إقبال واسع على الجناح الجزائري في معرض "صالون إفريقيا" المنظم بمدينة يوكوهاما اليابانية    العدوان الصهيوني: اعلان الأمم المتحدة قطاع غزة منطقة مجاعة يستدعي تدخلا دوليا    بطولة الرابطة الاولى"موبيليس"/2025- 2026/: بداية موفقة لشباب قسنطينة وأولمبيك أقبو    أول رحلة بين الجزائر وتمنراست الإثنين المقبل    متعاملو الهاتف النقال ملزمون بتوسيع مجال التغطية    بلورة رؤية ناجعة لأنشطة المجتمع المدني    الأمم المتحدة تعلن رسميا تفشي المجاعة بقطاع غزة    الجزائر تدفع إلى التكامل بين الهياكل الأمنية والحوكمية للقارة    بطاقة "ذهبية" خاصة بالطلبة الجدد    خطوة مهمة في مسار تيسير الخدمات القنصلية    " صيدال" يكرّم أحد أبطال الإنقاذ في كارثة وادي الحراش    معركة "مركالة" 1956... فخر تندوف وعربون انتماء إلى الوطن    الخطوط الجوية الداخلية: اطلاق أول رحلة الجزائر - تمنراست يوم الاثنين    الجزائر تنهي المنافسة ب 23 ميدالية منها ست ذهبيات    أخبار اعتزالي غير صحيحة.. وهدفي أولمبياد 2028    انطلاقة ناجحة ل"الحمراوة" في انتظار التأكيد    حملات واسعة لتنقية الوديان والبالوعات    قتيل ومصابان في انحراف سيارة    "صيف بلا خطر".. حملة لحماية المصطافين    حجز أزيد من 2 طن من القنب الهندي وأكثر من 5 ملايين قرص مهلوس خلال الثلاثي الثاني من 2025    أفلام الثورة تُلهب مشاعر جمهور الفن السابع    مسرحية "أميرة الوفاء" تفتك "القناع الذهبي"    عنابة تعيد رسم ملامح المدينة المتوسطية الرائدة    المهرجان الوطني للموسيقى والأغنية الشاوية بخنشلة: سهرة ثانية على وقع الطابعين الفلكلوري والعصري    نشاطات ثقافية متنوعة في بونة    اقتصاد المياه: حملات تحسيسية لترشيد وعقلنة الاستهلاك    مؤتمر طوكيو الدولي "تيكاد 2025": السيد واضح يؤكد التزام الجزائر بتعزيز مكانة إفريقيا كقوة اقتصادية فاعلة    حيوانات برية: حجز قرابة 1200 صنف محمي خلال السداسي الأول    وهران: تدعيم المؤسسات الصحية ب 134 منصبا جديدا لسنة 2025    المغرب: أزمة البطالة تكشف زيف وعود الحكومة    مؤسسة "بريد الجزائر": إصدار بطاقة دفع إلكتروني موجهة للحائزين الجدد على شهادة البكالوريا    البطولة الإفريقية لكرة القدم للاعبين المحليين-2024 (مؤجلة إلى 2025) (السودان/الجزائر): "الخضر" من أجل مكانة في المربع الذهبي    ذكرى إحراق الأقصى: منظمة التعاون الإسلامي تؤكد مركزية قضية القدس في وجدان الأمة الإسلامية    العدوان على غزة: غوتيريش يشدد على أن المجاعة في القطاع لا يمكن أن تستمر "دون عقاب"    كرة القدم"شان-2024"/المؤجلة الى 2025/: المنتخب الوطني يجري أول حصة تدريبية بزنجبار    بمشاركة منشدين من ثمانية دول.. انطلاق الطبعة ال11 من البرنامج الإنشادي "حادي الأرواح"    ابتسام حملاوي : اللقاءات مع المجتمع المدني فرصة لرصد التطلعات والاقتراحات    الجزائر العاصمة : "المواطنة في ظل الاحتلال الفرنسي للجزائر والثورة التحريرية" محور ندوة    