من المسلم به أن عدد المحامين في الجزائر كبير جدا، المحامون المعتمدون والذين هم في طور التربص والذين هم على أبواب التخرج بأعداد غفيرة، معدلات الجريمة أيضاً في الجزائر ترتفع بشكل رهيب رغم الإجراءات الصارمة التي تتخذها الدولة بغية الحد أو التقليل من نسبة الجريمة في المجتمع الجزائري، وبطبيعة الحال فإن كل متهم يقابله دون شك محام، يتوكل للدفاع عنه، فمن الحقوق الأساسية التي يكفلها القانون لأي متهم أن لا يخضع للمحاكمة إلا في وجود محام بجانبه، والذي تعينه المحكمة طوعيا في بعض الحالات، عندما لا يتمكن المتهم أو أهله من توكيل محام له، فالمهم أن لا يمثل المتهم أمام هيئة المحكمة بدون محام. وإن كانت الكثير من أسر المتهمين على اختلاف التهم الموجهة إليهم تسعى جاهدة للبحث عن أشطر المحامين للدفاع عن أبنائهم وإثبات براءتهم أو المساهمة في تخفيف الأحكام الصادرة بحقهم، فإن أسرا أخرى تلجأ إلى دفاع بشكل آخر، صاحبه لم يرتد الجبة السوداء يوماً، ولم يقسم أبداً، ولم يتخرج من كلية الحقوق، يتجهون ببساطة إلى بعض الرقاة والمشعوذين، أو إلى بعض الحيل والتصرفات التي يعتقدون أن من شأنها التأثير في قرارات القاضي، مهما كان حجم ملف القضية الموضوع أمامه، ولا يمنع بعض أقارب المتهمين أحيانا لا الخوف من العقاب ولا من إمكانية تعرضهم إلى مواقف سخيفة أو محرجة أو إلى التوبيخ والطرد من قاعات الجلسات، من ممارسة هذه الأعمال. يقول بعض المترددين على بعض المحاكم المنتشرة بالعاصمة كمحكمة الحراش ومحكمة سيدي أمحمد أو مجلس قضاء الجزائر، أن بعض أقارب المتهم وخاصة الأم والزوجة والشقيقة أحيانا، على اعتبار أن الجنس اللطيف يؤمن بهذه الخرافات والتصرفات، يحملن معهن قارورات ماء صغيرة يقمن برشها في قاعات الجلسات أو بالقرب من منصة القضاة، ويقلن إنه »ماء مرْقي«، قد تعمل »بركته« عملها، فيكون حكم القاضي خفيفا ويسيرا، مهما كان جرم المتهم. وإذا كانت هذه الفئة لا تلجأ إلى ما هو أكبر وتكتفي بالرقية الشرعية تيمنا وطلبا لبركة القرآن الكريم وكلام الله عز وجل، فإن آخرين يلجأون إلى أشكال أخرى. وتقول إحدى المطلعات على هذا الشأن، إنها تعرف قريبة لها دخل ابنُها السجن بسبب متابعته في قضية حيازة كمية من الحشيش، ولأنه كان ابنها الوحيد فإنها لم تحتمل دخوله السجن وابتعاده عنها ولجأت إلى إحدى »الشوافات« التي أعدَّت لها عملا سحريا يقال له »الساكتة والمسكوتة« وهو نوع رائج جدا من السحر يستعمل لعقد الألسن ويكفي أن يتخطاها المطلوب أو يمر عليها أو ترش بالمكان الذي يكون موجودا فيه فيقضي الغرض ولا يرد بعدها أي طلب تطلبه صاحبة العمل بعد أن تقرأ بعض التمتمات والتعاويذ الشيطانية بينها وبين نفسها، وهو سحر تستعمله غالبا الزوجات للجم ألسنة أزواجهن وإسكاتهم عن كافة تصرفاتهن وأفعالهن، وقد أقنعت »الشوافة« هذه المرأة بأن قيامها بهذه العملية بعد دخول القاضي وجلوسه على كرسيه من شأنه أن »يسكته« عن قضية ابنها وأن لا يحكم عليه بمدة طويلة. وروت المرأة حكاية أخرى سمعتها من ألسنة بعض النسوة اللواتي رددن أن إحدى السيدات قامت بسرقة جزء من كفن قريبتها التي ماتت وعندما استنكرت العائلة فعلتها تلك، بررتها بأنها ستقوم بحملها معها إلى المحكمة في اليوم الذي يحاكم فيه زوجها، كي يموت »لسان القاضي« فلا ينطق بحكم مشدد على زوجها، وذلك بعد أن تقوم بشق الكفن في وجه القاضي، وكلها أمور مخالفة للشرع والعقل والمنطق ولا أساس لها من الصحة، إذ أن القاضي يصدر أحكامه طبقاً للقانون ولا يمكن أن تؤثر فيه هذه الخزعبلات. وقد يكون اليأس والإحباط والجهل وتدني المستوى العلمي والثقافي لدى هؤلاء الأشخاص، سببا وراء انتشار مثل هذه التصرفات التي يكاد يطير لها العقل، ولكنها في كل الأحوال تبقى مجرد خرافات لا أساس لها من الصحة، فالمتهم الذي ثبتت إدانته عليه أن يتحمل مسؤولية أخطائه وعلى عائلته أن تتقبل ذلك، ومن لم تثبت إدانته فإن براءته ستظهر ولو بعد حين، وعلى عائلته أيضا الإيمان بذلك، وليس اللجوء إلى تصرفات تغضب الله والعباد وقد تؤدي إلى نتائج وخيمة في النهاية.