ترصد آراء أهل القلم حول الجوائز الأدبية معظم الفائزين رهائن لأسباب سياسية ومادية يَستهجن بعض النقاد الجوائز الأدبية في العالَم العربي ويَرَونها مَطية لشراء الذمم وتُعتمَد فيها المُجامَلة وتُقصَى الكفاءات وتُحوَّل جهود كثير مِنَ الكُتَّاب إلى أهداف أخرى ويحدُّ مِنَ الإبداع.. سألت أخبار اليوم بعضًا مِن أهل القلم عن هذه الظاهرة وكيْف يَرون معايير لجان التحكيم؟ وماذا يَقترحون؟.. الأستاذة خديجة بن عادل كاتبة وشاعرة-الجزائر : الأدب الرفيع يفرض نفسه ويسجله التاريخ وأصحابه الجوائز الأدبية يمكننا تقسيمها لنوعين: الأولى:مسابقات عالمية بها جوائز قيمة مثل (نوبل البابطين الملك فيصل..) ذات معايير ولجان من المحكمين لهم دراية وقدرة عالية من المهارة والنزاهة ولا يحكمهم الهوى والمحاباة لكتاب عن غيرهم.. هم صارمون في النقد والدراسة ويعملون بضمير.. دورهم إبراز قدرات أدباء مبدعين وتسليط الضوء على أعمالهم ومساعدتهم للخروج للعالمية.. إذن الجوائز الأدبية رغم أبعادها وأسسها القيمة في الظاهر إلا أن عواقبها وخيمة في الأدب المعاصر على جودته لأنها تصعد من الكم على حساب الكيف وهنا يسقط الكاتب في هوة رواج أعماله وتحقيق نسبة المبيعات والشهرة دون غيره ويصبح يركض خلف المسابقات التي تحد من نشاطه الأدبي ليبقى محصورا مقيدا خلف البحث عن ما يشد ويبهر اللجان وتحد من كفاءاته مقصيًا القارئ الذي يعتبر هو أول حكم. ثانياً: مسابقات من مؤسسات ومواقع أدبية سياستها (كن معي أكن معك).. ويفقتر محكموها النزاهة والعمل بإدراك وعن وعي تام.. تتأثر اللجان بعلاقاتها الشخصية وميولاتهما وآرائها وحتى جنسياتها. وهذا يضعف ويؤثر سلباً على إببداعات الكاتب.. وكم رأينا من أعمال سيئة جدًا بها أخطاء لا هدف ولا رسالة تحصد جوائز وتنال حصة الأسد في حين هي في الدرك الأسفل. الجوائز الأدبية في وقتنا الراهن أصبحت (نقمة على الأدب) عوض أن تكون مجالا مفتوحا لإبداع استثنائي مغاير جديد غير مستهلك أصبحت حافزا لكل كاتب أنَّ يتخلى عن مساره الأدبي الإبداعي وعن رسالته في الحياة وإنسانيته ليتبع الحوافز والشهرة.. شئنا أم أبينا لا يمكن نكران رواج الكاتب وشهرته في العالم العربي أم الغربي بعد فوزه كما تصاعد مبيعاته وذيع صيته رغم ضحالة وتفاهة ما يقدم.. أغلب الأطر في زماننا هذا وخاصة لجان النقد والدراسات في المسابقات أصبحت تميل للمحاباة وشراء الذمم والمجاملات حسب مدى عمق علاقاتها. لو نظرنا من حولنا لوجدنا أغلب المسابقات الأدبية وأولها في العالم وكلنا يعرفها جائزة نوبل التي تعرضت أكاديميتها بالسويد عام 2018 م إلى فضائح جنسية مما أدى إلى حجبها وهذا الأمر لم يشتمل الأدب فقط بل تعداه لجميع الفنون الأخرى مثل السينما والغناء وغيرها وخير دليل (جائزة الأوسكار الفرنسي) التي وجهت لها انتقادات لاذعة بسبب فوز أحد المخرجين رومان بولانسكي المتهم بقضية اغتصاب عن مسابقة الأفلام مما أغضب الجمهور. مما يلوح بفكرنا أن الجوائز الأدبية ما هي إلا غطاء لسياسة تفرضها حكومات الدول ولها أبعاد وأهداف ظهرت أم خفيت. أما رأيي الصريح في الموضوع الشائك إن الأدب الرفيع يفرض نفسه ووجوده ويسجله التاريخ وأصحابه حقًا ولا يهتمون بأي مسابقات كل معاييرهم هو إنتاج إبداعي له أسس وقيمة يخدم المجتمع ويعزز من قيمه ومبادئه. وكل ما تفسخ الإنسان عن جلده ضاع وضيّع هويته.. وتبقى للجوائز رمزيتها كالزبد سرعان ما يضمحل. الأستاذة