقن    موجة حر وأمطار رعدية    رهان على الرقمنة لتتبُّع المفقودين    تكذب خبر إجراء رئيس الجمهورية لأي لقاء إعلامي مع صحف أجنبية    تتويجا للإصلاحات الهيكلية العميقة التي بادرت بها الدولة    فلسطين : 50 شهيدا في قصف صهيوني بخان يونس    يرتقي بالقطاع ويؤكد حق المواطن في التمتع المجاني بالشواطئ    بومرداس : توقيف سائق شاحنة قام بمناورات خطيرة    الوقاية من الأمراض المتنقلة أمر بالغ الأهمية    تنظيم دخول اجتماعي موحد وإعداد منصة لتسيير المؤسسات الشبانية    الاستفادة من التظاهرة للترويج للمنتج الوطني    لا حلول لأزمة الشرق الأوسط إلا بالدبلوماسية والتزام حسن الجوار    تسخير البحث العلمي لتحقيق الأمن الغذائي وترشيد النّفقات    خطّة ب3 محاور لتفعيل المجمّعات الصناعية العمومية الكبرى    الرابطة الاولى "موبيليس": شباب بلوزداد يفتك الوصافة من شبيبة القبائل, و الصراع متواصل على البقاء بين ترجي مستغانم و نجم مقرة    حين تتحوّل المنمنمات إلى مرآة للروح القسنطينية    "فترة من الزمن"....عن الصمود والأمل    دعوة لمرافقة الشباب نفسيا في زمن التحولات    نادي "سوسطارة" يعود إلى سكة الانتصارات    التعاون السعودي يسعى إلى التعاقد مع نور الدين زكري    مدرب نادي ليل الفرنسي يصر على بقاء نبيل بن طالب    تجديد وحدة حقن الدم بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا    السيد سايحي يشرف على تنصيب اللجنة الوطنية لأخلاقيات الصحة    الجزائر/الأردن: تدشين مصنع لإنتاج الأدوية القابلة للحقن تابع ل "حكمة فارما الجزائر"    تعارف الحضارات محور ملتقى دولي السبت المقبل    الفاف تحدّد شروط الصعود والنزول    مرتبة ثانية لسجاتي    إطلاق موجة جديدة من الهجمات الصاروخية    احياء التظاهرات المرتبطة بالثورة التحريرية المجيدة    دعم تربوي ونفساني للأطفال المصابين بالتوحد    الحماية الاجتماعية مبدأ مكفول قانونا لكل جزائري    على الكاتب المساهمة في بناء الوطن    لماذا تتضاعف أسباب الهم والغم هذه الأيام؟    كيف يقضي المريض الصلوات الكثيرة الفائتة؟    "واللَّه يعصمك من الناس"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهروب الكبير للقيادة العامة للقوات المسلحة العراقية
نشر في أخبار اليوم يوم 27 - 05 - 2015


بقلم: مثنى عبد الله *
سموها ما شئتم، الهروب الكبير أو الفرار الأضخم، العار الأكبر أو الفضيحة المجلجلة، وإذا كنتم تودون المداهنة وممارسة اللعب بالكلمات وتغيير معاني الألفاظ فسموها نكسة، كي يكون وقعها على زعامات الجهل أخف وطأة.
المهم أن الخيبة الكبرى في الأنبار قد حدثت، وطبيعة الخيبات الاستراتيجية أنها تبقى أكبر من كل الوصف. تذكروا جيدا عهد القائد العام للقوات المسلحة لشعبه، بأن الانبار لن تسقط، وطالعوا تصريحات وزير دفاعه قبل أيام معدودة من الهروب الكبير حين قال (إنني لن أكون إلا صادقا وأمينا مع العراقيين ومحافظا على أموالهم، وأود أن اقول لهم إن هناك من يتربص بكم ويتاجر بدمائكم، فتوخوا الحذر من المعلومات التي يروج لها أقزام الإرهاب). هذه التصريحات الفنتازية جاءت للرد على بعض الأخبار، التي تحدثت عن قيام تنظيم الدولة بمحاصرة العديد من الجنود والضباط في منطقة الثرثار وقتلهم، والتي على أثرها انطلقت حملة إعلامية كبيرة قادها القائد العام، الهدف منها تعزيز الثقة بقدرات الجيش العراقي، والتحذير من المساس بمعنوياته، وضرورة مراعاة وضعه النفسي.

فضائح مدوية
وقد حاولنا أن نصدق عهد القائد العام، ونؤمن بأمانة وزير دفاعه معنا، ومحافظته على أموالنا من المتربصين والمتاجرين بنا كما قال، وانصعنا إلى نصيحته فتوخينا الحذر من معلومات أقزام الإرهاب، وعلى الرغم من إيماننا المطلق بأن القائد العام ووزير دفاعه وكافة شركاء العملية السياسية، هم من عتاة الجهلة والأميين في حقول السياسة والعلوم العسكرية والأمنية والاقتصاد، لكننا قررنا أن لا نمس مشاعر الجيش في مقالاتنا، وأن نكف عن القول إن جحافله هربت من الموصل أمام بضع مئات من المسلحين، ورددنا نغمة أن الموصل بيعت، كما هم يقولون، كما قررنا أن نجامل الحكومة وعنتريات رئيس البرلمان، وأن نصفق لعمليات تحرير صلاح الدين، التي تمت بفعل التلاحم البطولي بين الشيعة والسنة في قوات الحشد، كما يريدون، على الرغم من المذابح والسرقات وحرق الدور وأماكن العبادة، وعدم السماح بعودة أهلها إلى مساكنهم حتى اليوم، لكن المفاجأة الكبرى أننا رأينا صناديد هذا الجيش يهربون مرة أخرى في الأنبار، ويتركون مرة أخرى أسلحتهم ومعداتهم وآلياتهم ودروعهم ودباباتهم في المعسكرات، هدية كبرى لعناصر التنظيم، بل أن الضباط نسوا أن لديهم بعض الجنود الموقوفين في سجون الوحدات العسكرية بقضايا انضباطية بسيطة، ولم يفتحوا لهم الأبواب كي يهربوا معهم، فكانوا فريسة سهلة لعناصر التنظيم، حتى الجرحى تركوهم في أماكنهم وفروا.
