بعد سنة كاملة على الاتفاق الأوروبي -التركي ** تخشى أوروبا اليوم من تجدّد تدفّق المهاجرين طالبي اللجوء إليها لا سيّما أنّ العلاقة بين بعض دولها وتركيا متوتّرة في الآونة الأخيرة. يأتي ذلك وسط قلق تعبّر عنه منظمات إنسانيّة عدّة بعد عام على بدء تنفيذ اتفاق الهجرة واللجوء بين تركيا والاتحاد الأوروبي ما زال الجدال الأوروبي مستمراً حول ما سمّي منذ خريف عام 2015 أزمة اللاجئين. وقد تصاعدت أخيراً التحذيرات من عودة ذلك المشهد على الرغم من انخفاض أعداد الوافدين خصوصاً مع الأزمة التركية الأوروبية المستجدّة. ق. د/ وكالات تشير أرقام المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومكتب الإحصاء الأوروبي (يورستات) إلى أنّ عام 2015 شهد تدفّق أكثر من 856 ألف مهاجر نحو اليونان. وفي النصف الثاني من عام 2016 أي بعد بدء تطبيق الاتفاقية الأوروبية التركية انخفض العدد إلى نحو 22 ألفاً. يُذكر أنّ 86 في المائة من هؤلاء هم من الأفغان والسوريين والعراقيين. آمال لم تتحقق في مارس 2016 كان نحو 30 ألف مهاجر يأملون باستمرار رحلتهم نحو دول الاتحاد الأوروبي إلا أنّ إغلاق مسار البلقان أدّى إلى تكدّس آلاف من هؤلاء في ظروف قاسية وصعبة على العائلات والشبان غير المصحوبين مع وعود كثيرة بدراسة أوضاعهم من دون نتيجة عملية بعد مرور عام كامل. بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي فإنّ انخفاض نسبة الوافدين عبر اليونان بنحو 98 في المائة خلال الأشهر الاثني عشر من تاريخ بدء التطبيق هو ما يُعدّ الأهم. لكنّ الخشية تتزايد في الأسابيع الأخيرة من أن يرخي الأتراك قبضتهم فيعود التدفّق مرّة أخرى عبر بحر إيجه بحسب تحذيرات منظمات محلية وإقليمية ودولية تعنى بشؤون المهاجرين واللاجئين والمخاطر التي يتعرّضون لها في رحلتهم نحو أوروبا. واليوم يرغب الأوروبيون في تثبيت الوضع الذي خلقه الاتفاق المشار إليه آنفاً على الرغم من توتر العلاقة بين تركيا وعدد من دولهم. تقول الخبيرة ميتا إبيلغوورد وهي متخصّصة في شؤون اللجوء والهجرة في آرهوس وسط الدنمارك إنّه في حال نظرنا إلى الطبقة السياسية في أوروبا نرى أنّها تخشى الموقف التركي في مجال فتح بحر إيجه أمام قوارب التهريب نحو اليونان. لكن على المستوى البيروقراطي وعند مقرّري شؤون الهجرة في البرلمانات كذلك نسجّل تعبيراً عن حالة من عدم الارتياح من قبل هؤلاء حين يسمعون تصريحات سياسية متشابكة مع تركيا. فالأتراك عملياً أنقذوا أوروبا من وفود أكثر من مليون مهاجر لاجئ خلال 12 شهراً. قلق ومخاوف واليوم تُثير حياة عشرات الآلاف ممن تقطعت بهم السبل في اليونان مخاوف عدد من المنظمات. ويبدو أنّ مخيّم ريستونا (86 كيلومتراً إلى شمال أثنيا) يعبّر عن مأساة حقيقية يعانيها هؤلاء خصوصاً الذين يحملون أطفالهم على مدى أشهر آملين بالوصول إلى الاتحاد الأوروبي على الرغم من إغلاق البلقان حدوده في وجههم. ويزداد الواقع مأساوية مع التشديدات الكبيرة التي أدخلتها حكومات دول شرق أوروبا ووسطها من مقدونيا إلى المجر. وقد ظهر أخيراً تهديد باستخدام قوة حرس حدود من المدنيين مستعدة لاستخدام العنف بهدف منع وفود المهاجرين. يُضاف إلى ذلك بناء مزيد من السياجات والجدران في وجه هؤلاء. ما يقلق المنظمات الحقوقية وتلك التي تهتم بمصالح المهاجرين واللاجئين ليس فقط ما يفوق 64 ألف مهاجر طالب لجوء تقطّعت بهم السبل في اليونان في ظروف