الشيخ: قسول جلول أيها العلماء أيها الطلبة أيها الصانعون للرأي العام أيها المتكلمون أيها الباحثون على الحقيقة أيها الخائضون في الشأن الديني. لقد تكلم قبلكم علماء وفقهاء وكتبوا مجلدات ومصنفاتوتكلموا في كل المسائل التي تعاودون الكلام فيها وكأنكم جئتم بالجديد فقد فصلوا فيها قبلكم وأراحوا الأمة من اجتهادكم !! وقالوا لكم قبل الكلام فيها فثمة آداب ينبغي عليكم وعلى علماء المسلمين وعامتهم مراعاتها والقيام بحق المخالف فيها ومنها: إحسان الظن بالعلماء وأن لا يعتقد أنهم تعمدوا ترك الحق الذي بان له _ وقد يكون هو المخطئ - وعليه فلا يعتقد هلكتهم في خلافهم له بل يلتمس لهم العذر في ذلك. قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فأخطأ فله أجر)) وأن لا يؤدي الخلاف إلى جفوة وفتنة بين المختلفين وفي ذلك يقول شيخ الإسلام: كانوا يتناظرون في المسائل العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة والاختلاف المشروع قد يصيرغير مشروع في وقتنا الحالي إذا طرأت عليه الأمور التالية : 01 أن يكون فيما لايجوز الإختلاف فيه !. 02 أن يكون أطرافه متعصبين متبعين لهواهم !. 03 أن يكون على حساب الأولويات.! 04 أن ينتصب العوام أطرافا فيه ! اختلاف غير مشروع هو الذي يؤدي إلى فرقة الأمة وتشرذمها حيث جاءت النصوص القرآنية والنبوية في التحذير منه ومن ذلك: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} هود:118-. قال الرازي: المراد اختلاف الناس في الأديان والأخلاق والأفعال. {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران :103. {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46]. {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيّنَاتُ} آل عمران:105. ومن الخلاف الذي لا يسوغ خلاف الجاهل للعالم أو بالجملة خلاف من لا يملك أهلية الاجتهاد والنظر في الأدلة الشرعية فليس من الخلاف المعتبر اجتهاد من ليس له بأهل. وفيه قصة الرجل الذي أصابته جنابة في سفر وقد شج فأمره بعضهم بالاغتسال فمات فقال صلى الله عليه وسلم: ((قتلوه قتلهم الله هلا سألوا إذا لم يعلموا إنما شفاء العي السؤال)) [رواه أبو داود ح326]. قال ابن تيمية: أخطأوا بغير اجتهاد إذ لم يكونوا من أهل العلم [رفع الملام ص 48]. وفي الاجتهاد من غير أهلية يقول صلى الله عليه وسلم: ((القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاضي في الجنة فأما الذي في الجنة فرجل علم فقضى به وأما اللذان في النار فرجل قضى للناس على جهل ورجل علم الحق وقضى بخلافه)) [أبو داود ح3573 الخلاف السائغ ويكون في فروع العقيدة والفقه. ومنه خلاف المذاهب الفقهية وخلاف الدعاة على بعض الوسائل الحديثة للدعوة وكذلك فروع العقيدة كرؤية الرسول ربه ليلة المعراج وكنه المعراج بنبينا هل هو بالروح أم بالجسد. ثمة أمور يفترق فيها الخلاف الذي سوغه العلماء عن الخلاف الذي قبحه العلماء وذموه غاية الذم ومنها: أنه لا يكون في المسائل الأصولية في الدين العقدية منها والفقهية كالوحدانية وأصول الإيمان وحجية السنة وفرضية الصلاة أو فرضية الوضوء للصلاة. مثل هذه المسائل تضافرت الأدلة الصريحة على إثباتها. وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتفاق عليها عادة فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف فيها لكن في الفروع دون الأصول وفي الجزئيات دون الكليات فلذلك لا يضر هذا الاختلاف يقول ابن تيمية: من خالف الكتاب المستبين والسنة المستفيضة أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافاً لا يعذر فيه فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع ويقول الذهبي: ومن عاند أو خرق الإجماع فهو مأزور و أسباب وقوع الخلاف: لسائل أن يسأل: لماذا يختلف المسلمون والعلماء منهم وهم جميعاً يصدرون من الكتاب والسنة؟ وفي الإجابة نقول: للخلاف بين المسلمين أسباب أهمها: - اختلاف العلماء في حجية بعض المصادر الفقهية أو اختلافهم في رتبة الاحتجاج بها كما في خلاف الفقهاء في حجية القراءات الشاذة والحديث المرسل والاستحسان وشرع من قبلنا وإجماع أهل المدينة. - اختلافهم في فهم النصوص. كما في قوله: {أَوْ لَ_مَسْتُمُ _لنّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيّباً} [المائدة:6]. ففسرها الجمهور بأنها الجماع ولم يجعلوا لمس المرأة مما ينقض الوضوء فيما أخذ الشافعي بظاهرها فجعل مجرد لمس المرأة ناقضاً للوضوء. - الاختلاف في فهم علة الحكم كما في الخلاف في مشروعية القيام للجنازة هل هو للمؤمن أم للكافر؟ وهل يقام تعظيماً للملائكة أم لهول الموت؟ أم أنه خاص بالكافر حتى لا تعلو جنازة الكافر رأس المسلم؟ - الجهل بالدليل لعدم بلوغه مثاله: خفي على عمر حكم دخول أرض الطاعون بل وعلى كثير من الصحابة فاختلفوا حتى أخبرهم عبد الرحمن بن عوف بقول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. - عدم الوثوق بصحة الدليل الذي عند الآخرين فقد يضعف العالم المخالف الحديث في حين يصححه الآخرون لاختلاف العلماء في تعديل أحد الرواة أو لعلة يراها في السند أو المتن تجعل الرواية شاذة أو لغير ذلك من أسباب رد الرواية مما هو مسطر في كتب علم الحديث. ومن ذلك قصة عمر مع فاطمة بنت قيس حين رد حديثها بقوله: (لا نترك كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت) مسلم - الاختلاف في دلالات الألفاظ والنصوص لكون اللفظ مشتركاً أو مجملاً كقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا طلاق ولا عتاق في إغلاق)) فقد اختلفوا في تفسير الإغلاق ففسره بعضهم بالإكراه وآخرون بالغضب وآخرون بغياب العقل بثورة الغضب. وتبعاً لذلك اختلف الفقهاء في بعض أحكام الطلاق. ومثله قد وقع من الصحابة عام الخندق كما في الصحيحين عندما قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة)) [البخاري. فتمسك بعضهم بظاهر النص ففاتتهم الصلاة وتمسك الآخرون بمفهوم النص والمراد منه وهو الإسراع فصلوا وهم في الطريق قال ابن عمر: (ولم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم واحداً منهم. آداب ينبغي مراعاتها عند الخلاف: ثمة آداب ينبغي على علماء المسلمين وعامتهم مراعاتها والقيام بحق المخالف فيها ومنها: إحسان الظن بالعلماء وأن لا يعتقد أنهم تعمدوا ترك الحق الذي بان له _ وقد يكون هو المخطئ - وعليه فلا يعتقد هلكتهم في خلافهم له بل يلتمس لهم العذر في ذلك. قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فأخطأ فله أجر)) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة وإما لآيات فهموا منها ما لم يُرد منها وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} البقرة:286. ويقول العلماء ولو أننا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه لما سلم منا ولا عالم والله هو هادي الخلق إلى الحق وهو أرحم الراحمين فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة (إني لأرجو أن يجعلني الله وإياك في الذين قال الله عز وجل فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُر مُّتَقَابِلِينَ)