مراصد إعداد: جمال بوزيان وثيقاً لإبداعات أهل القلم قصص الكُتّاب.. أبعاد لا تنتهي تَرصُدُ أخبار اليوم الإبداعات الأدبيَّة وتَنشُرها تَكريمًا لِأصحابِها وبِهدفِ مُتابَعةِ النُّقَّادِ لها وقراءتِها بِأدواتِهم ولاطِّلاعِ القرَّاءِ الكِرامِ علَى ما تَجودُ به العقولُ مِن فِكر ذِي مُتعة ومَنفعة ... وما يُنْشَرُ علَى مَسؤوليَّةِ أهل القلم مِن حيثُ المِلكيَّةِ والرَّأيِ. ///// الفتاة الشبح رفيقة تيرزي - الجزائر العام 1956 الفصل شتاء المكان أرض الثورة والثوار أرض الحرية والأحرار الجزائر معقل الكفاح والنضال... كانت تزيري تلميذة ومما يعنيه اسمها نور القمر أو القمر المكتمل ب الشاوية وكانت حقا تشبه القمر في طلعته ليلة اكتماله هي فتاة جميلة وذكية وغيورة على وطنها تناضل من أجل قضية بلادها إذ انخرطت في إحدى المنظمات الشبانية للطلبة الذين لهم اتصال مباشر بالثوار المجاهدين ولم يكن أحد يعلم بذلك لأن والديها يذكِّرانها دائما بالاهتمام بدراستها والابتعاد عن كل ما يسمونه الحركات الشبانية السرية المساندة للثورة التحريرية ويقولان لها: أنت فتاة ولا تستطيعين فعل شيء لذا تجنبي المشكلات والاشتباك مع الجنود الفرنسيين وكانت ترد عنهم: لا تقلقوا أنا لا أعرف أحدا من هؤلاء الفلاڨة ... وأسرع والدها صارخا في وجهها: هم ليسوا فلاڨة هذه لغة المستدمر الغاشم هم أحرار أبطال رفضوا الذل والاستعباد... فكانت تزيري تبتسم وتقبل والدها وتقول له: كنت أمزح معك فقط. كانت تزيري تخرج للدراسة وهي في أبهى حلة وتبتسم في وجه الجيران تحيي الصغار والكبار وتتجه نحو مدرستها وتجتهد في النجاح والمعرفة لأنها كانت تدرك جيدا أن العلم أساس التحرر والرقي وبقاء الأمم وكانت تساعد المجاهدين في نشر المقالات المشجعة للشباب للالتحاق بصفوف الثورة التحريرية وتقوم بتوفير بعض الأدوية للمجاهدين عن طريق أحد العمال في المستشفى بسرية تامة وكانت تمر في طريقها أمام إحدى الثكنات العسكرية الفرنسية حيث كان أحد الضباط الفرنسيين يراقبها أثناء ذهابها وإيابها وكان معجبا بها لدرجة الجنون... لا تهددني.. وفي أحد الأيام حاول التكلم معها لكنها لم تمنحه فرصة لذلك أوقفها عنوة وأخبرها أنه يحبها فأجابته: أهكذا يكون الحب عندكم بالتهديد والضغط؟ فقال: أنت التي رفضت التوقف لسماع كلامي. قالت: أنا أدرس ولن أحبك مهما يحدث ولو كنت آخر رجل في هذا الكون... فرد عليها بغضب شديد: إما أن تتزوجيني أو لن تتزوجي أي أحد آخر..فردت: لا تهددني فأنا لا أخشاك وابتعد عن طريقي. وبعد أن يئس الضابط شارل من تزيري قرر الذهاب إلى والدها وأخبره أنه يريد الزواج من ابنته... ولما سمع والد تزيري ذلك خاف كثيرا عليها وقال: إن ابنتي صغيرة وهي تدرس ولم تبلغ سن الزواج بعد... فقال الضابط: سآخذها رغما عن الجميع. وفي إحدى الليالي جاء الضابط شارل ومعه مجموعة من العساكر ودخلوا منزل عائلة تزيري ووجهوا أسلحتهم نحو أفراد العائلة وأخذوا تزيري رغما عنها.. وحاول والدها إنقاذها فأطلقوا عليه الرصاص وسقط