الأمين العام للاتحاد العام للعمال الصحراويين : تحقيق العدالة الاجتماعية في إفريقيا يستوجب تحرير القارة من كل مظاهر الاستعمار    بمشاركة الوزير نور الدين واضح ممثلاً لرئيس الجمهورية.. الجزائر تعزز حضورها الدولي في تيكاد 2025    حج 2026: تنصيب لجنة دراسة العروض المقدمة للمشاركة في تقديم خدمات المشاعر    انطلاق الطبعة الخامسة للقوافل الطبية التطوعية باتجاه مناطق الهضاب العليا والجنوب الكبير    التُجّار الموسميون يغزون الشواطئ    أيام لطوابع الجزائر    30 سنة على رحيل سيراط بومدين    خنشلة:افتتاح المهرجان الوطني الثاني للموسيقى والأغنية الشاوية وسط أجواء بهيجة    الجزائر تجدد التزامها بتنفيذ الإستراتيجية الأممية    16 فريقاً على خط الانطلاق.. بأهداف متباينة    الجزائر تواجه السودان    ابتكار دواء للسرطان    عرقاب يستقبل الأمين العام لمنتدى الدول المُصدّرة للغاز    هذه الحكمة من جعل الصلوات خمسا في اليوم    الدولة تولي أهمية خاصة لتشجيع الكفاءات الوطنية    فتاوى : هل تبقى بَرَكة ماء زمزم وإن خلط بغيره؟    خالد بن الوليد..سيف الله المسنون    قتلة الأنبياء وورَثتُهم قتلة المراسلين الشهود    مناقصة لتقديم خدمات المشاعر المقدسة في حج 2027    الوضوء.. كنز المؤمن في الدنيا والآخرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غزة مدينة على صورة أهلها


بقلم: إبراهيم نصر الله*
رحل محمد رجب التوم أكبر معمر فلسطيني عن مائة وسبعة وعشرين عاما ملوّحا لغزة ولزمن ليس كبقية الأزمنة زمن طويل صاخب قاتل جاف متواطئ وحشي.
في هذا الرجل شيء عميق من ذلك السحر الذي يسكن اسم فلسطين ومعناها فلسطين المتجددة التي كلما فتحت شباكها في الصباح أنجبت شمسا جديدة وكلما أبدعت أغنية أو قصيدة اهتدت لطريق يؤدي إلى البحر وكلما تصفحت ليلها ولد نجم جديد به نعرف الطريق الأكثر وضوحا للمدن والقرى والبيوت والبيارات والجبال التي لا تعرف الانحناء.
كان شاعرنا العربي القديم يقلِّب العمر باكيا وقد بلغ الثمانين هاجيا السأم وعكازة لم تعد تعرف الطريق كأعين حاملها ولم يكن شاعرنا ذاك هو الأول كما لم يكن الأخير فلطالما وجد الإنسان نفسه في ذلك الطريق الذي يأخذ بالضيق قليلا قليلا حتى يتحول إلى نقطة كالصفر لا تتسع لجسد ولا روح.
إنه زمن طويل طويل للغاية أن تعبر ثلاثة قرون وترى كل الذي مر شاهدا وشهيدا على بشر يرحلون وبشر يولدون وأحباء يمحون بقدومهم أحزان رحيل أحباب آخرين وبيوت تهدم وأخرى تصعد من جديد ووجوه تطل وتختفي تاركة خلفها دائما ذلك الأثر الذي لا تمحوه حرب ولا يرممه سلام مريض.
كم مرة ولدت غزة على ذلك الشاطئ؟ كم مرة أنجبتْ نفسها؟
حرب واحدة تكفي لكي تصرخ الأرض يكفيني موت وتصرخ الأشجار يكفيني نار وتصرخ البحار يكفيني ظلمة وتصرخ الأمهات يكفينا طرق لا تعيد إلينا قلوبنا. ويصرخ الساحل أنا ملعب للصغار لا لبكاء ألعابهم عليهم كلما قتلتهم بارجة لا يجد القتلة الذين فيها من سبيل لتبديد ضجرهم إلا المجزرة.