سناء الحافي شاعرة-المغرب : المسؤولية الكبرى ملقاة على الجهات المُنظِّمة واللجنة المنتقاة للاختيار دائما ما كانت المسابقات عنوانا للمنافسة وتنمية روح التميز وخلق الإبداع في مختلف المجالات إذ تعمل هذه المنافسات على إبراز الأفضل في مجال كلّ منها والارتقاء بمستوى المجال نحو مشارف الكمال ولا شكّ أنّ للمجال الأدبيّ حظّه الكبير والبالغ من هذه المسابقات التي أخذت تزداد يوما بعد الآخر رغبة في إظهار أجود الأعمال الأدبية في مختلف صنوف الأدب شعره ونثره ويتفنّن القائمون على هذه المسابقات في رصد أفضل الجوائز وأحسنها ممّا يجذب الأدباء وأشهر الكتّاب للمشاركة بأعمال مميّزة وراقية والشّاهد على ذلك الضجّة الإعلامية التي أصبحت ترافق وتواكب الجوائز العربية السنوية مثل جائزة البوكر جائزة كتارا جائزة الملك فيصل وغيرها. لكن دائما ما تبقى علامة الاستفهام ترافق هذه المسابقات حول مصداقية الاختيار ومعايير التقييم هل فعلا هي خاضعة للشفافية المطلوبة ومبدأ خلود النص وموت المؤلف أم أنّ الأسماء والجنسيات والأقطار تحسم المنافسة؟ طبعا ليس من العدل وضع كل الجوائز في كفة واحدة والحُكم على مصداقيتها حُكما واحدا مطلقا إذ نرى في الجهة الأولى التزام العديد من المسابقات بالشفافية المطلقة في اختيار الأعمال بحرصها على حجب الاسم والإبقاء على النصّ وكثيرا ما تبرز نتائجها أسماء لمبدعين شباب فرضوا وجودهم بجودة نصوصهم مثل النتائج الأخيرة لجائزة البوكر التي فاز فيها الكاتب عبد الوهاب عيساوي أول مرة وحجز بذلك المقعد الأول للجزائر في هذه المنافسة التي لم تظفر بها سابقا لكن في الجهة الأخرى نجد بعض المنافسات تتكرر فيها الأسماء الفائزة أكثر من مرة وكأن فوز المبدع بجائزته الأولى يحجز له مقعدا للفوز بالجوائز المقبلة ولو كان لا يستحق ذلك كما أن بعض المسابقات أصبحت تعتمد رأي الجمهور كنوع من إظهار الشفافية في إصدار حكمها وهذه مصيبة بعينها إذ أنّ تدخل الجمهور يعني تدخل شعبية الكاتب ومشجعيه وأصدقائه ما يجعل النّقد مجاملاتيا بحتا تغيب فيه الموضوعية والصّرامة التي من المفروض أن تتميّز بها هذه المسابقات ثمّ إنّ الكثير من الأعمال المقصاة في عدة مسابقات صاحبتها علامات استفهام واسعة من قبل الخبراء والمختصين والباحثين الذين يرجعون تغليب بعض الأعمال عن أخرى إلى التيارات الفكرية والعقدية والأيديولوجية للمؤلف التي لا تتماشى مع سياسة البلد المنظم والجهة المنظمة للمسابقة أو أن المواضيع التي تطرق إليها المبدع من قلب الواقع التي ترفض سياسات البلد الإفصاح عنه وتنوير الرأي العام به. بين كل هذا وذاك مجددا لا يمكن أن توضع المسابقات في خانة تصنيف واحدة لكن لا بدّ من الارتقاء بها نحو الأفضل وهذه المهمة يتقاسمها المبدعين والجهات المنظمة معا إذ لا بد على المبدعين المشاركة لأجل إظهار أعمالهم وتقييمها وخلق جو تنافسي يرتقي في النهاية بالأدب وليس لأجل تتبع هفوات اللجنة وتبادل التّهم حول جودة أعمال بعضهم البعض ويجب تصحيح نيات المشاركة وعدم حصرها في الظفر بالجائزة المالية فقط لأن مهمة الأديب هي خدمة الأدب وكل جائزة لم تقدم إضافة للأدب تبقى عرجاء أما المسؤولية الكبرى فهي ملقاة على الجهات المنظمة واللجنة المنتقاة للاختيار إذ لا بد للجهة المنظمة من اختيار لجنة تضم ذوي كفاءات في المجال الأدبي والتمكن اللغوي والصدق الفني وعليهم كذلك توسيع دائرة المسابقات وتمكين المبتدئين من