شهيدا وأخذوا تزيري عنوة وغادروا وتوجهوا بها إلى أحد المنازل خارج المدينة وأدخلوها وطلب منهم الضابط الانصراف وقال: لقد أصبحت ملكي فنظرت في وجهه وبزقت عليه ثم قالت: الموت أهون عليَّ من أن أكون ملكا لك.. فرد عليها قائلا: هكذا إذ ما رأيك إن جعلتك تتمنين الموت وتتوسلين إليَّ كي أقتلك وسأحول وجهك الجميل هذا إلى مسخ لا يستطيع أحد النظر إليه... ثم أمسكها من شعرها ووضع وجهها داخل مدفأة الحطب الممتلئة بالجمر المشتعل وهي تصرخ حينا وتختنق حينا آخر حتى أغمي عليها فدفع بها إلى الأرض. محاولة الفرار وخرج وأغلق الباب خلفه بالمفتاح... وفي الصباح أفاقت تزيري والألم يمزقها ووجهها مشوه تماما وفتحت عينيها فاستطاعت الرؤية وبدأت بالبكاء وكانت دموعها تنسكب على وجهها وتزيد من وجعها ووقفت محاولة الفرار لكنها وجدت الباب مغلقا وبدأت بتفتيش المنزل فوجدت دلوا فيه وقود يستعمل للإنارة فأخذته وخبأته وأحضرت كبريتا وانتظرت حتى عاد الضابط وجلست وادعت العمَى فنظر إليها وهو يحمل مرآة ويقول:تزيري انظري لوجه القمر ذاك كيف أصبح؟ وبدأ بالضحك والقهقهة ثم قالت تزيري: أنا لا أستطيع رؤية شيء.. قال: ماذا؟ يا للأسف لن تري وجهك كيف أصبح؟ وبعد أن ضمن أن تزيري لا تبصر أبدا اطمأن وبدأ بخلع ثيابه ووضع مسدسه أولا ثم أكمل نزع ثيابه ولكن تزيري باغتته بأخذ مسدسه وأشهرته في وجهه وقالت: ستدفع ثمن فعلتك الشنيعة هذه فنظر إليها مندهشا وهو يقول: هل حقا تستطيعين الرؤية.. قالت: نعم ولسوء حظك فبدأ بالتوسل إليها وهو يخبرها أنه سيعالجها ويتزوج بها لكنها أطلقت النار على قدميه فسقط ثم أطلقت رصاصتين على يديه وبدأ بالصراخ وهو يتوسلها حينا ويتوعدها حينا آخر لكنها قالت له: على رسلك لم ترَ الألم الحقيقي بعد.. هذه أنا.. وأحضرت دلو الوقود وسكبته على كامل جسمه بدءا بوجهه وقالت: رأيتك وأنت تستمتع بحرق وجهي فأردتك أن تعيش المتعة الحقيقية وأنت تشتعل... ثم فتحت الباب وأخذت ملابسه ومسدسه وذخيرته وأشعلت عود الكبريت ورمته عليه وأضرمت النار في جسمه وخرجت وأقفلت الباب خلفها بالمفتاح وغادرت متخفية وانتظرت حلول الظلام واتجهت صوب منزل والدها ودقت الباب فسألت أمها: من هناك؟ فردت تزيري بصوت خافت: هذه أنا افتحي يا أمي.. ففرحت الأم بسماع صوت ابنتها وبعد فتحها الباب تفاجأت بمنظر وجه ابنتها وهمت بالصراخ لكن تزيري أغلقت فمها وأدخلتها وطلبت منها الهدوء فبدأت الأم بالبكاء على حال ابنتها فقالت لها ابنتها: أرجوك يا أمي أعطني شيئا يعالج وجهي فوقفت الأم وأحضرت مسحوق دباغة كانت تستعمله لعلاج الجروح والحروق ودهنت وجه ابنتها بزيت الزيتون ووضعت مسحوق الدباغة على وجه ابنتها وكانت تكرر العملية حتى شفيت تزيري من حروقها مع أن وجهها أصبح مشوها ولكنها لم تستسلم لذلك وقررت بدء قصة كفاح جديدة ولم يكن أحد يعلم بعودة تزيري حتى الأقربين خشية ملاحقة الجنود الفرنسيين لها بسبب قتلها الضابط شارل وإحراقه سوى جار لهم رآها وهي تخرج وعلم أنها تزيري وأنها تشوهت... المرأة الشبح بدأت