غير محتملة بل الانتخابات (في ألمانيا خصوصاً) التي بدأت تدفع في اتجاه إعادة المهاجرين طالبي اللجوء إلى اليونان. وعود لم تنفّذ دول الاتحاد الأوروبي كانت قد وعدت باستقبال 160 ألف مهاجر طالب لجوء من الجزر اليونانية وإيطاليا حتى سبتمبر المقبل لكنّ واقع الحال يشير وفقاً لما جرى خلال عام إلى أنّ الاتحاد لم يستقبل أكثر من خمسة آلاف وأنّه ترك اليونان وإيطاليا تواجهان مشكلتهما وحدهما بعيداً عن شمال أوروبا بحسب ما قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة أثنيا ديمتريس كريستوبولوس. من جهته رأى المتحدث الرسمي باسم رئيس بلدية ليسبوس ماريوس أندريوتيس أنّ ثمّة من يبدو من الجانب التركي غير راغب في التقيّد بما عليه أن يفعل وفقاً للاتفاقية. بالنسبة إلى أندريوتيس فإنّ المخاوف تتعاظم مع حلول الربيع والشعور بأنّ الفرامل في الجانب الآخر بدأت تتراخى. في مقابل التراجع الذي يشهده بحر إيجه في نسب المهاجرين الذين يحاولون عبوره تشير أرقام الاتحاد الأوروبي إلى أنّه في الشهرين الأولين من العام الجاري أنقذ 15 ألفاً و760 مهاجر طالب لجوء في عرض البحر بواسطة البواخر الأوروبية. ويُعدّ ذلك زيادة بنسبة 50 في المائة بالمقارنة مع جانفي 2016. إلى عمليات الإنقاذ تلك انتشلت كذلك 477 جثة لغرقى في الفترة نفسها بالإضافة إلى العثور على 140 جثة على شواطئ ليبيا. بالنسبة إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة هيومان رايتس ووتش بالإضافة إلى منظمات حقوقية محلية فإنّ التعديلات الصارمة التي أدخلها الاتحاد الأوروبي على سياسة اللجوء والهجرة بعد عام 2015 دفعت بسوق التهريب نحو الازدهار مع ما يحمله ذلك من مخاطر كبيرة على حياة البشر. وتنامي المنافسة على السيطرة على شواطئ التهريب يدفع ثمنه المهاجرون طالبو اللجوء في محاولتهم العبور والوصول إلى أوروبا. وفي فيفري الماضي صرّح المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة جويل ميلمان: نشهد نشاطاً متزايداً في صناعة التهريب التي وصلت إلى حدود ومستويات يُمارس فيها العنف وإطلاق النار للمنافسة على خطوط التهريب. ويبدو أنّ القلق الأوروبي يتزايد من تصاعد موجة الهجرة نحو إيطاليا بعدما وصل في العام الماضي 181 ألف مهاجر طالب لجوء من شمال أفريقيا إلى شواطئ الجزر الإيطالية. يُذكر أنّ التخبّط الذي يعيشه الاتحاد الأوروبي في خططه التي أطلقها في عام 2015 تحت عنوان عملية صوفيا من خلال نشر السفن في البحر الأبيض المتوسط أدّى كذلك إلى العجز عن كبح تهريب البشر. وأصبحت السفن الحربية المفترض بها حراسة شواطئ أوروبا تعمل كفرق إنقاذ في عرض البحر. تجدر الإشارة إلى أنّ قادة الاتحاد الأوروبي في قمة مالطا خصّصوا 200 مليون يورو لمحاربة التهريب على شواطئ شمال أفريقيا بدلاً من انتظار الناس في عرض البحر وتحديداً في المياه الإقليمية لليبيا والضغط عليها لمزيد من السيطرة على الشواطئ في المرحلة الأولى. لكنّ حقوقيين ومنظمات وطنية تدافع عن اللاجئين والمهاجرين ينتقدون خطوات الاتحاد الأوروبي واعتماده على مبالغ هزيلة وفي الوقت ذاته تخفيض المعونات لدول أفريقية لن توقف عمليات التهريب. وفي حين يأتي الشعار الاتحاد الأوروبي يقوم بحماية الحدود إلا أنّ الواقع يُظهر بأنّ سفن إيطاليا وبريطانيا الخارجة من الاتحاد هي التي كانت تضطلع بالمهمة في المتوسط وإن من دون نتائج حاسمة لوقف عمليات التهريب.