احذروا (سوف).. كانت هذه وصية رجل عاقل من رجالات عبد القيس عندما قالوا له أوصنا.. قال: احذروا سوف. وهي نفس وصية ثمامة بن بجاد السلمي قومه حين قال لهم: أي قوم أنذرتكم سوف !! سوف أعمل سوف أصلي سوف أصوم. وهي من أعظم الوصايا التي يوصى بها إنسان ترك التسويف والمماطلة وتأجيل الأمور وتأخيرها عن وقتها.. ذلك أن التسويف من شر الأدواء التي تخالط القلب وتخامر العقل لأنَّهُ إيحاءٌ مُضِلٌ مِنْ إيحاءاتِ الشيطانِ وهو جند من جنود إبليس يغر به الإنسان ويمنيه حتى يجنح به إلى الدَّعَةِ والهَوان فهو ألد أعداء الزمن هادم للعمر بلا فائدة ومضيع للوقت بلا منفعة ومفوت لمصالح الإنسان الدنيوية والأخروية يَصدُّ عَنْ جادَّةِ السَّبيلِ ويُحِيلُ القُوى والطَّاقَاتِ إلى وِجْهَةِ الضياعِ والتعطيل يَهدِمُ عُمرَ الإنسانِ ويُرديه وعنِ كل إنجاز ورفعة يُبعدُه ويُعمِيه ولكأسِ التعاسةِ والشقاوةِ يجرعه ويَسقيه. وهو المسئول عن الإخفاقات والقصور عن المعالي والكمالات من اتخذه طريقا عظمت تبعاته ودامت حسراته.. فمن زرع سوف لابد وأن يحصد يوما ليت . أَيُّهَا السَّكْرَانُ بِالْآمَالِ قَدْ حَانَ الرَّحِيلْ وَمَشِيبُ الرَّأْسِ وَالفَوْدين لِلْمَوْتِ دَلِيلْ فَانْتَبِهْ مِنْ رَقْدَةِ الغَفْلَةِ فَالْعُمْرُ قَلِيلْ وَاطَّرِحْ (سَوْفَ وَحَتَّى) فَهُمَا دَاءٌ وبيلْ وقد عقَد الخطيب البغدادي بابًا في كتابه اقتضاء العلمِ العملَ: باب ذم التسويف وقد جاء فيه: عن الحسن البصري رحمه الله: إيَّاك والتسويف فإنَّك بيومك ولست بغَدِك فإنْ يكنْ لك غد فكُنْ في غَد كما كُنتَ في اليوم وإنْ لم يكن لك غدٌ لم تندمْ على ما فرَّطت في اليوم . وعن قتادة بن أبي الجلد قال: قرَأتُ في بعض الكتب: إنَّ (سوف) جُندٌ من جُندِ إبليس. قال يوسف بن أسباط: كتَب إلَيَّ محمد بن سمرة السائح بهذه الرسالة: أي أخي إياك وتأميرَ التسويف على نفسك وتمكينَه من قلبك فإنه محلُّ الكلال ومَوئِل التلف وبه تُقطَع الآمال وفيه تنقَطِع الآجال. وبادِرْ يا أخي فإنَّك مُبادَرٌ بك وأسرع فإنَّك مسروعٌ بك وجِدَّ فإنَّ الأمرَ جدٌّ وتيقَّظ من رقدَتِك وانتَبِه من غفلَتِك وتذكَّر ما أسلفتَ وقصَّرت وفرَّطت وجنيت وعملت فإنَّه مُثبَت محصى فكأنَّكَ بالأمر قد بغتَك فاغتُبِطتَ بما قدَّمت أو ندمتَ على ما فرَّطت. وكان مالك بن دينار يقول لنفسه: ويحك بادري قبل أن يأتيك الأمر ويحك بادري قبل أن يأتيك الأمر. حتى كرر ذلك ستين مرة. ولست بمدرك ما فات مني .. ب سوف ولا ب ليت ولا لو اني أَلا أَيُّهَا المُغْتَرُّ بِالعُمْرِ لا تَقُلْ .. .. غداً فإنما الإنسان أَنفَاسُ بَائد فَفُزْ بِالمَتَابِ الآنَ إِنْ كُنتَ عاقلا .. .. وَإِيَّاكَ مِن (سَوْفَ) وَإِيَّاكَ مِنْ غَدِ القرآن يحذر ولقد نَعَى القرآنُ الكريمُ أولئك الَّذين نَسُوا أنفسَهم فاغترُّوا بالأمانيِّ ولم يُقَدِّموا لأنفسِهم منْ صالحِ العملِ ما ينفعُهم في أُخْراهُم حتَّى اغتالَهم رَيبُ المَنُون فقالَ سُبْحَانه حاكياً حالَهُمْ: (يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ). وما زال القرآن والسنة يناديان على العباد بقطع حبل التسويف بسيف الإنجاز والمسارعة والجد والمسابقة يقول تبارك وتعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَة مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّة عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آل عمران: 133]. وقال: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَة مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّة عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}[الحديد: 21]. ووصف خير عباده وأصفياءه من خلقه من الأنبياء والمرسلين بقوله: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا} ووصف أهل خشيته من ورثة جنته فقال: {إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ... أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على اغتنام العمر والصحة والشباب والفراغ فيقول في الحديثٌ الصحيحٌ الذي رواه أحمد في الزهد والحاكم والبيهقي وأبو نعيم: (اغتَنِم خمسًا قبل خمس : حياتَك قبل موتك وصحَّتك قبل سقَمِك وفَراغك قبل شُغلك وشَبابك قبل هَرَمِك وغِناك قبل فَقرِك).