تزيري بالخروج ليلا متخفية في لباس الضابط الفرنسي وهي تحمل مسدسا وتتقنص العساكر الفرنسيين وهم يعودون إلى منازلهم أحيانا أو يتجهون نحو الخمارات أحيانا أخرى بعد الانتهاء من أعمالهم... وكانت تتربص بهم حتى يمرون منفردين بأحد الأزقة المظلمة وتطلق النار عليهم ثم تأخذ أسلحتهم وذخائرهم وملابسهم العسكرية وتسلمها لأحد المسبلين لإيصالها إلى المجاهدين في الجبال وكانت تزيري تتلثم حتى لا يعرفها أحد ولا تظهر وجهها إلا للعساكر الفرنسيين الذين تتخلص منهم وهم يحتضرون وتقول لهم: تذكروني جيدا أنا المرأة الشبح. وبدأ البحث عن قاتل الجنود الفرنسيين ولكن لا أحد يملك جوابا واستمر اغتيال الجنود الفرنسيين وكانت تزيري تصطاد هم واحدا تلو الآخر وبينما تزيري تتربص بأحد الجنود المارين سمعت صراخا ينطلق من أحد البيوت الجزائرية فاندفعت نحو المنزل الذي سمعت منه الصراخ وكان الباب مفتوحا فدخلت وأغلقت الباب خلفها فوجدت جنديين فرنسيين يحاولان اغتصاب فتاتين كانتا مع والدتهما الطاعنة في السن والمريضة وكانت العائلة بلا سند أو معين فوالدهما تم زجه في السجن ولا أحد يدافع عنهن... فلما رأوا تزيري ترتدي ثيابا عسكرية وملثمة ظنوها من العساكر الفرنسيين فقال الجنود: ما رأيك بهذه الغنيمة إننا نحاول الظفر بها؟ فأطلقت عليهما النار وهي ترفع لثامها وسألها أحدهما: من أنت فأجابت: أنا الفتاة الشبح وقتلتهما ثم أخذت ثيابهما وأسلحتهما وذخائرهما ولفتهما في إزار أسود كل واحد على حدة وتأكدت من عدم وجود أحد في الخارج فوضعته في نقالة لجلب الحاجات المنزلية ورمته بعيدا ثم أكملت التخلص من الثاني وطلبت من الفتاتين تنظيف الدماء وكتم سر ما حدث وطلبت منهما غلق الباب... عساكر فرنسا.. وبعد أيام ذهب الجنود الفرنسيون إلى منزل الضابط شارل الموجود خارج المدينة وفوجئوا عند وصولهم برؤية المنزل متفحما ووجدوا جثة الضابط متفحمة وقد أكلت بعضها الكلاب الضالة والحيوانات المفترسة فاتجهوا مباشرة نحو منزل تزيري وعند طرقهم الباب بعنف عرفت تزيري أنهم عساكر فرنسا فصعدت سقف المنزل وبقيت في الأعلى مختبئة وسحبت السلم الخشبي للأعلى حتى لا يلاحظه أحد وعند دخول الجنود الفرنسيين سألوا والدتها عن تزيري فأخبرتهم أنها لم ترها منذ أن أخذها الضابط شارل فرفع العسكري يده وصفعها وقال: أنت كاذبة ابنتك أحرقت شارل وأحرقت منزله ونحن لم نجد سوى جثة واحدة ولا يوجد أثر لجثة أخرى الجثة التي عثرنا عليها كانت لرجل وفتشوا المنزل ولم يجدوا شيئا وأطلقوا الرصاص على والدة تزيري فسقطت على الأرض شهيدة.. وبعد مغادرة الجنود نزلت تزيري فوجدت أمها قد سقطت في ساحة الشرف وأقسمت الانتقام لأمها فخرجت ولحقتهم حتى وجدتهم واختبأت وبدأت بإطلاق النار عليهم فقتلت ثلاثة منهم وفر اثنان بعد أن تمكنت من معرفتهما ثم بدأت بتقفي آثارهما حتى تسنت لها الفرصة لدخول منزل أحدهما وكان أعزبا يعيش بمفرده فقتلته وبقيت تتعقب الثاني وذات يوم تسللت إلى منزله واختبأت خلف الستائر تنتظر دخوله فدخل وكانت معه ابنته