المشاركة فيها بإلغاء الشروط التعجيزية والإقصائية ولا بد للجنة من الحرص على نزاهة الاختيار والتعامل مع النص بمعزل عن السيرة الذاتية لصاحبه وعليهم كذلك تقييم الأعمال تقييما جادا غير مجاملاتي وتقديم ملاحظات لكل الأعمال المشاركة إشادة بإبداع المصيب تقويما وتصحيحا لاعوجاج المخطئ. في الختام لا نتمنى من المسابقات الأدبية إلا أن تأخذ منعرجا إيجابيا يرتقي بالمستوى الأدبي العام ويشجع على العطاء والتميز. الأستاذة صافي محمد مظهر أحمد كاتبة-سوريا : الجوائز للجديرين بعيدا عن الولاءات ذات البعد السياسي أو المذهبي أو الطائفي مما لا شك فيه أن الجوائز الأدبية ظاهرا هي مظهر من مظاهر الاهتمام والرقي في التعامل مع الإبداع ومبادرة من مبادرات دعم المبدعين وتحفيزهم على رفع مستوى الأداء للارتقاء بالأدب عامة وإبراز كمية الدعم والميزانية الممنوحة لرفد المشهد الثقافي وبلورته من الدول المؤسسات المتبنية له إلا أن هذه التظاهرات الأدبية للأسف لا تخلو من الفساد الذي استشرى في كل مناحي الحياة ومفاصل الاحتكام في هذا العالم إلى أن ولج إلى معارض الأدب وأروقة الإبداع والفنون عامة. حتى أن المراقب للمشهد الثقافي يرى أن هذا الفساد ليس فقط في الساحة العربية وإنما طال الجوائز العالمية الكبرى كجائزة نوبل للأدب. وهذه السياسة المعمول بها في كثير من الجوائز لا تخص الأدب فحسب بس تشمل أيضا الجانب العلمي كثير من الأبحاث الجادة التي تحمل نفعا جمعيا كاملا تم استبعادها نتيجة أن الباحث أو الكاتب ليس من أصحاب الولاء لتيار مَرْضِيّ عنه من الدولة المانحة أو لاعتبارات أخرى اللبنانية التي فازت بالبوكر مثلا هذا العام كانت تتهجم عليهم قبل عام الخلاصة أن هذه الجوائز التي تخصص للمبدعين تخلو في معظمها من النزاهة فتُمنح على أساس الولاءات لا الكفاءات وتتدخل فيها أياد تحركها المحسوبيات.. وأرى من سلبياتها أيضا أنها كثيرا ما تعبث بتوجه النتاج الإبداعي بحيث يؤطره صاحبه بضوابط تناسب هذه المسابقة أو تلك فيحجر على فكرة ما أو يضيفها بحيث يتماشى ما يقدمه في عمله الإبداعي المشارك مع شروط ومطالب القائمين على المسابقة دولا ومؤسسات. ونهايةً لا أحد ينكر أهمية الجائزة للمبدع من الناحية المادية والمعنوية أيضا لأن بعض الجوائز تكون ذات قيمة عالية إلا أنني أقترح أن يكون هناك إشراف بإجراءات حازمة حال اختيار القائمة القصيرة من بين قائمة الأعمال المرشحة وأن يتم اختيار اللجان المُحَكِّمة من الثقات وكذلك أقترح أن تكون لجان التحكيم غير دائمة أي أن تكون لجان دورية ومن كل الدول العربية وليس من دول بعينها. وأقترح أخيرًا جوائز لأصحاب التجارب المميزة والرصيد الثقافي النوعي بعيدًا عن الجوائز الآنية على عمل بعينه وذات البُعد السياسي أو المذهبي أو الطائفي. إيمان لغوق كاتبة-الجزائر : قد لا يخلو التتويج من إقحام اسم ما لتبديد الشكوك عند ما تكون الجائزة الأدبية صادقة الثبوتية والمسؤولية فإنها حتما ستكون منصفة في حق صاحبها ومنصفة للحقل الأدبي عامة.. لكن عند ما تتداخل المحسوبية والمعرفة الشخصية إضافة للمجاملة فإنها حتما تصبح كارثة على الأدب. فلا يمكن الإغفال أنّ الجوائز المخصّصة للفنون الإبداعيّة (شعر رواية قصة رسم..) في العالم العربيّ على قلّتها تدار في مناخ فاسد ولا أقصد إدارة أيّ جائزة بعينها بقدر ما أشير للبيئة الثقافيّة الفاسدة التي تنخر بنية المؤسّسات الثقافيّة العربيّة البيئة التي