ما الذي خطر ببال محمد رجب وهو يمدّ يده فتى ويلمس مطر الصباح في اليوم الأول من القرن العشرين وهو يرى مَن حوله يساقون إلى حروب بعيدة في أماكن لم يسمع بها ولم يسمعوا ثم ليمضي نفسه إلى الحرب شابا في عصر الإمبراطورية العثمانية ويعود وقد رحلت الإمبراطورية ليجد في انتظاره إمبراطورية أخرى على أبواب غزة.
ما الذي خطر بباله شيخا وهو يتحسس رؤوس أبنائه وأحفاده وهو يعبر القرن الحادي والعشرين وكل ذلك الموت الصهيوني يحوِّم في الفضاء؟
امبراطوريات تذهب وأخرى تأتي لتذهب بدورها ويواصل محمد رجب تأمّل ما يراه كما لو أنه شاهد على التاريخ وهشاشته وشاهد على هشاشة أباطرته وزعمائه وشاهد على غزة التي كلما نفضت الرماد عن جسدها أصيبت بحرب أخرى وشاهد على غزاة جدد وجدران أعلى وأبواب مغلقة لا مجد لمن يتحكمون بمفاتيحها سوى تذللهم وهزيمة ضمائرهم وتفسخ أرواحهم.
ذات يوم كتب معين بسيسو في مذكراته عن أيام سجنه في غزة: على حائط كل زنزانة يرسم السجين سفينة أو طائرا..
كم من سفينة وطائر رسم محمد رجب على جدران غزة وهوائها ورمالها ومائها وهو يرى السجن مقيما والبحر مطاردا والساحل ملعبا للقذائف والبيوت تعود إلى أصلها ترابا كالبشر كلما تفتحت شهية القتلة.
أزمنة طويلة مرت وكلما جاء احتلال تحررت منه غزة وكلما تحررت تحولت إلى سجن من جديد.
المدينة الفاضلة
تلك المدينة التي سمّاها اليونانيون (المدينة العظيمة) ذروة الجنوب الفلسطيني خضرةً ونهاية برِّ سيناء القاسي. تلك المدينة الكنعانية الفاتنة التي كانت محط القلوب ومحط الأطماع كما لو أن كل جمال يوقظ غريزة التملك.
غزة التي قاومت سرجون الأكادي الملك البابلي وقاومت قمبيز في عهد الفرس وصمدت عاما في وجه واحد من أعظم محاربي التاريخ: الأسكندر المقدوني ووقفت في وجه نابليون لتعيق وصوله إلى عكا. وبين حصار وحصار كانت تنهض ويعمّها الرخاء من جديد إلى حد التجاء قنصل فرنسا في بلاد الشام ذات يوم إلى واليها: حسين باشا للاقتراض منها ليسد العجز الذي هزّ ميزانية بلدية باريس. لكن الدكتور عصام سالم سيذهب إلى ما هو أكثر اتساعا من ذلك حين يقول: في الوقت الذي كان فيه السان جرمان يُغلق ليلا وكانت أضواؤه تطفأ كانت أنوار غزة في ثمانينيات القرن السادس عشر لا تطفأ أبدا!
لا يعرف المرء كم من بقعة أرض صغيرة بحجم غزة قد عاشت كل هذا الموت وعاشت كل هذا التحدي وعاشت كل هذا الأمل وتمسكت به.
لا لم يكن محمد رجب ومن مثله من سيدات غزة ورجالها على خطأ حين تمسكوا بالأمل حين عاشوا وأنجبوا ورعوا ووزّعوا ذاكرتهم في أبنائهم وأحفادهم.
غزة التي كلما جاءها محتل وجد نفسه يتسلل حاملا هزيمته هاربا في كل مرة قبل أن تصحو من نومها وكلما حاصرها أحد لم يعش سوى ارتجاف يديه القابضة على مفاتيح العار.
إنه رجل على صورة مدينته ومدينة على صورة أهلها..
وبعد:
أوصيكَ يا والدي دائمًا
حين تمتدُّ أرض السواحل عاريةً
أو يكثر الجند حولكَ
كن في امتداد السهول كجبلْ
وكن أنت دولتكَ العاليةْ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.