فلما رأت الفتاة الصغيرة لم ترد قتله أمامها لذا انتظرت خروجهما وغادرت وبقيت تلحقه إلى أن خرج ذات مساء إلى الحانة فأطلقت عليه النار ثم رحلت عن المدينة واتجهت نحو الريف واتخذت منزلا مهجورا بيتا لها وكانت دائما حذرة وهي تقتنص العساكر الفرنسيين الذين كانوا يهاجمون القرية بين الحين والآخر... ومرة هي تتجول في الغابة رأت رجلا كبيرا في السن يحمل أكياس القمح والشعير على حماره وكان قد حصد السنابل من أرضه وأخذها لبيته وإذ بأحد الجنود الفرنسيين يعترض طريقه ويضربه ويأخذ الحمار بما يحمله من أكياس فقتلته وأوقفت الرجل المسكين وطلبت منه تغيير الطريق وأخذت ثياب الجندي وسلاحه وذخيرته وغادرت... الشكوك تحوم.. وكثف العساكر البحث عن تزيري في المدينة وتم تكليف الضابط إيمانويل بالقضاء عليها وكان ينبش الأرض بحثا عنها للانتقام لمقتل شارل الذي كان صديقا حميما له وبدأت الشكوك تحوم حولها في مقتل العساكر الفرنسيين منفردين فعلمت تزيري بأن إيمانويل وضع جائزة لمن يخبر عن مكانها أو يمسكها.. وكان أحد الخونة من جيران تزيري رآها وهي تقتل أحد الجنود قد سمع بالمكافأة المالية فذهب للشرطة الفرنسية وأخبرهم أن تزيزي هي الفتاة الشبح ولقد احترق وجهها وهي من يقتل الجنود الفرنسيين وأصبحت تزيري معروفة لدى العساكر الفرنسيين ب الفتاة الشبح وصار البحث عنها دقيقا ودوت توقف... وفي أحد أيام الأحد الذي كان عطلة للفرنسيين خرج إيمانويل مع ولديه في نزهة نحو الغابة وكانت تزيري تجلس على ضفاف الوادي تتأمل متلثمة بوشاحها الذي كان يطير مع نسمات الرياح وكانت زخات المطر تنزل متفرقة وفجأة سمعت صوتا يناديها يا ابنتي... فرفعت عينيها فرأت الرجل الهرم الذي أنقذته من يدي الجندي الفرنسي فقالت: هل من أمر يا عم؟ فقال: أتيتك ببعض الدقيق والخضر والفواكه... فقامت وشكرته ثم قالت: لعلك أحوج مني إلى هذا المؤونة؟ فقال: الحمد لله جنيت خيرا كثيرا من بستاني وخبأته عن أنظار العدو ثم قال: يا ابنتي لا تجلسي هنا بالقرب من الوادي... قالت: لماذا ياعم فأنا أحب منظر الوادي وصوت خرير المياه؟ فقال:انظري إلى أعالي الجبال فإن السماء سوداء وهذا يعني أن الأمطار غزيرة هناك وهذا الوادي يصب من أعالي الجبال ولطالما ثار هائجا وحمل على الناس وأودى بأرواح الكثير من الرعاة والعابرين... فقالت: سأدخل بيتي الآن أشكرك ياعم وإن احتجتني ستجدني هنا... ودخلت تزيري منزلها وكانت تطل على النافذة وتسمع ثورة الوادي الذي ثار بقوة هائلة وصوته سبق سيله... باغتهم الوادي.. في الأثناء كان إيمانويل مع ولديه يجلسان على ضفاف الوادي وفجأة باغتهم الوادي وجرهم في طريقه وبدأوا بالصراخ فسمعتهم تزيري وأسرعت نحو الوادي ورمت بجذع شجرة كبيرة قريبة من الوادي ورأت الطفلين وهما يصرخان فرمت لهما بالجذع وطلبت منهما التشبث به وسارت على الجذع فأمسكتهما وسحبتهما إلى الضفة وبدآ يتوسلان إليها كي تنقذ والدهما فراحت تبحث عنه ورأته متشبثا بجذع شجرة قديم يكاد السيل يجرفه وعرفت أنه الضابط إيمانويل الذي يتقفى أثرها من أجل القبض عليها فاعتذرت من الطفلين قائلة: إن أنقذته قد يقتلني أو يقبض عليَّ... قالت الفتاة: هل أنت الفتاة الشبح ؟ قالت تزيري: نعم أنا فردت الطفلة: لكنك طيبة وأبي كان مخطئا بحقك وبدأت تترجاها لإنقاذ والدها فقررت تزيري إنقاذه إكراما لتلك البراءة فمدت له وشاحها وساعدته على الخروج من الوادي.. وعندما همت بالرحيل أشهر مسدسه في وجهها قائلا: إلى أين ستذهبين؟ أنت مقبوض عليك... وبدأ ولداه بالبكاء قائلين: دعها تذهب في حال سبيلها فلقد وعدناها أنك لن تؤذيها إن أنقذتك ثم ركضت تزيري محاولة الفرار فأطلق النار عليها فسقطت أرضا ولحقها الضابط وولداه ثم نظرت في وجه الأولاد وقالت: لا تكونا كوالدكما ناكرين للجميل فهذه الأرض لها أصحابها ولا تأخذا ما هو ليس ملكا لكما لأن ثمنه سيكون باهظا وأطلق عليها الضابط رصاصة أخرى فرفعت سبابتها وهي تنطق بالشهادة ولفظت أنفاسها الأخيرة وصعدت روحها الطاهرة إلى بارئها وحملها الضابط ووضعها في صندوق السيارة والطفلان يبكيان ويقولان: أنت إنسان جاحد نحن نكرهك أنت قتلت المرأة التي أنقذت حياتنا جميعا... أنت عديم الإنسانية.. ولما دخلوا المدينة قال إيمانويل: سأوصلكما إلى المنزل ثم آخذ جثة المرأة للقادة ولما وصلوا إلى المنزل دخلا وهما يبكيان فخرجت والدتهما وسألتهما عن سبب بكائهما فأخبراها ما حدث وأنهم كانوا سيموتون لولا الفتاة الشبح التي أنقذت أرواحهم جميعا ووالدهما قام بقتلها وأحضر جثتها ليتم التنكيل بها في شوارع المدينة كي يجعلوها عبرة للناس.. فسألته زوجته: هل حقا هذا ما حدث؟ فرد:نعم.. فقالت: أعد الجثة من حيث أتيت بها ليتم دفنها فأنا أشمئز منك. فرد: هذه الجثة ستجعلني أترقى لأرفع المناصب في عملي. فقالت زوجته: وهذه الجثة لولاها لفقدت عائلتي وبقيت وحدي لذا أعد الجثة فرفض واندفعت ابنته نحوه وبدأت تلطمه وهي تقول: أنت عديم الإنسانية وسحبت منه مسدسه وابتعدت ثم قالت:إن لم تترك جثة تلك المرأة فسأقتلك. فقال: ما تزالين طفلة ولن تفهمي شيئا.. وقال: سأسلم جثة المرأة للسلطات الفرنسية فضغطت ابنته على الزناد وأطلقت رصاصة أصابت بها رأس والدها فأردته قتيلا وأصابتها حالة هستيرية من الهلع وبدأت بالصراخ فضمتها والدتها وقالت: اهدئي حبيبتي لقد فعلت الصواب هو الذي اختار هذه النهاية ثم أخذت جثة تزيري إلى أهالي القرية ليدفنوها وقبل أن تغادر رفعت الغطاء عن وجه تزيري وقبلتها قائلة: شكرا لك لأنك أنقذت أولادي فلتنم روحك بسلام وقبلها الولدان وهما يبكيان ويقولان: سامحينا فأنت علمتنا كيف تكون الإنسانية ولن ننساك ماحيينا.. وتم دفن تزيري في حزن كبير وحزن لموتها العدو قبل الحبيب وبكاها البعيد قبل القريب. واتجهت زوجة إيمانويل نحو الشرطة الفرنسية وأخبرتها أن زوجها تعرض لهجوم في منزله وتم اغتياله وتم دفنه وبعد مدة حملت أطفالها ورحلت إلى فرنسا وكانت حاملا فأنجبت طفلة أسمتها تزيري وفاء لذكرى امرأة علمتهم كيف تكون الإنسانية الحقيقية بعيدا عن الشعارات المزيفة لتبقى حية في قلوبهم دائما.