هي جزء من بيئة أشمل تنتعش فسادًا وإفسادًا ذلك أنّ هناك من كرّس نفسه للتنفيع يكون إمّا هنا في لجنة تحكيم أو هناك في لائحة قصيرة أو طويلة يمنح هنا تتويجًا أو تصديرًا ليتسلم من هناك المقابل المطلوب. وقد لا يخلو التتويج من إقحام اسم ما على سبيل التنويع وتبديد الشكوك والتأكيد على الاستقلالية والنزاهة والبراءة من التنفيعات والفساد. فالفائزون بالجوائز يصبغون عليها نزاهة مطلقة أمّا بعض المرشحين لها ممن لم يحالفهم الحظّ فيبالغون في اتّهامهم لها بالإقصاء والتهميش وتصدير أسماء بعينها. وإن لم توجد وثائق تدين الفاسدين في الجوائز لكن لدى المتابعين ما يمكن توصيفه بحدس بما بين السطور. لكن حسب علمي لم تسلم جائزة من الغمز واللمز من الذين لم يحالفهم الحظ وينالوا فواكهها حتى نجيب محفوظ نفسه تلقى هجومًا شرسًا من يوسف إدريس وآخرين واتهموه بأن مهادنته وتأييده للسلام مع إسرائيل هي التي فرشت له طريق الورد إلى قطف جائزة نوبل. ويبدو لي أن غضب الخاسرين يتصاعد كلما كانت قيمة الجائزة المالية مرتفعة بسبب الوضع الاقتصادي المأزوم الذي يعيش في كنفه أغلب المبدعين العرب بكل أسف. وإذا كانت لجان التحكيم تتغير في كل عام فإن هذا التغيير بلا جدوى لأن مجالس الأمناء أو مجالس إدارات الجوائز ثابتة. وهذه المجالس لا تصوّت على الأعمال لكنها قد تختار لجنة التحكيم التي ستخرج بنتائج تُرضي المجلس ولا تحرجه مع مطلق الجائزة. يختارون من يرونهم أقرب فكريًّا منهم أو المتمرسين في معرفة سقف الجائزة ومحظوراتها. وهناك الكثير من المحظورات في الدول العربية ولا يمكن الاحتفاء بكتاب يخترق حدود الحرية المعروفة سلفًا سواء المتعلقة بقيود السياسة أو بما يسمى أعراف وتقاليد المجتمع والذوق العام.. لذلك أجد أن الجوائز الأدبية لم تعد تخدم الأديب والشاعر والروائي وتكرمه بصفته مبدعا اجتماعيا يهدف إلى تقديم أدب نافع لمجتمعه بقدر ما أصبحت تسيء له و تسيء إلى نتاجه الفكري ما دامت توجهات المانحين للجوائز تخدم الساسة والتوجهات التعصبية والمتملقين لهم. نصيرة حمدي باشا كاتبة-الجزائر : بالتحيز تتفوق الرداءة وينحسر الأدب النزيه الأدب في أساسه يُبنَى على مبدأ التحرر والانطلاق والقناعة ولا يخضع للوصاية أو الارتباط بالأيديولوجيات والتوجهات السياسية.. إن الأديب الذي يؤمن بأفكاره وقناعاته يجب ألا يكون رهينة في أيدي غيره مهما كانت الأسباب سياسية أو اجتماعية أو مادية.. ومن المفروض ألا يخضع للضغوطات ولبيع الذمة لأغراض شخصية أو أطماع ظرفية لأنه يحمل رسالة مجتمعية يؤمن بها.. إذا كان الكاتب عرضة للتأثيرات والإغراءات من سلطات أو هيئات تابعة لها في أي بلد من البلدان كأن تُمنَح المكافآت والجوائز نظير ولائه وخدمته ودعايته لتلك الجهات فيكون قد خان رسالته وتخلى عن مبادئه وتحصل على ما ليس له وهو ليس جديرا بها وقد خالف النظم والقيم.. ومن غير المعقول اتفاق لجنة كاملة أو بعض أعضائها على منح جوائز لمن لا يستحقونها!.. إذن بالتحيز تتفوق الرداءة والرتابة وينحسر الأدب النزيه المتحرر ويحاصر في زوايا العدم لكن الإبداع الجيد لا يموت حتى بعد موت صاحبه.. من وجهة نظري الإبداع لا يشترى ولا يباع. أقترح خلق أجواء لائقة للمبدعين وجعل كل السبل والتحفيزات بمتناولهم حتى لا تدخل بعض شبهات التعاطي بحقهم وحبذا لو يكون لكل كاتب أو مبدع مصدر عيش بدل الاكتفاء بمثل هذه المنافسات وتشجيعهم بتذليل كل الصعوبات أمامهم.