تساؤلات
وها هي النغمة نفسها تعود مرة أخرى فقالوا إنه انسحاب تكتيكي، ويقول مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأمريكية (لم تُطرد القوات العراقية من الرمادي بل خرجت بنفسها) بمعنى أنها تبرعت بأسلحتها ومواقعها إلى تنظيم الدولة. وتحدثت مصادر أخرى عن أن قرار الهروب كان من قائد ميداني، خمّن أن الغطاء الجوي لن يتوفر لقطعاته للقتال بسبب عاصفة رملية، فحرص على سلامتهم وأعطاهم أمر الهروب. هنا لابد أن نتساءل أين الخبراء والمستشارون الأمريكان والإيرانيين ومن حلف الناتو؟ أين غرفة التنسيق الاستخباراتي المشتركة العراقية الأمريكية، والعراقية الإيرانية، والعراقية الأردنية؟ ألم يقولوا أن التنظيم قد تراجع، وأنهم مجرد جرذان يختبئون في جحور الصحراء، وأن زعيمهم بات مشلولا، وأن نائبه أبو علاء العفري قد قتله القصف الأمريكي؟ إذن لماذا لم يبق في الأنبار خارج سيطرتهم سوى قاعدة عين الأسد، التي بات أسدها يزأر وحيدا من الخوف في الصحراء؟ ربما السؤال الأهم هو هل يستحق هذا اللاشيء أن يسمى جيشا؟ قد ينتقدنا ويشتمنا البعض حينما نصفه هكذا، لكن تذكروا جيدا كيف أن الجيش السابق كان سبب حله أنه ارتكب جرائم بحق العراقيين. هكذا قالت أحزاب الاسلام السياسي الشيعي والأحزاب الكردية، وبعض الزعامات السنية الذين كانوا في أحضان المخابرات الأمريكية والبريطانية. فإذا كان الجيش السابق بكل تاريخه المُشرّف تم حله لذلك السبب، فماذا أنتم فاعلون بالجيش الحالي، الذي كان ومازال يمارس دور الشرطة المحلية في السيطرات بين المدن والاحياء والأزقة، ويعاني من الفساد والطائفية وبيع الرُتب، ويفتقر إلى أبسط قواعد الضبط العسكري، وعندما حصلت المواجهة هرب من ميدانه الذي هو في داخل المدن وليس على التخوم، أمام بضع مئات أو عشرات من المسلحين، مجرد مسلحين وليسوا جيشا غازيا؟ وإذا كان القائد العام السابق وأعوانه قد هربوا من دون حساب، فعلام القائد العام الحالي مارس الدور نفسه، وهو الذي قالوا إنه اتى كي يصلح ويغير؟ والجواب بسيط جدا، عندما تكون الاستراتيجية صحيحة، حتى لو كان التنفيذ فيه بعض الفشل على المستوى المرحلي وفق ظروفه الخاصة، فالنهاية تبقى دائما ناجحة، أما عندما تكون الاستراتيجية خاطئة، وهنالك بعض النجاحات المرحلية من وقت لآخر، فإن الفشل سيكون حتميا. النجاح الإستراتيجي يحتم الإمساك بكل عوامل النجاح، والقائد العام ليس بيده أي من هذه العوامل لأن اللاعبين في المشهد كثر، دوليين وأقليميين ومحليين، بعضهم يمسك السماء وهو وحده يحدد أيا من الأهداف يضرب أو لا يضرب، والآخر يدفع بمليشياته كي تأخذ موقع الريادة والصدارة على كل الأجهزة العسكرية، وآخرون يتزعمون الطوائف والإثنيات ويتشاركون في صنع القرار، لكن عليه هو ووزير دفاعه أن يعلما بأن القائد يسقط عندما تسقط هيبته، أي أن مصيره محدد في الأعمال العسكرية الحربية التي يخوضها. كما أن سعي البعض إلى اتهام العشائر بأنها لم تتحمل مسؤولية الدفاع عن مناطقها، وهي التي تتحمل وزر هروب الجيش والشرطة، إنما هو محاولة فاشلة للتهرب من المسؤولية. فالدول الحديثة التي تحترم نفسها هي التي تبني منظومات الدفاع عن كياناتها بمؤسسات وطنية مركزية، وليس بعشائر وقبائل وحشود شعبية تتصرف كما تريد بعيدا عن سياسة الدولة.
إن المعضلة الكبرى في العراق هي أن السلطة مازالت تصر على المقاربة العسكرية، مستبعدة الحل السياسي تماما من أجندتها، وقد يحسم الحل العسكري الوضع على الأرض، لكنه سيكون مرحليا وهامشيا وكلفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية كلف كبرى، لأن عدالة الدولة لا يمكن فرضها بالقوة على الآخرين، إنها عملية إقناع بممارسات فعلية عادلة تثبت لهم أنها تستحق الطاعة فيخضعون لها راغبين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.