2018 شهد الاحتفال ب اليوم العالمي للعيش معا في سلام لأول مرة تثمين دولي للمصالحة الجزائرية.. ن. أ احتفى العالم يوم 16 ماي الماضي للمرة الأولى باليوم العالمي للعيش معا في سلام والذي يعد ثمرة مبادرة من الجزائر مستوحاة من تاريخها ومن مبادئها ترمي إلى ترقية قيم السلم والمصالحة والتسامح في كل مجتمع وبين الأمم ويعتبر الاحتفاء العالمي بهذا اليوم بمثابة تثمين دولي للمصالحة الجزائرية.. وتعتبر هذه المبادرة من دون شك نجاحا دبلوماسيا للجزائر كما أنها تعكس اعتراف المجموعة الدولية بالجهود التي بذلتها في سبيل إعادة السلم والأمن في البلد وبمساهمتها في ترقية ثقافة السلم والحوار في العالم. وظهرت فكرة إقرار يوم عالمي للعيش معا في سلام خلال مؤتمر بوهران سنة 2014 بحيث بادرت بها الجمعية الدولية الصوفية العلوية بدعم من الدولة الجزائرية وهي منظمة غير حكومية كائن مقرها بمستغانم تسعى لترقية التربية والثقافة الصوفية. بعدها تمت المصادقة على هذا المشروع بإجماع الدول الأعضاء في منظمة الأممالمتحدة وكان ذلك في ديسمبر 2017. وجاءت اللائحة 130/72 للجمعية العامة للأمم المتحدة لإعلان يوم 16 ماي يوما عالميا للعيش معا في سلام كوسيلة لتعبئة جهود المجتمع الدولي بانتظام لترويج السلام والتسامح والشمول والتفاهم والتضامن . كما حثت الجمعية العامة للأمم المتحدة الدول الأعضاء إلى ترقية ثقافة السلم والمصالحة اعتمادا على تجربة الجزائر مع الدعوة إلى اتخاذ مبادرات تربوية والقيام بأنشطة توعية وتحسيس وحث الأفراد على التسامح والتراحم. وعرف رئيس الجمعية الصوفية العلوية الشيخ خالد بن تونس مبادرة العيش معا في سلام بأنها قبول الآخر والتعدد وكذا القيم الكفيلة بتحقيق مصالحة البشرية والعمل على تحقيق عالم يسوده السلم . وأعرب الشيخ بن تونس عن ارتياحه للأصداء الواسعة النطاق التي لقتها المبادرة الجزائرية على غرار أثيوبيا التي استحدثت مؤخرا وزارة خاصة بالعيش معا في سلام وكذا رواندا التي تبنت هذه الفكرة ك قاعدة لسياستها الخاصة بالمصالحة الوطنية . كما أعربت دولة مالي عن رغبتها في الاستلهام من التجربة الجزائرية في مجال المصالحة الوطنية بحسب ما أشار اليه رئيس لجنة الحقيقة والعدالة والمصالحة لدولة مالي السيد عصمان عومارو سيديبي. نموذج معترف به كما أصبحت تجربة الجزائر في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف والوقاية منهما نموذجا يحتذى به في العالم. فقد طورت الجزائر استراتيجية لاستئصال الراديكالية ووضعتها في متناول هيئة الأممالمتحدة وهي الاستراتيجية التي تتمحور حول البعد الشامل لمكافحة الإرهاب وسياسة المصالحة الوطنية وتثمين المراجع الدينية للبلد. كما تنصب هذه الاستراتيجية على تعزيز الديمقراطية ودولة القانون والعدالة الاجتماعية وإصلاح المنظومة التربوية وترقية مكانة المرأة في المجتمع والاستجابة للمطالب الاجتماعية الكبيرة سيما الشغل والسكن. وكان رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة قد بادر عام 2005 بميثاق السلم والمصالحة الوطنية والتي زكاها الشعب الجزائري بالأغلبية خلال استفتاء وهو الميثاق التي تلى قانون الوئام المدني الذي تمت المصادقة عليه كذلك من خلال استفتاء في 1999. وسمح ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي أستلهم من القيم النبيلة للإسلام الداعية إلى المصالحة والاتحاد بإقرار السلم والأمن والاستقرار بعد مرور عشرية من العنف الإرهابي الذي خلف حوالي 200.000 ضحية كما سمح بإعادة بعث مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقد تجسدت قيم السلم والمصالحة الوطنية هذه في مراجعة الدستور عام 2016. وتمثلت مقاربة الجزائر أيضا في الأخذ بزمام الأمور ورد الاعتبار لتاريخها وهويتها الوطنية في إطار بعدها الثلاثي (العربية والأمازيغية والإسلام) لاسيما من خلال جعل الأمازيغية لغة وطنية ورسمية إلى جانب اللغة العربية وتكريس جانفي (رأس السنة الأمازيغية) الذي يحتفل به منذ ألفيات في كل مناطق البلاد عيدا وطنيا. احترام الحريات دون تمييز أكد رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في رسالته بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للعيش معا في سلام أن هذا المسعى الذي بادرت به الجزائر كان من باعث قيم أخلاقية وثقافية واجتماعية وإنسانية يؤمن بها شعبنا المعتدل تمام الإيمان . وتعد شخصيات من شاكلة القس أوغستين رجل السلم الذي ترك بصمته في الكنيسة والامير عبد القادر الذي حمى مسيحيي الشرق في سوريا رموزا لقيم الإنسانية والتسامح. ويدعو بيان الفاتح من نوفمبر 1954 الذي أعلن عن اندلاع حرب التحرير الوطنية ضد المستعمر الفرنسي والذي يعد العقد التأسيسي للجزائر المعاصرة على احترام الحريات دون تمييز بين الأعراق والمعتقدات كما أنه يخلو من أي مرجعية حقد أو اقصاء أو تهميش. وتأتي مبادرة الجزائر في ظرف تتعالى فيه عبر العالم خطابات الحقد المسوغة لفكرة اصطدام الحضارات ومنطق الإقصاء والتطرف والانغلاق على الذات ورفض الآخر واحتقاره والتمييز بشتى أشكاله وكره الآخر خاصة عندما يتعلق الأمر بالمسلم مع الأسف. وأمام هذه الانزلاقات ما فتئت الجزائر تنادي بترقية الحوار والتفاهم والتعاون بين الديانات والثقافات مستلهمة مرجعياتها من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف دين السلم والتعايش. وتماشيا مع هذه القيم والمبادئ دأبت الجزائر على الصعيد الدولي على ترقية مبادئ ومثل ميثاق الأممالمتحدة ومقاصده في جميع العلاقات الدولية سواء أتعلق الأمر بحل النزاعات السياسية أم بترقية علاقات اقتصادية أكثر توازنا. وكانت الجزائر قد دعت في السبعينيات إلى حوار عالمي بهدف إقامة علاقات اقتصادية أكثر توازنا بين الدول الصناعية والدول النامية خلال الجمعية العامة الاستثنائية للأمم المتحدة. وتنتهي سنة 2018 بمراسم تطويب في وهران بحضور ممثل البابا فرنسوا 19 رجل دين مسيحي قتلوا خلال العشرية السوداء بالجزائر وكذا بإعادة افتتاح كنيسة النجاة سانتا كروز بأعالي جبل مرجاجو بعد عملية إعادة تهيئتها.