ظلّ الهدوء يُخيّم على سوق ميسونيي حتى الساعة السابعة مساء على غير العادة، إلى أنّ سُمع صراخ مراهقة كانت تتشاجر مع أحد التجّار، قبل أن ترمي بصفائح الديول على وجهه، لينتفض السوق بأكمله، كما لو أنّ الجميع كان ينتظر ذلك المشهد، وتلك اللحظة. مصطفى مهدي مشهد إعتدنا أن يكون أبطاله من التجار، والرجال، ولكن هذه المرّة كانت بطلة الشجار فتاة مراهقة في السابعة عشر من العمر، إشترت تلك الديول، وقبل أن تنصرف، وعلى حد زعمها، حاول التاجر معاكستها، فلم تحتمل الأمر، وألقت بتلك الديول على وجهه، إلاّ أنّ إمرأة أخرى كانت تشتري لم يعجبها موقف الفتاة، فراحت تتشاجر معها، مع أنّ الجميع إلتف حول المكان، إلاّ أنهم بقوا ينظرون، دون أن يتدخل أحد منهم، كما لو كانت مسرحية تعرض أمامهم، أبطالها أشخاص "غلبهم رمضان" على حدّ زعمهم، وراح البعض يعلق على الموقف بأنه مخزي، وأنه لم ير مثله في حياته، وقال آخر مستغربا: "حتى النساء يغلبهن رمضان" وما هي إلاّ لحظات حتى تدخلت بعض النساء للائي كنّ في السوق، فصار عراكا جماعيا، لم يشترك فيه الرجال، وفضلوا أن يبقوا على الحياد، وحتى التاجر سبب الشجار لم يتدخل، بل بقي مشدوها أمام المنظر الغريب، ولكن الحادثة ليست فريدة من نوعها، بل إن النساء أيضا يغلبهن رمضان، كما يقولون، تحكي لنا سلسبيل تقول: "لا أكذب عليكم أنا مدمنة قهوة، وفي رمضان أحس بدوار يجعلني سريعة الإنفعال، ورغم أنني لا أخرج لا للدراسة، ولا إلى العمل، إلا أنني في السوق فقط أتعرض لبعض المواقف التي تجعلني لا أغضب فقط، ولكن أفقد التحكم في أعصابي، وأفعل، وقول أي شيء، وهو ما حدث في بداية الشهر عندما حاول تاجر أن يبيع لي فاكهة مغشوشة، أعدتها له، فلم يعجبه الأمر، وبعد مناوشات، لم أتحكم في نفسي، وشتمته، وكدت أن أرميه بقفة الخضروات كلها، لولا أنها كانت ثقيلة ولم أستطع أن أرفعها، وقد وقف كل من كان بالسوق إلى صفي، حيث إكتشفت أنّ الرجل يغش الجميع، بمن فيهم زملاؤه، ولهذا تفهموا موقفي، ورغم ذلك فإنني أعلم أنه لم يكن علي أن أفعل، خاصة في شهر رمضان، ولكن ما الحل؟ غضبت إلى درجة لا يمكن أن تتوقعوها". هذا بالنسبة لسلسبيل، أمّا راضية فتقول:"في الحقيقة أنزعج كثيرا في رمضان، ولكني لا نفعل كثيرا، لاّ في فترات متباعدة، وإن حدث ذلك ففي البيت مع أسرتي، أما أن أنفعل هكذا في الشارع، وأصرخ، فهذا لا أستطيعه، ولو بلغ بي الغضب مبلغه، يقولون أنني عصبية، وقد أكون كذلك، ولكن الأكيد أنني أحسن التحكم في نفسي في اللحظات الصعبة، وأحاول أن لا أبدي انفعالي، وبخاصّة في الشارع، فالغضب من علامات الضعف لا القوة، وأنا لا أريد أن يراني الغير ضعيفة".حس بدوران